على الرّغم من تعرّض مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنوّرة لحوادث سطو على مخطوطاتها النّادرة، وخصوصًا إذا ما أخذنا في الاعتبار نقل المكتبة إلى إستانبول، في أواخر أيّام الدولة العثمانية، خلال الحرب العالمية الأولى، ثمّ عودتها ثانية إلى المدينة المنوّرة بأمر من فيصل بن الحسين، بعد أن دخل سوريا عام 1337ه - 1918م.. إلا أنّ هذه الحوادث المؤسفة لم تنلْ من الاهتمام، ما نالته مجموعة «أمين الحلواني» الخطّية، والتي حملها الحلواني من المدينة المنوّرة إلى «ليدن»، وأمستردام، في سنة 1301ه - 1883م، ويبدو أنّ أمين الحلواني قد ارتبط بعلاقة علمية مع المستشرق الهولندي «سنوك هورغرنيه Christian Snouck Hurgronje 1857- 1936".. [أنظر: ترجمة في موسوعة المستشرقين، د. عبدالرحمن بدوي، ط 1، 1984م، ص: 245 -247]. وبين يديَّ رسالة تلقيتها من الباحث «ويتكام J.J. Witkam» مسؤول المجموعات الشرقية بمكتبة ليدن، ومؤرّخة في 9 يناير 1986م، يذكر فيها - ردًّا على استفسار من كاتب هذه السطور - عمّا تحتويه المكتبة من آثار لشخصية الحلواني، بأنّ «دار بريل» تمتلك لوحة للحلواني نفسه، تعود للعام 1883م، وعليها إهداء لصديقه «كريستيان سنوك»، وقد قام هذا الصديق بترجمة مذكّرات الحلواني، والتي كتبها بالعربية عن مؤتمر المستشرقين، الذي حضره، وحملت المذكّرات -بعد ترجمتها- عنوان «مشاهدات عن مؤتمر المستشرقين السّادس في ليدن من مستشرق عربي»، وطبعت المذكّرات باللغة الهولندية، وهو الأمر الذي يؤكّده الشّيخ حمد الجاسر، عند زيارته للدراسة في هولندا سنة 1380ه - 1960م. [أنظر: رحلات، حمد الجاسر، دار اليمامة للطباعة والترجمة والنشر، ص: 211 –216]. وتتضمَّن الرّسالة معلومات هامة أخرى، ومن بينها أنّ هناك ملاحظات قصيرة في عناوين صفحات المخطوطات المذكورة - أي التي ابتاعتها منه الدّار - كما نشر الحلواني نفسه أيضًا قائمة عناوين قصيرة في الطباعة الحجرية لهذه المجموعة. ويصف «ويتكام» ذلك العمل الببيلوغرافي بأنّه «كتيب نادر جدًّا، لم أرَ له نسخة مماثلة أبدًا»؛ ولكنّ السّؤال الذي يبقى مطروحًا هو: هل التقى الحلواني بالمستشرق «سنوك» منذ قيام هذا الأخير برحلة إلى مكّة المكرمة في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي (1884 –1885)، وقد أخذت مدوّناته إلى الدّيار المقدّسة عند ترجمتها من الهولندية إلى الإنجليزية: «MekkaIn The Latter Part Of The 19 thCentury »؛ بينما حملت العنوان التالي عند ترجمتها إلى العربية هو: «صفحات من تاريخ مكّة المكرمة»، وذلك عند قيام دارة الملك عبدالعزيز بإخراج هذا العمل في جزءين، بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية. وتشير الترجمة التي أعدّها مترجمو الكتاب عن «سنوك» بأنّ هذا الأخير تعرّف على الحلواني في مؤتمر المستشرقين في ليدن سنة 1883م، وأنّ الحلواني نشر انطباعات عن المؤتمر؛ فسارع «سنوك» إلى ترجمتها عن صحيفة «البرهان القاهرية». [أنظر: قديم الأدب وحديثه في بيئة المدينة المنوّرة، 1430ه، 2009م، ص: 133 –143]. ويتساءل الباحث الدكتور محمّد عيسى صالحية عن بواعث قيام الحلواني وسواه ببيع مثل هذه المخطوطات لمكتبات أو دور نشر غربية. وتحتاج الإجابة على مثل هذا السؤال إلى معرفة علاقة الحلواني ببعض العلماء الذين عاصرهم. وأتّفق مع بعضهم واختلف مع البعض الآخر، إضافة إلى الظروف المعيشية الصّعبة التي عاشها الحلواني ورفاقه في تلك الفترة الهامة من تاريخنا الفكري والأدبي، وهو ما سنحاول الإجابة عليه في حلقات قادمة.