ويتواصل مسلسل العبث الشعبي الذي يقوم بدور البطولة فيه ما يسمى بالمجلات الشعبية التي خلطت الحابل بالنابل واستخدمت اسلوب الشللية والمجاملة والأعظم من ذلك ان أكثر القائمين على تحرير تلك المجلات حديثو العهد بالشعر الشعبي ويجهلون بعض أساسيات اكتمال القصيدة مثل القافية والوزن فينشرون قصائد تعاني من اعتلال واضح في الوزن والقافية وفي المعنى أيضا والأدهى من ذلك مقدمات المدح والاشادة بتلك القصائد يستغفلون القارئ وهو أذكى منهم يجاملون الشاعر المعروف ويضللون الشاعر المبتدئ ويوهمونه باكتمال مقدرته الشعرية والأمثلة كثيرة وسوف استعرض بعضا منها: في احدى هذه المجلات قرأت قصيدة بعنوان وجه الغرابة للشاعر الشاب مشعل بن محيا يقول في مطلعها أصد عن وجه القرايب والأحباب وألمح على وجه الغرابة محبة وكما نعرف يجب ان يسير على وزن وقافية البيت الأول الا انه يقول في البيت الذي بعده ارسم على ليل الهوى شمع وشهاب ويموت جمر الحب قبل احترق به نلاحظ في البيت الاول في قافية الشطر الثاني ان الباء في كلمة محبة حركتها مشددة وفي البيت الثاني الباء حركتها متحركة وبهذا اختلفت القافية ويأتي بعد ذلك بقوافٍ مختلفة مثل انجرح به، انقتل به، غربه، بقلبه وكان على الشاعر ان يلتزم بقافية البيت الأول مشددا حرف الباء واذا أصبح هذا الحرف متحركا فلابد من الالتزام بالحرف الذي قبله أيضا فكلمة احترق به يماثلها في القافية كلمة علق به، عقبة وهكذا. وفي مجلة أخرى أيضا قرأت قصيدة للشاعر عبدالمحسن بن سعيد أسماها بعض الغضب ومطلعها من يقين العلم للحلم والحلف الغموس كلمة ما سلل الخوف حرف بغبها كما نرى في قافية الشطر الثاني ان الباء الثانية في كلمة بغبها مشددة ويجب ان تستمر على ذلك الا ان حركة الباء أصبحت متحركة في البيت الثالث حيث يقول ما لحقنا جرة الذيخ في ظل الطعوس ولا نضيع بديرة عرقنا ينبض بها وتستمر القصيدة على قوافٍ بعضها مختلفة مثل : ذنبها، بقلبها، يعرف بها، وإلا بها. ويعقب عبدالمحسن على قصيدته بما اسماه نقطة نظام ويقول: ان القصيدة ردة فعل تجاه فتنة حاول أحدهم اشعالها وان إحدى المجلات دفعت شيكا مفتوحا مقابل نشرها . ولا نستغرب ذلك من القائمين على تلك المجلات خصوصا الذين يفتقرون الى معرفة القصائد المكتملة من غيرها وكل ما يهمهم الاثارة الجوفاء. وهذا الشاعر مساعد الرشيدي يقول في احدى قصائده كريم يا بارق يبرق على الحرة عيني تخيله وانا طرقي وعجلاني وتستمر قافية الشطر الاول على الراء المشددة الحرة ثم يقول في الأبيات الأخيرة من القصيدة الوقت ما يامن الرجال من غدره والراس ما ينحني كان الله أحياني كما ترون اختلفت القافية عندما أصبحت الراء المشددة متحركة وأيضا في البيت الذي بعده: أشوم عن مقعد الحقران والهذرة أيضا تحركت الراء. انني باستعراض هذه الأمثلة لا اقصد الاساءة الى أحد بل أعتبر تلك الأخطاء أخطاء بدايات من الشاعر المبتدئ وكبوة جواد من أصحاب المشوار الطويل في الشعر الشعبي، ولكن القصد والسؤال الذي يطرح نفسه أين الرقابة لدى تلك المجلات أين النقد الهادف والتوجيه السليم ما الذي ينقص ذلك المحرر لو أشار الى ان اختلاف القافية يقف عائقا أمام نشر القصيدة، لأن سكوته يلحق ضررا بالمبتدئ الذي يتتلمذ على شعر الصحافة وذلك من ناحيتين: الأولى: ان الشاعر المبتدئ سيرى تلك النماذج للشعراء المعروفين فيقتدي بها. الناحية الثانية: ان مجرد نشر القصيدة يعني لذلك المبتدئ انه تجاوز أخطاء البداية، والسبب التضليل الذي يمارسه اولئك المحررون من خلال مقدمات المدح والتمجيد للقصيدة. ان ما ذكرته ليس حصرا لما ينشر بل أمثلة من قصائد نشرت رغم الاختلاف الواضح في القافية، ويجب علينا ألا نضع احدا فوق النقد الهادف والبناء خصوصا في هذا الوقت الذي تفتقر فيه الساحة الشعبية الى من يقوم الخلل وينقد النصوص الشعرية وليس أصحاب تلك النصوص لكي نصل بشعرنا الشعبي الى مستوى مشرف من خلال المصداقية والواقعية. تحية اعجاب الى ذلك الطائر الذي يغرد وحده خارج السرب في زمن التناسخ الشعري مترنما بأعذب القوافي متغزلا بحب الوطن ومصايفه الجميلة انه شاعر المصيف وربيع القوافي الشاعر المجدد محمد بن سعيد الذويبي.