أصل كلمة حرام نقيض الحلال، حرم الحرام ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بنص صحيح، محارم الليل مخاوفه التي يحرم على الضعيف أن يسلكها، والحريم ثوب المحرم. الحرمة ما لا يحل لك انتهاكه (1) الحلال أصله من الحل قال ابن لحيدان كلمة حلال بفتح الحاء بخلاف: حلال بكسرها مع أن هناك من ينطقها بالكسر لهجة من اللهجات، وهذا سائغ لكنه على غير سماع، والحلال والحرام كلمتان قاطعتان لا يجوز لأحد ما أن يحلل أو يحرم إلا ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو باجتهاد صحيح سليم سالم من: المعارض فيما لم يرد به نص، ولم أر أضر على الأمة المسلمة ولم أر أخطر ممن يُحلل ويُحرم هكذا فيُضيق على العباد باجتهاد من ذات نفسه لعله صدر منه دون علم أو يحلل فيتوسع هكذا بما لا يسوغ منه ذلك لو تأنى وعقل وراجع وأطال النفس، ولم أر بلبلة من كثرة المفتين إلا من يُفتي وهو ليس من أهل الفتوى فيتناقض ويورد ويصدر ويزيد وينقص، وما درى أن الفتوى شأنها خطير جليل (2) حتى أن الصحابة وهم أعلم الناس وأفهمهم وأتقاهم وأبرهم وخيرهم بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم كانوا يتدافعون الفتيا تمر على الأول حتى تعود الى الأخير كل واحد منهم يود لو أن أخاه كفاه. وبين يدي فتاوى شخصية ورسائل صغيرة متعددة ومنشورات بذل أصحابها جهداً جهيدا لكنهم لم يصيبوا فهنا: 1 العجلة. 2 قصور التصور للسؤال. 3 ضعف الاستدلال. 4 نقصان أركان وشروط القياس الصحيح. 5 عدم الوقوف على أقوال أهل العلم. 6 الخلط بين الآثار. 7 الخلط بين الفتيا ومجرد الوعظ. 8 عدم الوقوف على الناسخ والمنسوخ، وما شابه هذا. من أجل ذلك أنصح أمثال هؤلاء المجتهدين بتقوى الله جل وعلا، وإرشاد السائلين الى: أهل العلم المتمكنين منه نصا وعقلا والورع هنا مطلوب خاصة وان الفتيا لصاحبها صفات خاصة علمية، وعقلية، ونفسية يدركها الناس خلال الممارسة ومن خلال السؤال والجواب، وقد أحسنت الدولة كثيراً بجعل مثل مُهمة (الفتيا) بجهة علمية موثوقة ذات باع جيد في العلم وبحثه وبذله فلا أظن العذر لأحدٍ ما في حال قبول، وقد تهيأ له جهة علمية جيدة مُعتبرة، وسلوكه إليها هو: الباب السليم خاصة وهم من علمنا توحيدا وبذلا ونُصحا وحرصاً على الخير. وسوف فقط أورد بعض النصوص على ما يدل منها على: حلال أو حرام، وأحاول توجيه بعضها حسب علمي على حالات ما هو كائن من بيع وشراء وسواهما. فمن ذلك: 1 ما جاء عن أبي مسعود البدري الأنصاري (3) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن (ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن) متفق عليه (4). وهنا أمور منها: 1 لا يجوز اتخاذ الكلاب للزينة والتفاخر ونحو ذلك وثمنه حرام ومشتريه آثم ما عدا كلب الصيد للضرورة، وكلب الحراسة والحرث. 2 مهر البغي: محرم تحريما عظيما لأنه عوض عن سوء كبير. 3 تحريم الذهاب إلى الكهان. 2 ما جاء عن جابر بن عبدالله بن حرام الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (عام الفتح) وهو بمكة إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام, فقيل يارسول الله: أرأيت شحوم الميتة، فإنها تُطلى بها السفن وتُدهن بها الجلود ويُستصبح بها الناس (5) فقال لا, هو: حرام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومها جملوه (6) ثم باعوه فأكلوا ثمنه متفق عليه. 3 وجاء عن ابن مسعود الهذلي الصحابي الكبير رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول رب السلعة أو يتتاركان) رواه الخمسة وصححه: الحاكم. قال ابن لحيدان هو: صحيح وتدل عليه قواعد اصول النظر في ضبط التبادل التجاري بين البائع والمشتري وهو نص تقريري ملزم، والمتبايعان هما: البائع والمشتري إذا اختلفا في: ثمن السلعة فهنا يُصار إلى قول صاحب السلعة لأنه غير ملزم ببيعها إلا بما يقول إذا كان معقولا شرعاً ما لم يجر في هذا كتابة بضبط سعر السلعة رضيها كلاهما، وفي حال عدم رضا البائع عن القيمة وعدم رضا المشتري بدفع المطلوب فلهما ان ينسحبا من عملية هذه الصفقة فتعود السلعة الى ربها ويبقى المال عند صاحبه، وهذا طريق حسن إذ لا إضرار فيه على هذا ولا ذاك. 4 وجاء عن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن بيع فضل الماء (6) وفي رواية له أيضا وعن: بيع ضراب الجمل قلت وضراب الثور. 5 ومثله جاء أيضا (7) عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن: عسب الفحل). 6 وجاء أيضا هذا الحديث العظيم فيما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 1 لا يحل سلف وبيع. 2 ولا شرطان في بيع. 3 ولا ربح ما لم يضمن. 4 ولا بيع ما ليس عندك, (8). 