ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل! هكذا يقرر الله تبارك وتعالى، فليس من حالة بشرية قائمة اليوم إلاّ ولها في محكم التنزيل شبيه أو مثيل. ولعّل تكذيب الرسل أولها، وفي ذلك أكبر العزاء للدعاة والمصلحين الذين يمسون ويصبحون، وهم ضحايا لكل أنواع الكذب والافتراء والاتهامات الباطلة التي لم يسلم منها نبي مرسل ولا مصلح مخلص. والاتهامات الباطلة هي أكبر أسلحة الظلمة الفجرة الذين يجاهرون بالكفر والعناد مباشرة. ومن أشد هذه الاتهامات السحر والجنون والسفاهة. وفي السحر اتهام بالعمالة للجن والمردة، وترجمتها اليوم العمالة للآخرين والاستقواء بهم والركون إليهم. وأما الجنون والسفاهة، فهو قرين الدروشة والغباء اليوم، فيُقال ذلكم درويش لأنه لا يجيد لغة السياسة المعاصرة، ولا يفقه أولوياتها المتشابكة، فهو مثل صريح لا يكذب، وأمين في الحق لا يجامل، ومخلص لا يرتشي ولا يشتري ولا يُشترى. أما الاتهامات المبطنة، فحدّث ولا حرج! منها نزع رداء الوطنية عن الآخر كونه عنهم مختلف، وعن سبيلهم مبتعد. هؤلاء إذا نُصحوا بتجنب الإفساد في الأرض، قالوا (إنما نحن مصلحون!!). ولترسيخ هذه الدعوى الزائفة يتنادى هؤلاء المحتكرون لأردية الوطنية وشعارات الإصلاح للذبّ عن أحواضهم المهترئة وصورهم المهتزة، إذ هم يعلمون يقينًا أن باطلهم سراب، سرعان ما ينكشف: (ولتعرفنّهم في لحن القول)، (قد بدت البغضاء من أفواههم)، وما تخفي صدور النفاق أكبر. في القرآن الكريم من كل مثل، حتى التطفيف في الكيل والبخس في الميزان مارسه علانية قوم شعيب عليه السلام، حتى أخذهم الله فما ترك لهم سوى الأثر. وكذلك فعل قوم لوط الذين بلغوا قمة الفحش الفاحش، فخسف الله بهم الأرض، وجعل عاليها سافلها، أي أن الغرب الذي يضرب لنا اليوم مثلًا في الانحدار الأخلاقي والانحلال الجنسي، كان له سابقون من قبل، ربما بلغوا أضعاف ما بلغه الغرب في عصرنا هذا، والله أعلم بما تخبئه الأحداث والأقدار. بيد أن أبلغ رسالة وأجمل بشارة للصابرين الصادقين تتلخص في النهايات والمآلات: (والعاقبة للمتقين).