الفكر الضال أصبح ظاهرة يعاني منها المجتمع، والأفكار المنحرفة بكل أنواعها أصبحت منتشرة بين بعض فئات المجتمع، ولئن كان الفكر الضال موجود منذ القدم في معظم المجتمعات إلا أن صوته في الفترة الأخيرة أصبح عال، وصورته أصبحت ظاهرة، وخطورته أصبحت كبيرة لوجوده بأشكال مختلفة، فالفكر الضال لا ينحصر في أولئك المنحرفين أو المتشددين أو الذين يُفسِّرون الأمور وفق أهوائهم، بل يشمل أيضا أولئك الذين يلغون الدين من حياتهم وينكرونه ولا يعترفون به، وأولئك الذين يجعلون الحق باطلا والباطل حقا. محاربة الفكر الضال لا تقتصر فقط على الجهات الأمنية ولا تنحصر مسؤوليته في رجال الأمن، بل هي مسؤولية كافة أفراد المجتمع في هذا الوطن الذي جعل الوسطية منهجه والاعتدال سياسته وتبني أسلوب الحوار والتفاعل مع الثقافات المختلفة، وجنح إلى دعوة العالم بأسره إلى التعايش الحضاري الواعي، ونبذ كل أسباب الفرقة والتعصب ومظاهر الظلم والاستبداد والسعي للانفتاح وتقبل الآخر وبناء علاقات إنسانية ومد جسور التواصل والاحترام المتبادل بين الشعوب المختلفة. قبل أكثر من ثمان سنوات ألقى صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكةالمكرمة، محاضرة علمية بعنوان: (تأصيل منهج الاعتدال السعودي)، وقد تبنى سموه الكريم وقتها إنشاء كرسي علمي بمسمى (كرسي الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال السعودي)، وذلك بجامعة الملك عبدالعزيز، وقبل أكثر من عام صدرت موافقة سموه الكريم بتحويل هذا الكرسي العلمي إلى مركز في جامعة الملك عبدالعزيز باسم (مركز الأمير خالد الفيصل للاعتدال)، والذي تبنى رسالة (بناء الفكر المعتدل والرقي بالسلوك وإثراء المعرفة عبر دراسات بحثية متميزة وشركات وبرامج نوعية)، كما يهدف إلى رفع وعي المجتمع تجاه الأفكار الضارة بكيانه واستقراره، كالإرهاب والتطرف والغلو بكافة أشكاله وتعزيز قيم الاعتدال وروح الانتماء الوطني لدى أفراد المجتمع، وإبراز الصورة الحقيقية للمملكة في مجال الاعتدال بالخارج، وقد اعتمد سموه استحداث جائزة سنوية للاعتدال هي الأولى من نوعها وذلك في مجالات مختلفة. من أكثر ما يدمي القلب أن ترى بعض الأبناء الأبرياء ممن خُدعوا بالأفكار الضالة وفي غفلة عن آبائهم وقد تم اختطاف عقولهم وتشويه مبادئهم وانقلاب فطرتهم السوية المعتدلة لتكون ضالة، فترى الابن يُكفِّر أباه وأمه وإخوانه، بل ويشفق عليهم ويدعوهم للإسلام وكأنهم خرجوا من الملة، وفي المقابل تجد آخرين أصبحوا رهائن للشهوات والمخدرات والفساد وترك الدين بالكلية، كل ذلك لأن بعضنا تهاون في المحافظة على اعتدال فكر أبنائه وسمح لتياراتٍ مختلفة أن تختطفهم من بين أيدي آبائهم، وكلنا أمل في جهود وبرامج وأنشطة مثل هذا المركز أن تساهم في إعادة عقول أولئك إلى جادة الصواب، وحماية عقول أبنائنا من الانحراف.