7 ومثله هذا الحديث الجليل وهو ما جاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (ابتعتُ (9) زيتاً في السوق فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني به ربحا حسنا، فأردت أن أضرب على يد الرجل، فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفتُ فاذا هو: زيد بن ثابت. فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه الى رحلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى: أن تُباع السلع حيث تبتاع حتى يجوزها التجار الى رحالهم (10) 8 وجاء عن ابن عباس رضي الله عنه فيما رواه عنه طاووس بن كيسان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 1 لا تلقوا الركبان. 2 ولا يبع حاضر لباد. قلت لابن عباس، ما قوله: لا يبع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمساراً (11) , والمراد بهذا النص أن بعض الباعة من التجار وسواهم يكون لهم سماسرة يوكلونهم لشراء السلع لأن من يبيع هذه السلع يجهل حقيقة قيمتها فيبيعها برخص فيحصل بهذا إضرار على البائع الذي قد يستفيد 1% أو 2% بينما لازم ربحه مثلا 4% أو 5% ففي هذا تجهيل وضرر، وقد يحصل لتجارة معينة حكر على تاجر معين فقط، وهذا فيه إضرار كنت قد نبهت إليه سنة 1398ه في الفتاوى بجريدة الجزيرة وجريدة المدينة سنة 1407ه/1411ه. 9 وورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تلقوا الجلب فمن تلقى فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار) (12) . 10 وورد هذا النص العظيم وهو ذو حكمٍ بيِّنٍ لهذه الأمة ممن يبيع ويشتري أو له علاقة بمثل ذلك، وكذا: الحِل في الزواج وطلب المرأة طلاقها من زوجها بنفسها أو بواسطة أهلها هكذا, جاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال (نهى النبي صلى الله عليه وسلم: 1 أن يبيع حاضر لباد. 2 ولا تناجشوا. 3 ولا يبيع الرجل على بيع أخيه. 4 ولا يخطب على خطبة أخيه. 5 ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها) متفق عليه وزاد مسلم في صحيحه من رواية ثابتة. 6 ولا يسم المسلم على سوم أخيه. قال ابن لحيدان وهذا بيِّنٌ أمره ويلحق بهذا: 7 الخبب وهو: إفساد الزوجة على زوجها لكي يطلقها فيتزوجها آخر معلوم هو: بنفسه أفسدها، أو أدخل على أهلها ما أدخل حتى طلقوها فهذا يُعتبر من الجرم المتعدي، وإذا تم كذلك فالعقد باطل ولهذا تجب تقوى الله سبحانه وتعالى فإن الزواج عقد طاهر مطهر وأي إفساد له بمثل هذا فهو منكر كبير ويجر غائلته من يفعل ذلك. 11 وجاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَرَّ على صبرة (13) من طعام، فأدخل يده فيها فنالت اصابعه بللاً. فقال: ماهذا ياصاحب الطعام؟ قال: اصابته السماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس من غش فليس مني رواه مسلم. أي من غش من المسلمين في: بيع أو شراء فليس ممن هو يتبع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قصد الغش والتدليس من أجل الربح وتسويق السلعة. وهذا: النص عام في كل ما يباع من: 1 مشروب. 2 ومأكول. 3 وسكن. 4 ومركوب. 5 وملبوس. وكل ما يجوز بيعه. والغش ليس نوعاً واحدا بل هو: أنواع تختلف من شخص إلى آخر ومن سلعة الى سلعة أخرى، ومن بلد الى بلد، منها على الأقل: 1 تغيير تاريخ الصلاحية. 2 خلط المشروب بالماء والسكر دون إشارة الى هذا. 3 تغسيل وتجميل السيارة والملابس وكيّها. 4 تغيير الماركة . 5 تجميد الطعام من تمر، وعسل وسمن ثم بيعه على أنه جديد من هذا: العام. 6 تقوية الفاكهة بمادة حافظة طويلة الأجل دون الإشارة الى هذا. 7 جلب عمالة لعمل ما لا تحسنه وجلب العمالة قد نبهت إليه الدولة انها: لا تعمل إلا في مجالها حفظا للحقوق وأداءً للأمانات. ولا جرم فإن المسلم الحريص على الخير ودوامه له، والحريص على الحلال إنما يسأل إذا رابه أمر ما حتى يتجنب الحرام والندم ابداً في حياته ولعل عودة الى مثل هذا إن شاء الله تعالى. المراجع والبيان (1) المعجم الصافي اللغة العربية ص 118 بتصرف. (2) صفة المفتي والمستفتي، وراجع بتوسع: اعلام الموقعين. (3) اسمه رضي الله عنه: عقبة بن عمرو، ويلقب بالبدري لأنه سكن بدرا وزرع فيها, أو أنه من أهلها، ولست أظنه شهد: بدراً, ولا يجوز الخلط بينه وبين ابن مسعود رضي الله عنه. (4) حلوان الكاهن هو: ما يأخذه الكاهن والدجال والمشعوذ من مال نظير كهانته وتطبيبه وادعائه علم المستقبل. (5) يستصبح يجعلون الشحم في: المصباح: (6) جملوه: جمعوه ثم أذابوه فباعوه للناس: مذابا كل هذا تحايلا على النص وهذا ديدن اليهود لكسب المال. (7) رواه مسلم. (8) رواه البخاري. (9) رواه الخمسة, وهو : صحيح سندا ومتنا. (10) اشريت. (11) صحيح رواه احمد في المسند ورواه ابو داود بهذا اللفظ، ولم أجد له معارضا، وهو: أصل في صحة البيع الصحيح. (12) هذا لفظ البخاري، وهو: متفق عليه. (13) رواه مسلم، والجلب من يجلب السلع وهو: يجهل سعرها فتشتري منه بقليل وهذا فيه: غرر، وضرر.