واصل مركز الحرب الفكرية بوزارة الدفاع تفنيد الشبهات التي وقع أو يقع فيها المتطرفون دينيًّا وفكريًّا؛ حيث أشار المركز إلى كَثرة الجدل الفقهي «قديمًا وحديثًا» حول عقوبة المرتد، وهي من جملة المسائل كثيرة الدوران والتوسع بالتأويلات الباطلة في عدد من أطروحات الإرهابيين، وطرح المركز جدلية بعض الآراء، في 17 تغريدة توضح جدلية عقوبة المرتد. من التغريدات التي توضح الجدل حول عقوبة المرتد حديث: «من بدّل دينه فاقتلوه» يُفسِّره حديث: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث..»، ذكر منها «التارك لدينه المفارق للجماعة»؛ فالمقصود هو خيانة الجماعة؛ بدليل أن تارك دينه (بالخروج عنه حقيقة) لا يُقِر بالشهادتين، فكيف يُقتل وهو يشهدهما؟ ورأى بعضٌ آخَرُ أن معنى: «من بدّل دينه» أي حرَّفه، وهي جريمة كبرى في حق التشريع الإلهي... وأن هناك نصوصًا شرعيةً لم يؤخذ بظاهرها المتبادر لأول وهلة؛ لاعتبارات ومقاصد شرعية أخرى، بيّنها أهل العلم. لم يَثْبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل مَنْ نص القرآن على رِدَّتهم، (وليس في الحدود الشرعية عفو)، وأن مِن الصحابة والتابعين وتابعيهم وبعض الفقهاء مَنْ خالفوا في ذلك بنصوص ووقائع مشهورة، ومنهم من فصَّل في المسألة، وهذا كله ينفي القول بالإجماع فيها. قد تشتمل الردة على خيانة عظمى، كما قد ينتج عنها (تداعيات) تمس «الحق العام» في انسجام الجماعة، وحصانة دينها، ورعاية سمعته، ومتى حصل هذا فله اعتبار مهم في التكييف الجنائي. لكلمة (الدين) معانٍ عدة، وهي هنا بمعنى رابطة الأمة، وعِرْضها؛ بدليل تأكيده بنص: «المفارق للجماعة» أفضى المفهوم العام «الشائع والمجرد» لحديث: «من بدل دينه فاقتلوه» إلى التوسع في تأويله، والانحراف في توظيفه عبر نظريات التطرف الإرهابي الذي كَفَّر بباطله كل من خالفه، حتى قادهم هذا الضلال إلى استهداف من وصفوهم ب: «الكفر العارض»، وأنهم أولى بالقتل ممن وصفوهم ب:»الكفر الأصلي». القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَقْتل المرتدين لمصلحةٍ شرعية، ينفي أنه حد شرعي، ثم إن التعليل بالمصلحة هنا (وهي سد الذريعة) يُعتبر منهجًا حكيمًا مطَّردًا.. ليس مقتصرًا على عهده صلى الله عليه وسلم.. بل هو القدوة عليه الصلاه والسلام على الدوام. كما تشير هذه الجدلية الفقهية إلى أن قتل المرتد يتعارض مع النصوص الشرعية التي قررت الحرية الدينية، وعدم الإكراه عليها، وبلغت أكثر من مائتي نص وواقعة، لكن لا يعني هذا عدم مراعاة ما سبقت الإشارة إليه في التغريدة (4). من المُسَلَّم به شرعاً عدم جواز الشفاعة في الحدود؛ ولذا رفض النبي صلى الله عليه وسلم العفو عمن سرقت رغم كثرة الشفاعات فيها، وبرَّر الرفض بأنه حدٌّ شرعي، لكنه في المقابل قبل الشفاعة في رِدّة عبد الله بن سعد بن أبي السرح (وما خالطها من سوء)، ولو كان حدًّا لما قبل الشفاعة فيه. كان شرط قريش في صلح الحديبية أن من يرجع من المسلمين إلى مكة مرتدًّا عن دينه (وكانت وقتئذ تحت سيادة قريش)، ليس للنبي صلى الله عليه وسلم المطالبة به؛ ولو كانت الردة حدًّا شرعيًّا لرفض النبي هذا الشرط؛ إذ لا يمكن أن يتنازل عليه الصلاة والسلام «لأي ذريعة» على حساب أحكام الشريعة. ليس في تسيير ما يُسمّى بحروب الردة دليل يخالف ما ذُكر؛ لأنها كانت في الأصل محل خلاف بين الصحابة، ولأن سياقها يُشعر بوجود حالة انشقاق وانفصال عن الدولة الوطنية الواحدة، وما صاحب ذلك من تَنَكُّب أحكام الشريعة في أهم أركانها بتمرد معلن يشكل خطورة على تماسك الدولة واحترام تشريعها. هذا الجدل الفقهي كما ذكرنا نسوقه هنا بحثاً فقط للحيلولة دون التوسع الفاسد في تأويلات التطرف الإرهابي الذي جعل من مفاهيمه الضالة في هذه المسألة محورًا رئيسًا في أطروحاته التكفيرية.. ولا يُمثل ما سبق بيانه في هذه التغريدات رأيًا فقهيًّا لمركز الحرب الفكرية، وإنما الإيراد والحوار. كانت هذه الجدلية الفقهية في نطاق حوارها العلمي الثري، ولكل رأي أدلته، وللسائد منها تأصيل له حظ من النظر والاعتبار، غير أن التطرف الإرهابي (كما ذكرنا) وظَّفها توظيفًا باطلاً؛ حيث توسع في تأويلها فأساء لقاعدة تأصيلها.. وعملياته الإرهابية تقوم على غلوه في تفسير النصوص وتوظيفها. مهمة مركز الحرب الفكرية وهو يسرد الآراء الفقهية - غيرَ متخذ أي ميول لأي منها كما ذكرنا في هذه التغريدات أن يوضح «فقط» بأن مرتكز التوظيف المكشوف والفاسد للتطرف الإرهابي كان توسعًا وغلوًّا في نصوص هي في أصل دلالتها محل تداول فقهي، فكيف بها وقد غلا فيها الإرهاب فوق مقصد تشريعها؟!