عزا عدد من المختصِّين والشرعيين أسباب انتشار حالات التحرُّش والاغتصاب إلى ضعف الوازع الديني، وانتشار المواقع الإباحيَّة، والفراغ، والكبت الجنسي، الناجم عن صعوبة الزواج، إلى جانب التفكُّك الأسري والتدهور القيمي، مطالبين بتغليظ العقوبة على المعتدين وحماية وتأهيل ضحايا الاغتصاب، وإطلاق حملات للتوعية والدعوة لحماية الأخلاق العامَّة وتعزيزها في المجتمع، ورفع ستار الكتمان والسريَّة عن جرائم التحرُّش والاغتصاب، التي يتمُّ تناولتها بحذر واستحياء، والمبادرة فورًا بالتَّواصل مع الجهات الأمنيَّة والقضائيَّة وإبلاغهم في حال وقوع هذه الجريمة بحق أيٍّ من أبنائهم ليتمَّ اتِّخاذ الخطوات القانونيَّة حيالها، إضافة إلى تيسير الزواج وتوفير فرص العمل، ووفقًا لإحدى الدراسات الحديثة فإنَّ السعوديَّة تحتل المركز الثالث من بين 24 دولة في قضايا التحرُّش الجنسي في مواقع العمل، وأوضحت الدراسة التي أجريت على 12 ألف موظفة من دول المسح أن 16% من النساء العاملات في السعوديَّة تعرَّضن للتحرُّش الجنسي من قِبل المسؤولين في العمل. «المدينة» طرحت القضية للنقاش على عدد من المختصين، لمعرفة دوافع هذا السلوك المشين وكيفيَّة التصدِّي له في المجتمع، وردع مَن يقترفه.. فجاءت العديد من الآراء عبر هذا الموضوع: العدل: القتل حداً بحق من يثبت شرعاً قيامه بالاغتصاب أقرَّت وزارة العدل مؤخَّرًا بأن العمل القضائي بالمملكة استقر على إيقاع عقوبة القتل حدًّا بحقِّ مَن يثبت قيامه بالاغتصاب، وصدر قرار هيئة كِبار العلماء بتاريخ 11/ 11/ 1401ه، الذي أكَّد بدوره أن مثل هذه الجرائم ضرب من ضروب المحاربة، والسعي في الأرض فسادًا المستحقة للعقاب الذي ذكره الله -سبحانه وتعالى- في آية المائدة، والقضاء في المملكة استقر عمله بما صدر به قرار هيئة كبار العلماء، متى ما ثبت الفعل ثبوتًا قاطعًا بطرق الإثبات الشرعيَّة، وصدرت عن القضاء أحكام كثيرة بذلك سابقًا، ولن يتوانى القضاء في القيام بواجبه في حماية الضروريَّات الخمس، والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة، وإيقاع العقوبة المشدَّدة على مَن يثبت قيامه بمثل هذه الجرائم، متى قام دليلها القاطع وتوافرت شروطها وانتفت موانعها. السهلي: التحصين ضد المؤثرات الهابطة وتيسير الزواج وفرص العمل إلى ذلك طالب وكيل كليَّة الشريعة والدراسات الإسلاميَّة بجامعة أم القرى الدكتور محمد السهلي، بأن يتم تحصين جميع الأبناء بالقرآن والعلوم الشرعيَّة وتربيتهم تربية سليمة على الأخلاق والقيم الحميدة وإبعادهم عن المؤثرات الهابطة مثل المسلسلات والأفلام الأجنبيَّة ومراقبة الأصدقاء، الذين يصحبونهم مؤكِّدًا أنَّ كلها أمور تساعد على التصدي لهذه الظاهرة، التي تستوجب بأن يكون هناك حملات توعية تقودها كل الوسائل الإعلاميَّة ضد خطورة هذه الجريمة والمساعدة في القضاء على بعض أسبابها المرتبطة بصعوبة الزواج من خلال العمل