غابت ثقافة حقوق الإنسان، وتكاد أن تكون معدومة في مجتمع لا يبحث عنها إلا عند الحاجة، ليفقد بعضًا من حقوقه فأصبح الضعف مهيمنًا على طالب الحق سواء من الرجال أو النساء، فبعضهم تمسك بثقافة العادات والتقاليد وآخرون أخلوا في إطار العيب والجهل في معرفة الأنظمة والتعليمات فازداد الأمر سوءًا وهو ما يخالف ما هو معمول به في دول العالم ليعلم ما هي حقوقه وما عليه من واجبات. وقد كفل الدين الإسلامي حقوق الإنسان وواجباته ونشر المعرفة الحقوقية الأساسية وتبسيطها. ويرى عدد من الأكاديميين والمختصين في الجانب الاجتماعي والشرعي والحقوقي أن نسبة انتشار الثقافة الحقوقية في أوساط المجتمع المختلفة لم تصل إلي ذروتها وتشوبها بعض المفاهيم الخاطئة، ويعود ذلك لطبيعة الثقافة السائدة كوننا مجتمعًا محافظًا وتسود فيه قوانين يحكمها العرف والتقاليد، وبيَّنوا أن الباحث عن حماية حقوق الإنسان هو ذلك الشخص الذي تقع عليه مظلمة تدفعه للجوء إلى جمعيات أو هيئات حقوق الإنسان، وأشاروا إلى أنه لا بد أن يحظى موظف حقوق الإنسان بقدر كاف من المسؤولية، فهو النواة الأولى التي تعكس الرسالة وأن تدني المؤهلات لدى الموظف قد تنعكس سلبيًا على الأداء. «المدينة» طرحت قضية غياب الثقافة الحقوقية للنقاش بين عدد من المختصين للتعرف على أبعادها، وكيفية تنميتها في المجتمع، عبر هذا الموضوع. د.القحطاني: يوجد انتشار نسبي لثقافة حقوق الإنسان بالمجتمع أكد رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وعميد كلية الحقوق والعلوم بجامعة الملك سعود الدكتور مفلح بن ربيعان القحطاني أن نسبة انتشار الثقافة الحقوقية بين أوساط المجتمع تعتبر جيدة نسبيًا، موضحًا أن هناك جوانب عديدة تم العمل عليها منها تدريب بعض المكلفين بتنفيذ الأنظمة والقوانين لتكون لديهم ثقافة حقوقية، كما أن لدى الجمعية جهدًا في الرقابة على الالتزام بالأنظمة والتعليمات وتقوم بزيارات للتحقق من ذلك بما في ذلك زيارة السجون ودور التوقيف واستقبال القضايا بأنواعها سواء تلك المتعلقة بالسجناء او العنف الأسري أو قضايا العمالة والأحوال الشخصية وتلك المتعلقة بإثبات الهوية والجنسية. والتي يلاحظ تكاثرها في الفترة الأخيرة في ظل بطء الجهات المعنية بها من إيجاد حلول مناسبة لها والتي نأمل ان تساهم دراسة تعدها الجمعية في هذا الشأن في المساعدة في إيجاد حلول لها بعد رفعها إلى الجهات ذات العلاقة. وأوضح القحطاني أن جمعية حقوق الإنسان تعمل في إطار نشر الثقافة الحقوقية في المجتمع، وأن دور الجمعية ليس رقابيًا وحسب على التزام الجهات بالأنظمة والتعليمات بل تقديم النصح والمشورة والتوصية المناسبة لحل ما قد يظهر من إشكاليات أو تجاوز او انتهاك على أرض الواقع، وقال أن الجمعية مشاركة بكثير من اللجان ومساهمة في اقتراح بعض مشروعات الأنظمة واللوائح، وأشار أن هناك تقدمًا في بعض الجوانب والمجالات ذات العلاقة بحقوق الإنسان في المملكة خلال الفترة الماضية بينما هناك مجالات أخرى لا زالت دون المأمول ونأمل من خلال العمل المستمر والتعاون بين الجهات ذات العلاقة أن نصل ونحقق الأهداف المرجوة ونعتقد بأن واقع حقوق الأنسان جيد في المملكة ولكن نحتاج لكثير من العمل في بعض