التعليم هو قضية كل القضايا وحديث كل المجالس، ولاغرابة في هذا فأنت تتحدث عن ميدان بناء الأجيال وصناعة مستقبل الأمم. والراصد للساحة التعليمية يلحظ تجدد أحداثها وتداعياتها وهو ما يستدعي ذلك الصخب المتواصل من كافة أطياف المجتمع سواء ماعجت به وسائل الإعلام أو كان خارجه. ومن تلك المستجدات المثيرة ما كشفت عنه وزارة التعليم من وجود فائض كبير في أعداد المعلمين قياسًا بالدول الأخرى فلدينا معلم لكل 9 طلاب، وأضافت الوزارة بأن 91% من ميزانيتها يصرف كرواتب للمعلمين بينما 9% فقط يصرف للطلاب حول هذا تأتي ندوة (المدينة) تحت عنوان «وفرة المعلمين.. بين بذخ الأرقام وسوء الآليات) لمحاولة الإجابة على كثير من الأسئلة المطروحة. المشاركون في الندوة: * أ. عبدلله محمد الهويمل (مدير عام التربية والتعليم بمنطقة مكةالمكرمة سابقا) * د. يزيد سعيد أبو ملحة (رئيس مركز قراءات لبحوث ودراسات الشباب - مستثمر تعليم قطاع خاص) * د. منى خالد كريم (مديرة مركز المعلم القدوة بجامعة دار الحكمة ) * أ. صالح جريبيع (مشرف قضايا معلمين ، كاتب اعلامي ) * أ. عائشة عادل السيد (رئيسة جمعية طفولة أمنة - خبيرة تربوية تعليمية ) * جهاد عبدالله العباسي (طالب جامعي - تخصص هندسة كهربائية) استثمار الوفرة وتوظيفها *- أيا كانت الرسالة؟ ومع مصداقية المؤشرات المعلنة.. كيف يمكن ان نوظفها التوظيف الصحيح بعيدا عن فرضية التسريح المستحيلة؟ - الدكتورة منى كريم: اذا كان عندنا وفرة من المعلمات يفترض أننا نوظفهم بالطريقة والأساليب الأخرى الموجودة في معظم دول العالم وهي أن يكون هناك معلمتان في فصل واحد، نحن في جامعة دار الحكمة مثلا نقوم بتخريج تخصص خاص بصعوبات التعلم والطالبات الخريجات من هذا التخصص لا يجدن وظائف حكومية يقولون احنا مكتفين، للأسف ان فيه بعض المعلمات لا يعرفن كيفية التعامل مع طالبات ذوي الاحتياجات الخاصة او أن يكون لديهم جانب التقدير أن هذه الطالبة أو تلك لديها مشكلة سواء كانت في الفهم او في السمع او في القراءة. من الجانب الآخر لو كانت هناك دراسة وكان هناك توزيع متوازن للمعلمات فسنستطيع معرفة نصاب كل معلمة من المواد حين يتم توزيع المعلمات على المدارس، وكم عدد الحصص وكم ستعطى من الوقت، ايضًا مستوى الطالبات لدى كل معلمة بمعنى هل هؤلاء الطالبات لديهن صعوبات تعلم؟ أو هل يحتاجون إلى رعاية خاصة؟، تفاوت التخصصات مشكلة تحتاج إلى دراسة. نختلف مع مؤشرات الوزارة * البدء من الاستاذ عبدالله الهويمل اجاب عن الواقع وحقيقة المؤشر الوزاري؟ - عندما نتكلم عن التعليم فإننا نتحدث عن هم المجتمع ككل لأن المجتمعات بتطورها وتطلعاتها لا تقفز ولا تنجح الا اذا تطور التعليم واصبح في مراحل متقدمة يسعد بها كل منتسب للتعليم، ولو نظرنا الى واقع المعلم الآن فهو اجمل مما كان في السابق من حيث وفرة المعلم والادوات التعليمية. اما ماذكر بخصوص مؤشرالوزارة فقد نختلف معه فبعيداعن الجانب الرسمي وعن الاحصاءات الرسمية فإن ما نعايشه في الواقع ان المعلم وخاصة في مدينة جدة يقابله عدد كبير من الطلاب وبعض المدارس وليس جميعها، يوجد بها من 35 الى 40 طالبا في الفصل الواحد ونعلم ان مدينة جدة تعاني من عدم وجود المباني التي اجبرت التعليم على اضافة ودمج بعض المدارس مع بعضها حتى تؤدي عملها وتحويل البعض الى دوام مسائي وهذا يعني ان نسبة عدد الطلاب الى المعلم ليست بهذا المستوى المذكور في المؤشر بل على مستوى عال. في التعميم إجحاف * ويضيف الهويمل: - قد يكون في الأماكن الطرفية ان هناك اعدادا تكون قريبة مما قيل خصوصا بعض القرى البعيدة عن المراكز المدنية والحضارية لكن التعميم الموجود في التصريح فيه ظلم على المعلم وعلى التعليم ككل لأن المعلمين في العملية التربوية ينقسمون الى فئات وهذه الفئات فئات تخصصية، بالتالي نجد ان هناك وفرة في بعض التخصصات وندرة او قلة في بعضها، معنى ذلك اذا وضعت كل هذه الفئات في سلة واحدة اذًا انت اخطأت على المعلم وعلى التعليم ككل. مؤشر الوزارة اقتصادي بحت * الدكتور يزيد ابوملحة اخذ الحديث الى جانب ابعد فهو يرى ان لمؤشر الوزارة دلائل اخرى غير التربوية - عندما يأتيك رقم في هذا الجانب يعطيك اتجاها اقتصاديا وكأنه يناقشه كقضية اقتصادية وهذه اشكالية، مثل كم نصرف على الطالب، ثم اذا نظرنا إلى مؤشر واحد أتصور أن المؤشرات كثيرة لكن اجمالا تهمنا المخرجات النهائية بمعنى: ما هي مواصفات الطالب السعودي عندما يتخرج من كافة المراحل التعليمية، واقصد فيه ثلاثة اتجاهات: المستوى المعرفي الذي وصل اليه، والمستوى المهاري والمستوى القيمي، اذا توفرت لدينا كل هذه المقاييس عندها نستطيع ان نحكم ان مخرجاتنا جيدة ثم نتحاكم حول هذا الموضوع. اما إذا أخذنا الأمر من جزئية معينة فبالنسبة لي الأرقام لا تعطيني أي مؤشر حقيقي حول جودة التعليم كمعرفة ما هو مستوى المعلم، وحتى اختبار كفايات، فمثل هذا الاختبار لا يعطينا القيمة الحقيقية والمستوى الحقيقي للمعلم هو يعطينا فقط مستواه من الناحية المعرفية لكن لا يعطينا مستواه من الناحية المهارية كمستوى أدائه داخل الفصول وطريقة تدريسه للطلاب، ثم هل يوجد لدينا جهاز يقيس اداء المعلم والطالب ويعطيك المخرج؟ مع الاسف ان هذا الرقم يعطي انطباعا عن أن الذي يخطط في التعليم للأسف يهمه هو أهمية ما تم صرفه وكم ما تبقى وليس أهمية مستوى الطالب، هذه الدراسة عقيمة وضعيفة وغير علمية البتة. الأرقام صادقة لكنها مضللة * من جانبه شد انتباهنا الاستاذ صالح جريبيع وهو يتحدث عن صدق وتضليل الارقام في آن واحد..كيف ؟ هو يعلل هذا - الارقام والاحصاءات صادقة ولكنها قد تكون مضللة احيانًا، الأرقام من 1 الى 9 يجب ان نستبعد منها اعداد المعلمين بحكم ان المشرف معلم والمرشد معلم والمدير معلم والوكيل معلم، ثم بعد ذلك نحصي المعلمين الذين يؤدون حصص ولديهم جداول، النقطة الاخرى ننظر الى الكثافة السكانية الموزعة على المملكة ليس عدلا ان تقارن جدة مثلا بمنطقة الباحة او مدارس جدة بالباحة مدارس جدة كثافة طلابية عالية جدا بل انها في المدينة نفسها تختلف من حي إلى حي تجد بعض الأحياء التي فيها وفرة مدارس تقل فيها الكثافة وبعض الأحياء التي لا يوجد بها سوى مدرسة او مدرستين ترتفع فيها الكثافة، الأمر الآخر هناك بعض القرى والهجر لا بد من وجود المدرسة فيها حتى وأن كان عدد طلابها 10 طلاب وفي بعض المدارس قد يكون عدد المعلمين اكبر من عدد الطلاب لكن لا بد من وجودها، لا اعلم كيف ستتصرف الوزارة في مثل هذه المدارس وبعضها مدارس ومبان حكومية فيها 25 - 30 -40 طالبا وهي مبان حكومية نصفها فارغ، كل هذه الإحصائية رقمها صحيح لكن واقعها غير صحيح في الميدان. واقع مؤلم للمعلم *ثم ذهب جريبيع الى تصوير واقع المعلم: - واقع المعلمين مهطعين رؤوسهم يظنون ان تفعل بهم فاقرة، اللجنة الثلاثية التي شكلت من مجلس الوزراء الى الآن لم تتخذ بحقهم شيئا يخص اللائحة او الرواتب وهم مع هذه التصريحات والاحصاءات اصبحوا يتوقعون الأسوأ وليتهم ونتمنى ان يتوقعوا الأفضل. اضافة الى ذلك معاناة المعلمين المعينين على البنود وحقوقهم التي الى اليوم بعض المعلمين لم يأخذ حقوقه المالية حتى اصبح المعلم خصما للوزارة، الامر الآخر لدينا الى اليوم مدارس مستأجرة من ناحية، ومن ناحية اخرى ادارة تقليدية، كل هذه عوائق في اذهان المعلمين واحيانا نرى بعض المدارس تأسف وتشعر بالألم والحسرة ان المعلم يأتي لهذه المدرسة كيف ستكون نفسيته وكيف سيكون أداؤه. تقديرات المنظومة غائبة * وترى الاستاذه عائشة عادل ان الاحصائيات لاتكون عددية مجردة بقدر ما تطال المنظومة ككل: - أنا أرى انه لابد من الاهتمام بواقع المعلم كمنظومة متكاملة وليس بما كم يقابله من الطلاب، لو وصلنا لمستوى ان لكل معلم 9 طلاب فنحن في رفاهية في تعليمنا، لكن للأسف الشديد واقعنا الحالي يقول إن كل معلم يقابله 45 طالبا واحيانا هؤلاء الطلاب يقابلون هذا المعلم في بيئة غير آمنة صحيا ولا نفسيا كمطبخ او غرفة رديئة التجهيزات، أنا لا أشكك بمصداقية الاحصاءات، نعم ربما تكون حقيقية لكن هو سوء توزيع، فبعض المناطق بها معلمون يفوق عددهم عدد الطلاب ولا نعلم لماذا تصر الوزارة على جلوس المعلم بهذه القرى والهجر لسنوات طويلة مقابل أعداد بسيطة من الطلاب، وحتى نكون منصفين ولا نلقي بكل التهم على الوزارة، هناك جهات اخرى لم تساند التعليم قامت بتخريج اعداد كبيرة من المعلمين، وهذا ما اوجد الوفرة والعدد الهائل من المعلمين وأنا سأتحدث عن تجربة شخصية عايشتها: فابن أختي شاب مبدع ومتميز ومتمكن ورغم كل ذلك لم يتم قبوله في الجامعات فاضطر للذهاب إلى الجامعات التي تقوم بتخريج المعلمين، اذًا كيف سيكون مستوى وأداء هذا المعلم والذي تخرج بدون رغبة مسبقة منه في العمل بمهنة التعليم؟ الوزارة تتخبط في قراراتها *- وانتقدت عائشة عادل تخبطات الوزارة في بعض قراراتها وكذلك تركيزها على الاحصاء الرقمي وليس على مستوى المخرج - اتمنى أن تنتبه الوزارة لواقع المعلم والمعلمة وهذا الواقع له دلالات اخرى. وعندما تتحدث الوزارة عن احصائيات فقط فكأنها ترى واقع المعلم من جانب واحد فقط وهي النسب الإحصائية التي ظهرت في الدراسة واهملت البيئة التي يعيش فيها المعلم، البيئة الاسرية والبيئة المدرسية، وزارة التعليم مع احترامي لها تتخبط في بعض قراراتها، ولا نعرف الى اين تتجه بالمعلم، هي ركزت في خلال هذه الفترة على المباني والحرب الضروس بينها وبين القطاع الأهلي في مسألة إخلاء المباني وركزت على المعلم وكأنه مبنى ولم تهتم بتشكيل بنيته وشخصيته ورسالته التي يؤديها. 52 طالبة في الفصل الواحد * الدكتورة منى كريم قارنت احصاء الوزارة مع الواقع الموجود من خلال رصد لحال المدارس ومستوى ادائها - بالفعل البيانات والإحصائيات غير صحيحة وغير دقيقة بحكم تعاملي في مركز المعلم القدوة مع المعلمات، نحن نقوم تدريب ما يقارب 1000 معلمة نراهم في كل اسبوع، وبعض هؤلاء المعلمات وصل عدد الطالبات لديهن إلى 52 طالبة في الفصل الواحد، وبعضهن وصل عدد الطالبات لديها إلى 34 طالبة كأقل عدد، إضافة إلى أن هناك مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية جميعها في مبنى واحد وهذا المبنى يتكون من ثلاثة ادوار وكل دور منهم يحتوي على عدد 200 الى 300 طالبة في الدور الواحد موزعين على 10 غرف في الدور الواحد وطبعا تنقصها غرف المعمل والمطبخ لحصص التدبير المنزلي، إضافة لعدم وجود معامل للكمبيوتر، وكل هذا بسبب أن التركيز فقط على مسألة أن المعلمة تذهب لتعطي دروسا فقط دون النظر الى ضرورة الاهتمام بوجود المرافق التعليمية الضرورية للمدرسة والتي هي غير موجودة. المدمجة تزيد التعقيد * واشارت الدكتورة منى الى وضع دراسي آخر: - اضف الى ذلك المدارس «المدمجة» ذو الدوامين والتي يكون دوام إحداها من الساعة 7 صباحًا حتى 12 ظهرًا لينتهي، ويبدأ دوام مدرسة أخرى من 12 ظهرًا الى 4 عصرًا، ولك أن تتخيل في خلال هذه الخمس أو الست ساعات ما الذي يمكن للطالب أن يأخذه من دروس الى وقت انصرافه في هذه الساعات القليلة، فالحصص ستكون مضغوطة والمعلمين او المعلمات سيشعرون بضغط الحصص والمواد، بخلاف عدد الطالبات الكبير الموجود في الفصل، فبالتأكيد ستكون المخرجات غير مقبولة، كما أن هناك بعض المعلمات اللاتي يعملن في مثل هذه المدارس هن منقولات لها والسبب أن مدارسهن الأصلية تُجرى فيها عمليات تحسين وتصليح منذ 4 سنوات ولم تنته تلك الإصلاحات حتى الآن، نأمل ان يكون فيه اعادة نظر ووضع كل في نصابه المحدد في مكانه المحدد في مسماه المحدد حتى نستطيع اصدار احصائيات دقيقة.