تترافق السمنةُ مع العديد من الأمراض، مثل السكَّري وارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب واهتراء المفاصل. وتؤدِّي هذه الأمراض، إضافةً إلى السمنة بحدِّ ذاتها، إلى زيادة مخاطر الوفاة المبكِّرة. ومشكلة السمنة وزيادة الوزن تؤرق الكثيرين على مستوى العالم أجمع وفي دول الخليج العربي والسعودية بصفة خاصة. لا سيما بعد أن وجدت عدة حلول جراحية جعلت الكثيرين يتقاعسون عن الحمية أو ممارسة الرياضة ويتجهون لجراحات السمنة بأنواعها المختلفة بحثًا عن النتائج السريعة. وفي حالات أخرى قد يكون الشخص بدينا ولا يستطيع إنقاص وزنه عن طريق النظام الغذائي أو التمارين الرياضية، وهنا تكون العمليةُ الجراحية أحدَ الخيارات المطروحة لمعالجة ذلك. وتُعرف الجراحات التي تُجرى لمساعدة المريض على تخفيف وزنه باسم جراحات معالجة السمنة، ومن أشهر تلك الجراحات «تكميم المعدة»، والتي أصبحت -نظرا للإقبال الكبير عليها- سوقا رائجة في العديد من المستشفيات والأطباء المتخصصين في هذا النوع من الجراحات. ورغم أن الإحصاءات تؤكد أن أكثر من 60% من النساء بالسعودية و40% من الرجال يعانون من السمنة، وأن العديد من هؤلاء يلجأون لما يعرف ب»جراحات السمنة»، سواء داخل المملكة أو خارجها، نظرا لتباين التكاليف، والتي تعد مبالغ فيها داخل المملكة قياسا بغيرها من دول المنطقة، حيث تصل في المملكة إلى ضعف تكاليف الخارج في بعض الأحيان، رغم تذاكر الطيران والإقامة بفنادق فاخرة، وأحيانا توفير جولات سياحية. «المدينة» فتحت ملف السمنة من جديد، نظرا لخطورتها البالغة على صحة المجتمع، بالإضافة إلى كونها تكلف المملكة نحو 19 مليار ريال سنويًّا.. مرضى: تحقق نتائج مع الزيادة المفرطة تواصلت «المدينة» مع بعض الاشخاص الذين خضعوا لعملية التكميم، حيث قال علي الحمراني: كنت أعاني قبل العملية من الكسل والخمول وآلام العظام وعدم تنظيم في الجدول اليومي وإضافة إلى المعاناة في اللبس والإحراج أيضا من زيادة الوزن أقدمت على العملية وأنا مقتنع بها، حيث بلغت تكلفة العملية 42 ألف ريال، وبعد العملية تغيرت حياتي إلى الأفضل، حيث أصبحت أفضل نفسياً وأصبحت قادرا على الحركة، حيث كان وزني قبل العملية 160 كيلو والآن أصبحت 80 كيلو خلال سنتين فقط. وقال محمد العتيبي: إن السمنة تعيقك في الحياة وفي مزاولة حياتك اليومية غير الخوف من عواقب السمنة حيث كان وزني 180 كيلو وبعد إجراء العملية بسنتين أصبح وزني 65 كيلو. وقال أنيس الغامدي: كنت أعاني من السمنة منذ الصغر، ولجأت للرجيم في البداية أكثر من مرة، وكل ما أنتهي من الرجيم يرجع وزني ضعف ما خسرته، وآخر مرة وصل وزني 155 كيلو، وخضعت للرجيم ونزل وزني إلى 124 كيلو، حتى وصلت لمرحلة من اليأس وعدم قدرتي على إكمال الرجيم، وبالفعل أوقفته ورجعت للأكل بشراهة ورجع وزني بسرعة مثل ما كان خلال أشهر معدودة، وطبعا كنت أعاني من التعب في الحركة وألم بالركب، كما عانيت من الدوالي بسبب السمنة وعدم الراحة في النوم، وكنت أحس بضيق بالنفس وآلام بالجهة اليسرى بصدري وقت النوم، كما أن منظري العام كان غير لائق، حتى سمعت عن التكميم وبدأت أهتم بالموضوع فدخلت الإنترنت وبحثت عن أشخاص قاموا بالتكميم، وتعرفت على حساب رابطة المتكممين بالانستقرام وتحمست للعملية بعد ما أن رأيت نتائجها على بعض المتكممين، ومن ثم قررت إجراءها حيث كانت تكلفتها 27 ألف ريال، والحمدلله بعدها، وخلال تسعة أشهر فقدت تقريبا 70 كيلو، والآن بعد مرور سنة وثمانية أشهر أصبح وزني 66 كيلو. استشاري