الجوانب ذات العلاقة بأوضاع بعض الفئات في المجتمع لكي نحقق المأمول. المعدي: متابعة الجهات الحكومية ثقافة حقوقية مجتمعية قال مدير مركز الإعلام والنشر بهيئة حقوق الإنسان محمد المعدي أن من أبرز دلائل انتشار الثقافة الحقوقية في المجتمع هو حرص المجتمع على التأكد من تنفيذ الجهات الحكومية المعنية للأنظمة واللوائح السارية فيما يتعلق بحقوق الإنسان والكشف عن التجاوزات المخالفة للأنظمة المعمول بها والتي تشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في هذا الشأن، وأضاف أن هيئة حقوق الإنسان تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وتعزيزها وفقًا لمعايير حقوق الإنسان الدولية في جميع المجالات، ونشر الوعي بها والإسهام في ضمان تطبيق ذلك في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية، وهي الجهة الحكومية المختصة بإبداء الرأي والمشورة فيما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان وتتمتع بالشخصية الاعتبارية ولها الاستقلال التام في ممارسة مهماتها، وكذلك إبداء الرأي في مشروعات الأنظمة المتعلقة بحقوق الإنسان ومراجعة الأنظمة القائمة واقتراح تعديلها وفقًا للإجراءات النظامية، متابعة الجهات الحكومية لتطبيق ما يخصها من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها المملكة، كما تتلقى الهيئة الشكاوى المتعلقة بحقوق الإنسان والتحقق من صحتها واتخاذ الإجراءات النظامية في شأنها، كما يتم وضع السياسة العامة لتنمية الوعي بحقوق الإنسان واقتراح سبل العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان والتوعية بها، وذلك من خلال المؤسسات والأجهزة المختصة بالتعليم والتدريب والإعلام وغيرها. الفاخري: ننشر ثقافة حماية الحقوق من أي تجاوز أوضح الأمين العام للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان خالد الفاخري أن الجمعية تعمل على حماية حقوق الإنسان والدفاع عنه وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية وللنظام الأساسي للحكم والأنظمة المرعية، وتحرص على حماية حقوق الأفراد من أي تجاوز، ونشر تلك الثقافة بين الناس، فمن الضروري أن يساهم كل إنسان في حماية حقوق الإنسان بما ينتج عنه حماية حقوق المجتمع بالكامل. وبيَّن الفاخري أن الثقافة الحقوقية تختص بحماية حقوق الإنسان والدفاع عنها ونشر ثقافتها واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الشكاوى والتجاوزات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان للحد منها ووقفها وإزالة آثارها وإعداد الدراسات والمؤتمرات والندوات وورش العمل وإصدار المطبوعات والتقارير التي تعمل على نشر تلك الثقافة في المجتمع. وقال الفاخري إن من اختصاصات العمل الحقوقي التأكد من تنفيذ ما ورد في الأنظمة ذات العلاقة بحقوق الإنسان، وهو ما تحرص عليه الجمعية، وكذلك التأكد من تنفيذ التزامات المملكة تجاه قضايا حقوق الإنسان وفق ما أقرته الشريعة الإسلامية، وما ورد في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، كما تقدم الآراء والمقترحات للهيئات الحكومية والأهلية للعمل على التثقيف ونشر المعلومات في مجال حقوق الإنسان، كما يتم التعامل مع قضايا حقوق