اختُتمت -مؤخَّرًا- فعاليَّاتُ المؤتمر الدَّولي «الاتِّجاهات الفكريَّة بين حرِّيَّة التَّعبير ومحكمات الشَّريعة»، الذي نظَّمته رابطةُ العالم الإسلاميِّ، ممثَّلةً في مجمَّعها الفقهيِّ الإسلاميِّ، برعايةٍ كريمةٍ من خادم الحرمين الشَّريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبحضور جمع غفير من علماء العالم الإسلاميِّ ومفكِّريه ودعاته. حيث تمَّت الإشارةُ إلى ما شهدته الآونة الأخيرة من السِّجالات والتَّجاذبات واللَّغط حول حرِّيَّة التَّعبير، خاصَّة في الفضاء الفكريِّ المفتوح بلا ضوابط، وهو ما يُحتِّم على الجميع الالتزام بهدي الشَّريعة في مواجهة المحاذير الخطيرة التي يعجُّ بها هذا الفضاء؛ وذلك ضمانًا لسلامة منهج أُمَّتنا بما لها من خصوصيَّة دينيَّة وحضاريَّة، تُميِّزها عن غيرها من الأُمم الأخرى. وقد أشارت كلمةُ خادم الحرمين الشَّريفين الضَّافية، التي ألقاها نيابة عنه صاحبُ السموِّ الملكيِّ الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشَّريفين أمير منطقة مكَّة المكرَّمة إلى «حرص المملكة العربيَّة السُّعوديَّة على أن تُقدِّم أُنموذجًا يُحتذى لحماية الحقوق والحرِّيات المشروعة، وتحقيق الرَّفاه والتَّنمية الشَّاملة للمجتمع، بما يتوافق مع القيم الإسلاميَّة، ويحافظ على الأمن المجتمعيِّ، والتَّآلف بين أفراده، ويعزِّز التَّمسُّك بدينه، والثِّقة والوئام بين المواطن والمسؤول». وصدر البيانُ الختاميُّ للمؤتمر الذي ينصُّ على إعداد مشروع «القواعد والضَّوابط الشَّرعيَّة في الاتِّجاهات الفكريَّة المعاصرة»، وعرضه على الدَّورة المقبلة للمجمَّع الفقهي؛ لتكون بعد إقرار المجمَّع له قواعد وضوابط تُدعى إلى امتثالها الجهات الإسلاميَّة المختلفة. كما نصَّ البيانُ الختاميُّ على دعوة الهيئات والمؤسَّسات الحكوميَّة والأهليَّة في العالم الإسلامي إلى ترسيخ القيم العُليا في الإسلام، الدَّاعية إلى المحبَّة، والبرِّ، والتَّسامح، والتَّعايش، والوئام، والحيلولة دون أسباب النِّزاع والفرقة والكراهية، ومن ذلك تفهُّم سُنَّة الخالق -جلَّ وعلا- في الاختلاف والتَّنوُّع والتَّعدُّديَّة، والحفاوة بتعدُّد المدارس في سياق عطائها العلميِّ والفكريِّ المشروع، واعتباره من مظاهر سعة الشَّريعة الإسلاميَّة وعالميَّتها، ورحمتها بالعباد. ونبَّه المؤتمرون إلى مطالبة المسؤولين بالتَّصدِّي للقنوات والوسائل الإعلاميَّة التي تثير مفاهيم الكراهية والازدراء والتَّحريض والتَّأجيج بين المسلمين، أو بينهم وبين غيرهم؛ لما فيها من المفاسد، وتنكِّب المنهج السَّوي في وجوب الاعتصام بحبل الله بين المسلمين، والتَّحذير من تفرُّقهم وتنازعهم، عملاً بقول الحق تبارك وتعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا». وحذَّر المؤتمر في بيانه من أمرٍ في غاية الخطورة، وهو التَّساهل في التَّكفير، والتَّبديع، والتَّفسيق، ونبَّه إلى أنَّ على أهل العلم والإيمان التماس الأعذار لإخوانهم، وحسن الظَّنِّ بهم، وتبيان الحق، والنُّصح لهم بالحكمة، وحذَّر من سلبيات التَّعالي والإقصاء، مع استصحاب أنَّ الحق لا يختصُّ به أحدٌ دون سواه، ولا يحتكره دون سواه، وأنَّ على الجميع (مؤسَّسات وأفرادًا) أن يتَّهموا آراءهم قبل اتهام آراء غيرهم، وأن يعلموا أنَّ القناعات لا تُفرض، وإنَّما تُساق بأدلَّتها في سياق أدب الحوار وفقه الاحتواء على هدي نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم في خلقه العظيم. وقد ركَّز هذا المؤتمر على جملة من الموضوعات المعاصرة، ذات الأهميَّة العالية كالإرهاب واجتثاثه من جذوره، ومواجهة التَّطرُّف الفكريِّ، ونشر الفكر المعتدل الرَّصين المؤصَّل، وفق منهج القرآن الكريم، والسُّنة النَّبويَّة المطهَّرة، وعلى منهج سلف الأمَّة، ولا شكَّ أنَّ المؤتمرَ قد عُقد في وقت غدت الحاجةُ فيه ملحَّةً لتوضيح الحقائق، ووضع الأمور في نصابها.