مع المجتمع على تسهيل مراسيم الزواج وتوفير فرص العمل وإصلاح منهاج التعليم وتشديد الرقابة فيه وقيام الأسرة بدورها في الحضانة والتربية السليمة. مستشار أسري: 8 مظاهر تكشف تعرض الطفل للتحرش أكَّد مدرب التنمية البشريَّة والمستشار الأُسري والاجتماعي أحمد حسين المالكي، أنَّ تعرض الطفل للتحرش يؤثر سلبًا على نفسيَّته وقد تنعكس هذه الأضرار لتخرج في مظاهر مثل: (الشرود الذهني، وعدم التركيز، والامتناع عن الأكل، وكوابيس النوم، وفقدان الثقة بالنفس، والتاتأة في الكلام، وقد تؤدِّي إلى التأخُّر الدراسي، والعزلة الاجتماعيَّة)، مبينًا أنَّهُ في حالة وجود مثل هذه العلامات تستدعي منَّا الجلوس مع الطفل واشعاره بالأمان، ومحاولة الخروج منه بأسباب ما يعانيه دون تعنيف، أو انفعال عليه فهو ضحية. وقال: إن الالتفات المبكر لأبنائنا وبناتنا في سن الطفولة والتشارك معهم في اهتماماتهم وآرائهم ومشكلاتهم وتوجيههم للصواب جدير بأن يجعلنا مستودعًا لهمومهم. واضاف: علينا أن نعلم كل من نحمل مسؤولياتهم ماهيات التحرُّش وآليَّات التعامل معها، وعلى المؤسَّسات الاجتماعيَّة والتربويَّة الاهتمام بالتوعية للأطفال وأولياء أمورهم وتفعيل جانب خط حماية الطفل. وحول الاغتصاب أوضح المالكي أنَّ هناك أسبابًا تدفع الشخص إلى طريق الاغتصاب، فالمجتمع والأسرة مسؤولان وتوجه إليهما تُهم محددة أولها غربة الآباء عن الأبناء والعزل الوجداني والعاطفي والفكري بين الفئتين وانصراف الآباء إلى اللهاث وراء المال والسفر إلى الخارج. والتُّهمة الثانية هي التفكُّك الأسري الناتج عن الطلاق أو الانفصال بين الزوجين، أو حتَّى وجود المشكلات والخلافات بينهما. أمَّا التُّهمة الثالثة فهي التقليد، ولاسيما تقليد ما يبث في وسائل الإعلام المرئية، التي تعرض الجرائم خصوصًا جرائم المجتمعات التي تتسم بالعنف.. وكذلك البطالة التي تسبب كبتت نشاط الشباب وأحبطتهم نفسيًّا. خبير تربوي: القدوة الحسنة أنجح وسائل التربية وذهب أستاذ الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي للدراسات العُليا بجامعة أم القرى الدكتور عبدالمنان المعمور إلى أن جريمة الاغتصاب يزداد حجمها بصورة غير مألوفة، ولمواجهة تفشي هذه الجريمة ينبغي استحضار حلول في غاية الأهميَّة، وفي مقدمتها أهميَّة القدوة الحسنة في القضاء على هذه الجريمة، مؤكدًا أن القدوة الحسنة في التربية هي من أنجح الوسائل المؤثرة في إعداد أفراد المجتمع خلقيًّا وتكوينهم نفسيًّا واجتماعيًّا من أجل إبعادهم عن ارتكاب هذه الجريمة، وذلك لأنَّ المربي هو القدوة والمثل الأعلى في نظر أبنائه، وقال: إن المؤسَّسات التعليميَّة والثقافيَّة والدينيَّة تتحمَّل جزءًا كبيرًا من مسؤوليَّة القدوة لأفراد المجتمع. ذئب يغتصب 7 نساء تحت التهديد بالصعق الكهربائي من القصص التي سجلتها المحاكم القضائيَّة، قصة ذئب بشري استغلَّ خلوته في سيَّارة خاصة للإيقاع