الإنسان في الهيئات الدولية بشكل عام والمنظمات الدولية غير الحكومية بشكل خاص، كذلك إقامة المؤتمرات والندوات والحلقات المحلية والإقليمية والدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، كذلك دراسة المواثيق والصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان الدولية وتطبيقاتها، وتشجيع التعاون الإقليمي والدولي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان وكذلك نشر إصدارات متخصصة تعنى بحقوق الإنسان. شرعي: الشريعة الإسلامية أهم المصادر الحقوقية يؤكد عضو هيئة التدريب بجامعة طيبة وإمام وخطيب جامع الخندق الدكتور عبدالله بن علي الميموني أن كل حقّ وإحسان تأمر به الشريعة الإسلامية وتنهى عن ضده، فالعدل والمساواة أمام القضاء مثلًا في الأنظمة حق شرعي وإنساني، والمناداة برفع الظلم بكافة أشكاله، واحترام إنسانية البشر والتذكير بأنهم يعودون لأصل واحد وغير ذلك كل ذلك حق نادت به شريعتنا السمحاء. ولذلك من الضروري بيان وقوف الشريعة مع نشر الثقافات الداعمة لتلك الحقوق والتي لا تتعارض بشكل صريح مع الشريعة وحكمتها، وكذلك نشر الثقافات التي تكفل دعم الحريات التي لا تتعدى على حقوق الغير، وبيان ارتباط ذلك بالشريعة حكمًا وعملًا، وإيضاح ما ينتج عن تبني المجتمعات المسلمة لذلك من تقدم ورقي ومساعدة على توفير حياة كريمة ترتقي بالإنسان. وأوضح الميموني أن البشر عانوا طوال تاريخهم ولا زالوا من أنواع من الظلم والبؤس والحروب التي تهدر كرامتهم وإنسانيتهم، وبعد توقف الحرب العالمية الثانية عام 1948م، نشرت الأممالمتحدة ميثاق الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، وغالب ما جاء فيه يتوافق مع الشريعة وتؤيده مقاصدها النبيلة، بل إن موقف الشرعية في الحقوق والإحسان أبعد غورًا وأحسن مآلًا. وفي بلادنا نجد أن محاكمنا الشرعية بمساواتها وعدلها داعم أساسي لهذا المقصد الإنساني الشريف. أكاديمي: دور كبير على الهيئات والجمعيات وكوادرها قال وكيل كلية الحقوق بجامعة طيبة الدكتور فواز بن خلف اللويحق إن على الهيئات وجمعيات حقوق الإنسان دورًا كبيرًا ويرتكز في الدرجة الأولى على حفظ حقوق الإنسان وحمايتها وتعزيزها وفقًا للمعايير الشرعية والقانونية، ولا يقف دورها كما يظن البعض في الاطلاع على القضايا الإنسانية من خلال وسائل الإعلام والتفاعل معها وقتيًا أو من باب ردة الفعل فقط بل الدور المنوط بها أكبر من ذلك بكثير، وأن على العاملين والموظفين في هذه الجمعيات والهيئات أن يفهموا جيدًا قبل كل شيء الوظيفة الحقيقية التي يقومون بها وأنها تتطلب الكثير من الإخلاص والإتقان وتجريد النفس من عناصر الهوى والزمن والعاطفة أضف إلى ذلك أن العمل في هذا المجال يتطلب مقومات أساسية في الموظف تتمثل في الحصول على المؤهل العلمي المناسب سواء الشرعي أو القانوني وامتلاكه للمهارة اللغوية الكافية التي تسهل عليه إعداد التقارير الحقوقية ومخاطبة الجهات المختصة مع توفر متطلبات ومهارات شخصية كمعرفته بأعراف الناس وعادتهم وثقافة المنطقة والحالة الاجتماعية فيها مع الالتزام بأعلى مستويات النزاهة والسلوك الوظيفي بالإضافة إلي ضرورة إنصافه بالحكمة والحنكة في إدارة المواقف وفي التعامل