جراحة: يعود الوزن بعد سنوات إذا أهمل المريض يقول الدكتور عبدالحميد الغامدي استشاري الجراحة عامة وجراحة المناظير: إن تكميم المعدة هي عملية جراحية لإنقاص الوزن، يتم فيها تقليل حجم المعدة إلى حوالي 25٪ من حجمها الأصلي، من خلال الاستئصال الجراحي لجزء كبير منها، بحيث تقلل العملية حجم المعدة بشكل دائم، مع العلم أنه من المحتمل أن يتم توسع المعدة في وقت لاحق، فيتم تنفيذ هذه العملية بشكل عام عن طريق المنظار ولا يمكن الرجوع فيها. وبإزالة جزء من المعدة، وترك جزء صغير منها بحجم حبة الموز، يصبح بالإمكان الحد من كمية الطعام المتناولة والشعور بالشبع خلال فترة قصيرة. ويوضح د.الغامدي أن المعرفةُ الجيِّدة بالجهاز الهضمي تعد أمرا ضروريا من أجل فهم جراحة تكميم المعدة، وعقب الجراحة يبقى المريضُ ليلة واحدة أو ليلتين في وحدة المراقبة قبل المغادرة إلى المنزل، وفي اليوم التالي للعملية الجراحية، يتم إجراء صورة أشعة للمعدة، للتأكُّد من أنَّه لا يوجد أيُّ تسرُّب أو انسداد. ومن المهمِّ جدا أن يبقى المريضُ نشيطا، وأن يتمشَّى في الردهات خلال إقامته في المستشفى، إذ إنَّ ذلك يساعد على منع جلطات الدم والالتهاب الرئوي والإمساك. ويُزوَّدُ المريضُ أيضا خلال إقامته في المستشفى بجهاز صغير لمساعدته على التنفُّس، يُسمَّى محفِّز التنفُّس. وهو يساعده على الوقاية من الالتهاب الرئوي وانخماص الرئة ومشاكل أخرى في التنفُّس. وحالما يسمح الطبيب للمريض بتناول الطعام، فإنَّه يُوضَع على نظام غذائي خاص مؤلَّف من السوائل في أوَّل أسبوعين، ثمَّ على أطعمة طرية أو مهروسة لمدة أسبوعين آخرَين. لا يكون المريض قادرا على تناول كمِّية كبيرة من الطعام، لأنَّ جراحة تكميم المعدة قد جعلت المعدة أصغر حجما. حيث تستوعب حوالي 2-4 أوقية. يجب على المريض أن يتناولَ الفيتامينات والمتمِّمات الغذائية يوميا، مثل الحديد والكالسيوم، مع الأدوية الأخرى التي يرى الطبيب أو اختصاصي التغذية أنَّها ضرورية. تُعدُّ جراحةُ إنقاص الوزن ناجحة عندما يخسر المريضُ نصفَ الوزن الزائد، ويحافظ المريض على هذه الخسارة مدَّة خمس سنوات. ويشير د.الغامدي إلى أنه رغم أنَّ بعضَ المرضى قد يستعيدون بعضَ الوزن خلال السنوات التالية، فإنَّ كثيرا من المرضى يحقِّقون خسارة في الوزن بين ستين وسبعين بالمائة من الوزن الزائد. قانوني: تخضع لإرادة المريض ولا تتطلب إذنا من ولي الأمر ويقول المحامي هشام حنبولي: إن الأصل في هذا الموضوع هو أن المريض رجلا كان أو امرأة، إذا كان بالغا عاقلا قادرا على التعبير عن إرادته؛ فإن الإذن في الإجراء الطبي هو خاص به وليس لأحد أن يجبره على ذلك، أو يأذن نيابة عنه لإجرائه، مبينا أنه ليس لأحد الاعتراض على ذلك، ما لم يكن هناك مبرر شرعي كما هو في حالة عدم أهلية المريض أو عدم قدرته على التعبير عن إرادته، فهنا يأتي دور الولي على المريض لإبداء موافقته على الإجراء أو رفضه، وعلى الولي أن يتصرف بما فيه المصلحة للمريض، وذكر حنبولي أن ما جاء في قرار هيئة كبار العلماء رقم (119) في عام 1404ه أنه: «لا يجوز إجراء عملية جراحية إلاّ بإذن المريض البالغ العاقل، سواءً أكان رجلا أو امرأة، فإن لم يكن بالغا عاقلا فبإذن وليه»، مضيفا أن المادة 19 من نظام مزاولة المهن الصحية الصادر عام 1426ه نصت على: «لا يجب أن يجرى أي عمل طبي للمريض إلا برضاه أو بموافقة من يمثله أو ولي أمره إذا لم يُعتد بإرادته، باستثناء حالات الحوادث والطوارئ والحالات المرضية الحرجة، التي تستدعي تدخلا