بضحاياه تحت القهر والتهديد بالقتل، وتمَّ ضبطه على إثر بلاغ من إحداهنَّ، ومن ثم تمكَّنت فرقة من رجال التحرِّيات والبحث الجنائي مؤخَّرًا من إلقاء القبض عليه، وهو مواطن عشريني قام باغتصاب والتحرُّش بعدد من النساء، مستغلا قيامه بإيصالهنَّ إلى أماكن مختلفة عبر سيارته الخصوصي، التي خصَّصها لخدمة توصيل النساء لمشاوير داخل المنطقة، جاء ذلك بعد أن تلقى رجال الأمن بلاغات لضحايا أفادوا بأنَّ سائق السيَّارة يقوم أثناء توصيل الضحية بإغلاق الأبواب، وتأمينها، وتهديد الضحيَّة بالقتل بعصا كهربائيَّة، بالإضافة إلى مفك إطارات، ويطلب تمكينه من الضحيَّة بالضرب والصعق مستغِّلاً سيَّارته المظلَّلة بالكامل، وأشارت التحرِّيات إلى أنَّ المجرم درج على إلقاء الضحيَّة بأحد المواقع غير المأهولة، ومن ثمَّ يفرُّ هاربًا، وقد صوَّر بعضهنَّ، وعقب تحرِّيات مكثَّفة تمكَّن رجال الشعبة -بفضل الله، ثم بتوجيه مدير شرطة العاصمة المقدَّسة- من تتبُّع الجاني من خلال المواصفات التي أدلت بها الضحايا، والوصول لأحد الأشخاص تنطبق عليه المواصفات، وتم ضبط الذئب البشري، وتمكَّنت الضحايا (سبع نساء) من التعرُّف عليه، فيما يستمر التحقيق مع الذئب البشري لمعرفة عمَّا إذا كان متورِّطًا بقضايا أخرى مشابهة، وقد حذَّرت مصادر أمنيَّة النساء والأطفال من الركوب في المركبات المريبة، أو المظلَّلة بالكامل. اختصاصي نفسي: التوعية بالنصح لا بالتخويف قال الدكتور أحمد عبدالرحمن القرني المتخصص في علم النفس قسم علم النمو أن سبب التحرش افتقاد الوعي الذاتي من الناحية الدينيَّة والشخصيَّة والاجتماعيَّة والصحيَّة والنفسيَّة. إن آثار التحرش تبدأ بالظهور على سلوك الطفل المعتدى عليه جسديًّا بحالة الصمت أو الانعزال والقلق والتوتر المستمر وقلة النوم، وبظهور تلك الأعراض على طفلك أو طفلتك يجب الجلوس والتحدُّث معهم ساعة على الأقل يوميًّا، إلى أن يشعر بالأمان ويفرغ ما بداخله لك. واضاف: التوعية للأطفال تتم عن طريق التوجيه لهم ونصحهم ليس بالتخويف والترهيب، بل بالخطوات المناسبة في التعامل في تلك المواقف الحساسة. محام: الاغتصاب هتك عرض اعتماداً على القوة والقهر والاختطاف حرابة وأوضح المحامي والمستشار القانوني عوض الحارثي أنَّه لا يوجد أشنع من جريمة الاغتصاب، فهي هتك عرض بالاعتماد على القوة والقهر، ولا يثبت هذا الوصف إلاَّ بأحد الأمرين.. الأول: أن يقر ويعترف بجريمته، أو تتم عليه البيّنة، وهي شهادة شاهدين عدلين، ويوجد مبدأ في القضاء أنَّه متى ما ثبت لدى القاضي أنَّ شخصًا قام باختطاف امرأة، سواء قام باغتصابها، أو لم يقم بذلك؛ لأنَّه بفعلته هذه أصبح قاطع طريق، فالمغتصب يعتبر محاربًا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. أمَّا من ناحية المسؤوليَّة الجنائيَّة على أسرة الجاني فكلّ شخص مسؤول عن الجناية، التي ارتكبها ولا تكون المسؤوليَّة متعدِّية على