إذا ظن أحد أن المجتمعات القديمة كانت أكثر حنواً على الناس، وأن الأخلاق قديماً أسمى منها في قلوب وتعاملات الناس منها اليوم، أو أن طمع رجال الدين في بعض المجتمعات واستغلالهم وجريهم وراء الكسب المادي هو أمر حديث المنشأ فهو واهم. فهاهو جبران خليل جبران يكشف لنا ممارسات لا تختلف كثيراً عما يقوم به أغلب الناس اليوم من ممارسات قائمة على الطمع والظلم والاستغلال في سبيل الكسب المادي. *** في كتاب (دمعة وابتسامة ) الذي يضم عدداً كبيراً من المقالات والقصص الوعظية والرمزية، وبعض القصائد النثرية، كان جبران قد كتبها لجريدة ( المهاجر) ما بين 1903 و1908، ثم جمعت ونشرت في كتاب واحد سنة 1914، يدور معظم محتويات الكتاب حول المجتمع والمدنية الحديثة، ويؤكد خلال كثير من فصول وموضوعات الكتاب أن « المال مصدر شرور الإنسان «، وأنه سبب جهله أيضاً. *** يصف جبران خليل جبران كيف يلعب الجميع على بعضهم لتحقيق مصالحهم الخاصة، ويسود الغش والتدين المصطنع ويتلاعب بالناس دون النظر لمصلحة المجتمع: الكهان يروغون كالثعالب ، والمسحاء الكذَبَة يحتالون على ميول النفس . الإنسان يصرخ مستنجداً بالحكمة وهي نافرة عنه ،غضبى عليه لأنه لم يسمعها عندما نادته . المتشرعون يتاجرون بثرثرة الكلام بسوق الخداع والرياء، الأطباء يلعبون بأرواح البسطاء الواثقين . الفقراء المساكين يزرعون والأغنياء الأقوياء يحصدون ويأكلون. لصوص الظُلمة يسرقون كنوز العقل وحراس النور غرقى في كرى التواني. المرأة كالقيثارة في يد رجل لا يُحسن الضرب عليها فُتسمعه أنغاماً لا ترضيه. والظلم واقف هناك والناس يدعونه القانون. *** يحدث كل هذا بينما الحرية الحقيقية تسير وحدها في الشوارع وأمام الأبواب تطلب مأوى والقوم يمنعونها. والابتذال يسير بموكب عظيم والناس يدعونه الحرية. # نافذة: [فكلما عظمت الأهداف .. طال الطريق.] مصطفى محمود