يبدو أن السيدتين أم كلثوم، وياسمين، تمضيان الآن على خطى السيدتين خالدة وحسينة! أما الأوليَان فهما أم كلثوم شريف، زوجة رئيس الوزراء المقال نواز شريف، وياسمين رشيد مرشحة حركة الإنصاف في باكستان. وأما الأخريان فهما حسينة واجد ابنة رئيس الوزراء المغتال مجيب الرحمن، وخالدة ضياء زوجة رئيس الوزراء المغتال أيضًا في بنجلاديش! والحاصل أن أم كلثوم قررت خوض الانتخابات البرلمانية على مقعد زوجها بلاهور، كخطوة أولى نحو التقدم لقيادة الحزب ومن ثم الترشح لرئاسة الحكومة، لكنها في الطريق اصطدمت بمرشحة قوية ونشيطة هي الدكتورة ياسمين رشيد التي تمثل عمران خان رئيس حركة الإنصاف! ومن الإنصاف نقول إن تجربة السيدتين حسينة وخالدة في بنجلاديش، تعد ظاهرة سياسية فريدة من نوعها على مستوى العالم، حيث تبادلت السيدتان موقعيهما في رئاسة الوزراء أو قيادة المعارضة في أكثر من مرة وعلى امتداد نحو 3 عقود، وتحديدًا منذ فبرايرعام 1991 عندما فازت خالدة ضياء بمنصب رئيسة الوزراء. ومن الإنصاف كذلك أن نقول إن باكستان كانت هي السباقة في مسألة قيادة المرأة «ليس للسيارة وإنما لمقاليد الحكم في البلاد»، ففي عام 1988 تولت السيدة بي نظير بوتو ابنة الرئيس الباكستاني المغتال مقاليد الحكم. على أن القواسم المشتركة في الظاهرة الباكستانية البنجلاديشية باستثناء ياسمين رشيد كانت هي الاغتيال أو الاعتقال أو الإقالة..اغتيال الأب الرئيس في حالة بي نظير وحسينة، والزوج الرئيس في حالة خالدة، والزوج المعتقل تارة والمقال أخرى في حالة أم كلثوم! لقد كان ممكنًا للسيدات الأربعة أن يمضين لحال سبيلهن بعد رحيل آبائهن وأزواجهن عن الحكم وعن الحياة، لكن دوافع عديدة، منها ما هو اختياري ومنها ما هو إجباري دفعتهن لعالم السياسة الزاخر بالمطبات والمنزلقات التي تكسر بل تقصف العمر أحيانًا ! تابعت هدير المؤيدين لخالدة وحسينة في العاصمة دكا وخارجها أكثر من مرة، تارة وهم يهتفون للزعيمة الحاكمة، وأخرى وهم يهاجمون الزعيمة المعارضة والعكس! وكنت ضيفًا عزيزًا على إحداهن وثقيلًا جدًّا على الأخرى! فإذا جلست إحداهن على الكرسي صرت ثقيلًا بحكم سماعي لأصوات المعارضة حتى تنزل! وإن غادرت الكرسي بت عزيزًا حتى تعود إليه. أريد أن أقول إن كرسي الحكم أكثر بريقًا وجاذبية للمرأة منه للرجل على عكس ما يتوقع البعض، والدليل في الحالتين الباكستانية والبنجلاديشية أن الطريق للكرسي كان أحيانًا يكون مفروشًا بالدم، وأخرى بأسلاك المعتقلات الشائكة دون أن يترددن لحظة! بل إن إحداهن دفعت حياتها ثمنًا للاستمرار. لقد شاهدت بي نظير بأم عينها كيف تم إعدام والدها الرئيس ذو الفقار علي بوتو صباح يوم 4 إبريل عام 1979، يومها ذهب صراخها هباءً، وهي ترى والدها مؤسس حزب الشعب جثة هامدة! ومع ذلك استمرت في الطريق نحو كرسي الحكم الذي تقلدته فعلًا قبل أن يتم اغتيالها وسط مؤيديها من حزب الشعب عام 2007 . قريبًا من ذلك، كان مشهد خالدة، وهي تتسلم جثة زوجها الرئيس ضياء الرحمن، مستجيبة لنداء الكرسي أو لنداء الحزب الوطني الذي أوصلها للحكم عام 1991، وإلى السجن عام 2007. أقرب وأغرب، كانت رئيسة الوزراء الحالية لبنجلاديش، والتي نجت وحدها من حادث اغتيال استهدف أسرتها كلها عام 1975، ومن حادث اغتيال آخر استهدفها عام 2004 ثم عاشت فترة في المنفى بين بريطانيا والهند، حتى انتخبت رئيسة ل»رابطة عوامي»، وعادت لبلادها في 1981 لتصل إلى كرسي الحكم في المرة الأولى عام 1996. لا أظن أن «النداهة السياسية» هي التي جذبت بطلة الفيلم الشهير على طريقة الأديب الراحل الدكتور يوسف إدريس، ولا أظن أنها «دوافع الانتقام» التي همست بها ل»السيدة حسينة»، ولا أعتقد أنها «مشاعر الغيرة» التي فسرتها لي السيدة خالدة في بيتها»، ولا أميل إلى أنه «بريق الكرسي»، وإنما هي ذلك كله!.