مع مختلف شرائح المجتمع لكن للأسف نجد أن هناك ضعفًا ونقصًا في تحقيق مثل هذه المقومات الأساسية وغيرها، فالبعض قد لا يحمل المؤهل العلمي المناسب أو لديه ضعف واضح في بعض المهارات التي تتطلبها جودة العمل سواء الميداني أو المكتبي في هذا المجال ولا شك أن مثل هذا التدني والضعف قد يسبب فشلًا لكل أعمال المؤسسة وقد يعرض أهدافها وخططها للخطر، فنجاح المنظومة الحقوقية الإنسانية بشكل عام قد يتوقف أحيانًا على كفاءة العاملين فيها والموظفين بدرجة أكبر من الجهود الأخرى. قانوني: غرس ثقافة حقوق الإنسان عبر المناهج الدراسية يشير المحامي بشير البلوي المتخصص في الحقوق إلى أنه إذا أردنا لمجتمعنا النهوض بثقافة حقوق الإنسان علينا أن ننمي ذلك في الناشئة من خلال إدخال هذه الثقافة ونشرها عبر المناهج الدراسية، وكذلك عبر وسائل الإعلام بمختلف أنواعها لكي نضمن مجتمعًا محصنًا يعرف حقوقه وكيفية التواصل مع الجهات التي تعنى بهذا الأمر، وبذلك نستطيع أن ننشر حقوق الإنسان في أوساط المجتمع كثقافة، حتى يعلم الجميع يعلم ما له و ما عليه. وأضاف البلوي أن حقوق الإنسان قد عني بها الإسلام منذ بزوغ فجره فكرس مبدأ العدل والمساواة وأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، كما أن هذه الدولة المباركة التي نتفيأ ظلال عدلها أكدت على أهمية حقوق الإنسان من خلال جمعية تعنى بهذا الأمر والتي بدورها استقطبت كفاءات علمية ذات مؤهلات عالية وعلى مستوى رفيع، حيث إن من الأولوية بمكان أن يحظى موظف حقوق الإنسان بقدر كافٍ من المسؤولية فهو النواة الأولى التي تعكس رسالة الحق في هذا المجال، لذا فإن تدني المؤهلات لموظف هذا المرفق له أثره السلبي على مستوى الأداء، وبالتالي فإن تعاهد المختصين وتكثيف الدورات واستقطاب الكفاءات له أثره الإيجابي في تحقيق هذه الرسالة، وقال البلوي إنه من المهم حقًا. اختصاصية اجتماعية: الوعي الحقوقي تشوبه مفاهيم خاطئة قالت الاختصاصية الاجتماعية رانيا عسيلان إن الوعي بحقوق الإنسان في مجتمعنا لم يصل إلى ذروته وتشوبه بعض المفاهيم الخاطئة، ويعود ذلك لطبيعة الثقافة السائدة كوننا مجتمعًا محافظًا وتسود فيه قوانين يحكمها العرف والتقاليد، لذلك يعتبر الخروج عن ضوابط الأسرة أيًا كان سواء في دائرة المقبول أو غير المقبول يعتبر سلوكًا يستلزم القمع، ومن هنا تنشأ قوائم العنف التي يتم استقبالها على مدار العام والتي تختلف بالطبع من مكان لآخر حسب البيئة والمجتمع المحيط، ولكن لا ننكر أن الوعي بحقوق الإنسان بشكل مجمل وبمفاهيمه العريضة موجود وهو حق الأفراد في الشعور بالأمان على شخصهم وضمان تمتعهم بحقوقهم المدنية والشخصية وهو ما فرضه علينا ديننا الحنيف منذ آلاف السنين، وقبل وضع منظومات حقوق الإنسان حيث تم تحريم وتجريم انتهاك الحقوق من الدم والعرض والمال والنفس في القرآن والسنة. وبيَّنت رانيا أن المفاهيم التفصيلية لحقوق الإنسان تحتاج إلى التأهيل والتطبيق في بعض المناطق والأسر داخل المجتمع، ومن هنا ننتهي إلى أن الوعي موجود لكن التأهيل ما زال يحتاج المزيد من البرامج التثقيفية والتوعية في الإعلام والمشاركة في الدورات المجانية والفرق التطوعية في المهرجانات والفعاليات الموسمية.