غيره، لأنَّ من الصعوبة اكتشاف السلوك الإجرامي المنحرف لدى أي شخص. قضايا الاغتصاب والإيذاء النفسي والبدني تصنف قضايا الاغتصاب ضمن القضايا الجنائيَّة التي تنظر في المحاكم العامة، وتصل عقوبة المرتكب لهذه الجريمة إلى القتل قصاصًا، وقد يكتفي القاضي الناظر في القضية بالحبس والجلد، حسب ما يراه من أدلة ووقائع. ولم يُدرج الاغتصاب في نظام الحماية من الإيذاء الذي تم إقراره من قبل مجلس الوزراء عام 1434ه، كون القضيَّة تتعدَّى الاعتداء وتدخل ضمن القضايا الجنائيَّة المجرَّمة في الشرع والقانون. كما لا ينظر في قضايا الاغتصاب كبقية القضايا، بل تصنف ضمن دائرة القضايا الأخلاقيَّة، وتكمن الإشكاليَّة في التستر على الجريمة، بسبب خوف الأسرة من التشهير بالمتعرض للاغتصاب، أو حرصًا على عدم إيذائه نفسيًّا، دون الوعي بأن التستر يدمر الضحية بشكل مضاعف. نظام الحماية من الإيذاء أقرّ مجلس الوزراء السعودي في العام 1434ه نظام الحماية من الإيذاء والذي جاء بسبع عشرة مادة يهدف فيها إلى ضمان توفير الحماية من الإيذاء وتوفير الإيواء والرعاية الاجتماعيَّة والنفسيَّة والصحيَّة وتقديم المساعدة اللازمة، بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات النظاميَّة اللازمة لمساءلة المتسبب ومعاقبته، وأيضًا نشر الوعي بين أفراد المجتمع حول مفهوم الإيذاء والآثار المترتبة عليه، ومعالجة الظواهر السلوكيَّة في المجتمع، وإيجاد آليات علميَّة وتطبيقيَّة للتعامل معها. وعرَّف مشروع النظام «الإيذاء» بأنَّه كلَّ شكل من أشكال الاستغلال، أو إساءة المعاملة الجسديَّة أو النفسيَّة أو الجنسيَّة، أو التهديد به، يرتكبه شخص تجاه شخص آخر، بما له عليه من ولاية أو سلطة أو مسؤوليَّة، أو بسبب ما يربطهما من علاقة أسريَّة، أو إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعيَّة معيشيَّة. ويدخل في إساءة المعاملة امتناع شخص أو تقصيره في الوفاء بواجباته، أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسيَّة لشخص آخر من أفراد أسرته، أو ممَّن يترتَّب عليه شرعًا أو نظامًا توفير تلك الحاجات لهم. وأعطى للشؤون الاجتماعيَّة إمكان الاستعانة بالجهات الأمنيَّة المتخصِّصة، إذا تبين أن التعامل مع حالة الإيذاء يستلزم التدخل العاجل، أو الدخول إلى المكان الذي حدثت فيه واقعة الإيذاء. وأعفى المبلّغ «حسن النية» من المسؤوليَّة إذا تبين أن الحالة التي أبلغ عنها ليست حالة إيذاء. وحدد مشروع النظام العقوبة التي يمكن اتخاذها ضد من ارتكب فعلاً من أفعال الإيذاء، وهي الحبس مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على سنة، وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف ولا تزيد على 50 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، مع مضاعفة العقوبة في حال عاد إلى فعلته. وأتاح للمحكمة إصدار عقوبة بديلة للعقوبات السالبة للحريَّة.