خفاجي... يا أيها الراحل في مطيات الخلود.. هل من شرف وخلود أكبر من أن تسكن كلماتك ذاكرة الوطن، وتصدح بها الحناجر في كل المحافل، وتشدو مع للوطن: سارِعي للمَجْدِ والعَلْياء مَجّدي لخالقِ السّماء وارفعي الخَفّاقَ أخضَرْ يَحْمِلُ النُّورَ المُسَطَّرْ رَدّدي اللهُ أكْبَر يا مَوطِني موطني قد عشْتَ فَخْرَ الْمُسلِمِ عَاشَ الْملكْ: لِلْعَلَمْ وَالْوَطَنْ يوم أمس الجمعة كان رحيلك الفاجع يا «خفاجي».. كان الأحباب في وداعك.. وقفوا ساعة عند حافة القبر بالمعلاة، كل واحد منهم استمطر الذكريات في لحظة الحزن العميق.. كنت حاضرًا في كل فؤاد هناك.. ومشهودًا بالمحبة في ربوع الوطن من أدناه إلى أقصاه.. سيقف الصغار ليرددوا ذات النشيد في طوابير الصباح، قبل أن يتفرقوا إلى مقاعد الدرس والتحصيل، سيعيدون قصة تأليفك للنشيد، كما رويتها في ذلك الحوار الإذاعي حيث أشرت إلى أن «الفكرة جاءت أثناء زيارة للملك الراحل خالد بن عبدالعزيز إلى مصر، وأعجب بالنشيد الوطني المصري وطلب وضع كلمات للنشيد الوطني للمملكة، الذي وقتها كان عبارة عن موسيقى خالصة.. فنلت شرف التكليف من المسؤولين السعوديين بكتابة كلمات للنشيد، لتنجز المهمة بعد 6 أشهر في عهد الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز.. فكنت بهذا الشرف أول من كتب النشيد الوطني المعروف، الذي بدأ بثه رسميًا أثناء افتتاح واختتام البث التلفزيوني والإذاعي في غرة شوال عام 1404ه.. شرف زاده الملك السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز تقديرًا بمنحك ميدالية الاستحقاق من الدرجة الأولى، تقديرا لتأليفك النشيد الوطني لبلادك.. سيذكرون لك ذلك يا «خفاجي».. وسيسقون قبرك بغيث الدعوات المستمطرات للرحمة والغفران بقلوبهم الخضراء وأصواتهم النقية.. في كل المحافل حين يخفق «الأخضر» ويرتفع «النشيد» ستكون حاضرًا.. وستجري سيرتك العطرة على القلوب الوفية، منذ أن أبصرت عيناك النور في ربوع حي «سوق الليل» بمكة المكرمة في العام 1345 ه الموافق 1926م.. سيعرف الصغار والكبار، اسمك الكامل هو إبراهيم عبدالرحمن حسين خفاجي، وأن لقب «خفاجي» صحب اسمك نسبة إلى قبيلة خفاجة.. سيستعيدون مراحلك التعليمية منذ مبتداها بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة، ورحلتك العملية التي تجاوزت ال(25) عامًا وكتبت خاتمتها بتقاعدك في عام 1389ه. عرائس الغناء نعم؛ كنت قافية في خاطر الشجن، ونوتة في الطرب السعودي والعربي، فعرفت كلماتك الانسياب طربًا في حناجر المبدعين.. موهبة أدبية وشعرية كان ميلادها في بداية الستينيات الميلادية، وشجت العلاقة بينك وبين الموسيقار الكبير طارق عبدالحكيم، لتثمر هذه العلاقة الفنية العظيمة عن أعمال فنية خالدة في ذاكرة الوطن.. ثق واطمئن لن ينساها، وقد انداحت بأصوات الرائعين: «فنان العرب» محمد عبده، و«صوت الأرض» الراحل طلال مداح، وعبدالمجيد عبدالله، وعبادي الجوهر، وعبدالله محمد، وفوزي محسون، ويحيى لبان، وصباح، ومحمد عمر، وهيام يونس، ورجاء بالمليح، وغيرهم ممن تركوا في الذاكرة قصائدك وأغنياتك الباذخات، إلى آخر النشيد «عرائس المملكة».. نم يا شفيف الروح في رحمة الله، فقد عشقت الوطن وأحبك، وفي سيرتك من المحطات ما يستوجب الوقوف طويلاً، والتكريم سابقًا ولاحقًا، وسيظل الوطن يكرمك كل لحظة وفي كل المحافل وهو يبقي جذوة كلماتك حاضرة في «النشيد».