تتعدَّد أودية مكَّة المكرَّمة، بل إنَّ ما يشهر مكَّة وادي إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقد ورد هذا الوادي في القرآن الكريم قال تعالى (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)، بالإضافة إلى وادي مرّ الظهران، ووادي سرف، ووادي نعمان، ووادي ذي مجاز، ووادي نخلة، وغيرها من الأودية والشعاب، (وقد رصدتُ البعض من تلك الأودية مسبقًا)؛ لأنَّها ارتبطت بمكَّة المشرَّفة التي اختارها الله سبحانه وتعالى لأوِّل بيت وضعه للناس في الأرض، ثمَّ جعلها مولد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ومنشأه، فجبالها وشوارعها وأوديتها، لها شرف برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تلك الأودية وادي ذي طوى في مكَّة المكرَّمة، حيث ثبت بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيت بوادي ذي طوى، كما روى البخاري أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بات بذي طوى حتَّى أصبح، ثم دخل مكَّة. وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طوى، ويبيت حتَّى يصبح ويصلِّي الصبح حين يقدم مكَّة. وورد في البداية والنهاية عن البخاري بأنَّ ابن عمر كان إذا أقبل بات بذي طوى حتَّى إذا أصبح دخل، وإذا نفر مرّ بذي طوى، وبات بها حتى يصبح، وكان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، وفيه بئر تُسمَّى بئر طوى، وهو الموضع الذي يستحب الاغتسال فيه للمحرم إذا قدم مكَّة، هو ما بين الثنيَّة التي يهبط منها إلى المعلاة، والثنيَّة الأخرى التي إلى جهة الزاهر. قال النووي: إنَّه الموضع المعروف بآبار الزاهر بأسفل مكة، بات به النبي صلى الله عليه وسلم، حتَّى أصبح واغتسل من ماء بئره وصلى ثم دخل مكَّة، كما روى الإمام مسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: كان لا يقدم مكَّة إِلاَّ بات بذي طَوَى، حتَّى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكَّة نهارًا، ويذكر عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه فعله، ولأهميَّة وادي ذي طوى فقد ذكرها أكثر المؤرِّخين، يقول الحموي: «قال الجوهري: ذو طوى، بالضم أيضًا، موضع عند مكة، وقيل: هو طوىً بالفتح، وقال البكري: بفتح أوله مقصور منون على وزن فَعَل: وادٍ بمكَّة. قال ابن إسحاق: حدثني عبدالله أبي بكر أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم لما انتهى إلى ذي طَوى عام الفتح، وقف على راحلته معتجرًا بشقة بُرْد حبرة حمراء، وإنَّه ليضع رأسه تواضعًا لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتَّى أنَّ عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل، وقد حدده بعض المؤرِّخين بقولهم: «آخر الأودية، ليس بينه وبين مكَّة وادٍ، وراء قرية قُعيقعان، وبأسفله الموضع المعروف بالشبيكة، بات فيه النبي صلى الله عليه وسلم، واغتسل قبل دخول مكَّة، لذا استحب أكثر العلماء الاغتسال فيه». وأمَّا الحضيكي فقال عنه: «ونزلنا يومنا ذلك ذا طوى، وهو وادٍ قرب مكَّة شرفها الله، وفيه آبار بين مكة والتنعيم، فلَّما أدبر الليل وولَّى قام الناس واغتسلوا لدخول مكَّة». كما ذكر الإسحاقي نزول الحجَّاج واغتسالهم استعدادًا لدخول مكة، فيقول عن فعل قافلته: «وفيه نزلوا هناك، وصلُّوا المغرب، وبعدما تهيأ الركب لدخول البلد الحرام رحلوا فدخلوه بعد العشاء». وقد ورد ذو طوى في الأبيات كثيرًا، قال الشاعر: إذا جئت أعلى ذي طُوىً قفْ ونادها عليكِ سلام الله يا ربة الخِدْر هل العين ريّا منك أم أنا راجع بهم مقيم لا يريم عن الصدر وقال الشاعر: إذا جئت أقصى ذي طوى وشعبه فقل لهما جاد الربيع عليكما وقل لهما ليت الركاب التي مضت إلى أهل سلع قد رجعن إليكما وقال الشاعر يذكرهم أيضًا: سقى واسطًا فالمنحني من أراكه مصيفًا بأعلى ذي طوى مربعا ووادي ذي طوى كله اليوم معمور بأحياء سكنيَّة، ومن أحيائه العتيبيّة، وجرول، والتنضباوي، وانحصر اسمه في بئر بجرول تُسمَّى بئر طوى، والبئر ما زالت موجودة بجرول مقابل مستشفى الولادة. وهذه البئر يشرف عليها من مطلع الشمس جبل قُعيقعان، وجهته هذه تُسمَّى اليوم جبل السودان.