طبيا بصفة فورية أو ضرورية لإنقاذ حياة المصاب أو عضو من أعضائه، أو تلافي ضرر بالغ ينتج من تأخير التدخل وتعذر الحصول على موافقة المريض أو من يمثله أو ولي أمره في الوقت المناسب، عندها يلزم إجراء العمل الطبي دون انتظار الحصول على تلك الموافقة»، وكذلك يورد «حنبولي» التعميم الصادر من وكيل وزارة الصحة للشؤون التنفيذية في 27/11/1424ه والذي ينص في الفقرة السادسة على أن يخضع توقيع القرارات الطبية الخاصة بالعمل الطبي أو الجراحي إلى موافقة المريض البالغ العاقل، سواءً أكان ذكرا أو أنثى، أما غير البالغين أو فاقدي الأهلية العقلية، فيوقع عنهم الأشخاص المخولون عنهم، ذاكرا أن المادة الحادية والعشرين من اللائحة التنفيذية لنظام وزارة الصحة نصت على وجوب أن يتم أي عمل طبي للإنسان برضاه أو بموافقة من يمثله، إذا لم يعتد بإرادة المريض. ويوضح حنبولي أنه مما تقدم يتبيّن لنا من قرار هيئة كبار العلماء ونظام ولائحة مزاولة المهن الصحية، عدم اشتراط موافقة ولي أمر المرأة على إجراء عملية طبية لها إذا كانت قادرة على التعبير عن إرادتها وهي مؤهلة لذلك، وباستثناء الحالات الطارئة التي تتطلب تدخلا جراحيا تكون المرأة فيه فاقدة الوعي أو في حالة صحية لا تمكنها من التعبير عن رأيها تكون موافقة ولي الأمر مطلوبة للقيام بالإجراء الطبي، وكذلك يمكننا القول بأنه توجد حالات تبرر الحصول على إذن الزوج أو ولي الأمر مثل الحالات المؤثرة على الإخصاب والأجنة وعلاج العقم وإزالة الرحم، مشيرا إلى إن لجوء المستشفيات لأخذ إقرار من ولي أمر المرأة لإجراء عملية ربما كان بقصد الحصول على ضمان عدم مطالبة ولي الأمر لها بالتعويض عن الأضرار التي قد تنتج من إجراء العملية للمرأة، ناصحا بضرورة تطبيق إرادة المرأة بقبول أو رفض إجراء العملية وعدم تعليقه على موافقة ولي الأمر، باعتبار أن ذلك حق يتعلق بسلامتها وراحتها ومستقبلها، ما لم تكن هناك مبررات شرعية لأخذ موافقة شخص آخر. استشاري تجميل: تكلفتها حسب المستشفى ولا تصلح لكل المرضى أوضح رئيس قسم التجميل بمستشفى الملك فهد العام الاستشاري الدكتور حسين الشريف، أن أسعار التكميم تختلف من مستشفى إلى آخر، حيث تراوحت في المستشفيات الخاصة بجدة ما بين 30 إلى 35 ألف ريال، وفي المراكز الطبية الشهيرة تصل من 60 إلى 65 ألف ريال، كما تختلف الأسعار من طبيب إلى آخر. ومن سلبيات عملية تكميم المعدة أنها لا تُلائم المرضى الذين يشتكون من ارتجاع الحمض المعدي إلى المريء، كما أنها لا تلائم المرضى الذين تكون السمنة لديهم ناتجة بدرجة أساسية من تناول السكريات. وتستغرق العملية من 45 دقيقة إلى ساعة، ويمكث بعدها المريض مدة يوم واحد في المستشفى، ويمكنه مزاولة العمل خلال أسبوع بعد عملية تكميم المعدة. وكشف استشاري جراحة المناظير والسمنة في مدينة الملك فهد الطبية الدكتور عايض القحطاني، أن المملكة شهدت خلال العام الماضي أكثر 20 ألف عملية «تكميم معدة»، مشيرًا إلى أن الإقبال على هذه العملية ارتفع داخل المملكة بنسبة 100% خلال السنوات الخمس الماضية. وأوضح الدكتور القحطاني أن عملية «التكميم» تُجرَى للمرضى شديدي السمنة كمرحلة أولى، تعقبها عملية تحويل مسار المعدة، بعد أن يكون المريض قد فقد نسبة كبيرة من وزنه الزائد، وبيّن القحطاني أن عملية التكميم تُعرف أحيانًا بقص المعدة، أو تصغيرها، أو تدبيسها، وأول عملية من هذا النوع أُجريت عام 1999، وبدأت في المملكة عام 2006، وتطورت أساليبها حتى أصبحت أكثر العمليات شيوعًا الآن في معظم أنحاء العالم.