إن من وصايا الدين وأوامر الشرع القويم مقابلة الاحسان بالإحسان ومكافأة المحسن تقديرا واعترافا بجميله، فاذا انعكس الوضع فقوبل الاحسان بالاساءة وجوزي المحسن على احسانه شرا كان هذا نكرانا للجميل وخروجا عن المنهج الذي رسمه الدين لاتباعه، ولما شاع عند كثير من الأبناء عقوقهم لآبائهم في هذا الزمان، ولكثرة هذا العقوق، ولعظم شأن هذا العقوق أردت الاشارة الى خطورة هذا العمل الشنيع، والذي بسببه يخسر الأبناء الكثير من الخيارات في الدنيا وقبله في الآخر, وذلك بسبب العقوق، ولما في البر للوالدين من أجور كثيرة، يدخل الانسان بسببه الجنة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فسمعت قراءة فقلت: من هذا فقيل: حارثة بن النعمان, فقال صلى الله عليه وسلم: كذلكم البر وكان حارثة براً بأمه, والمعلوم أن البّر هو الاحسان، وهو في حق الوالدين، وحق الأقربين من الأهل وهو ضد العقوق, وقد جاءت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة التي تحث على بر الوالدين والاهتمام بهما، ومن أهمية برالوالدين ان قرن الله تعالى برهما والاحسان اليهما بعبادته وتوحيده، قال تعالى في سورة الإسراء: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا الآية 23، والمقصود بالاحسان، هو القيام بحقوقهما والتزام طاعتهما واحترام شخصهما، وجاء في سورة العنكبوت قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حُسنا الآية 8، وهذا ديننا الحنيف يحثنا على وجوب الاهتمام بالوالدين، والعمل على برهما من طاعة لهما في غير معصية الله تعالى، والعمل على راحتهما والتلطف معهما والقيام بواجباتهما الدنيوية من غير تأفف وتسخط وندامة ومنة عليهما، فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحبتي؟ فقال: أمك , قال ثم من؟ قال: أمك ثم من؟ قال: أمك , قال ثم من؟, قال: أبوك , متفق عليه , وبر الوالدين باب من أبواب الجنة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رغم أنف، رغم أنف، رغم أنف، من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة رواه مسلم ، ولأهمية بر الوالدين عند الله تعالى وعظم شأنهما فقد قارن مكانة بر الوالدين بالجهاد في سبيل الله تعالى بل جعله جهادا في سبيله، وقدم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله، فقد جاء عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن سعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب الى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها , قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين , قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله متفق عليه , ولكن يا للاسف أن بعض الأبناء هداهم الله لا يحرصون على بر والديهم فحسب، بل يعقونهم ويجاهرون بعقوقهم لوالديهم سواء كان من الأعمال أو الألفاظ، وذلك بسبب اشتغال الناس بأمور الدنيا ونسوا أمور دينهم، والبّر بالوالدين موصول حتى وان كانوا غير مسلمين، فيجب طاعتهم وبرهم، ما لم يأمراك بمعصية فلا طاعة لهما، هذا للوالدين الكافرين فما بالك اذا كانوا مسلمين فالبر يكون أقوى وأوفى في حقهم، قال تعالى في سورة لقمان: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إليّ، ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعلمون الآية 14، وجاء عن الحسن البصري رحمه الله حينما سئل عن بر الوالدين؟ قال: أن تبذل لهما ما ملكت، وان تطيعهما فيما أمراك به، إلا أن يكون معصية, ولكن هناك من اهتم ببرهما حتى انه وصل ببعضهم الى خواطرهم والتورع من أن يكون يعقهم من غير قصد، وهذا علي بن الحسين رضي الله عنهما عندما قيل له انك من أبر الناس، ولا تأكل مع أمك في صحفة! فقال: أخاف أن تسبق يداي يدها الى ما تسبق اليه عيناها فأكون قد عققتها، فالله المستعان على حال بعضنا في هذه الأيام من العقوق المفرط فيه وجاء عن حكيم رحمه الله انه قال: راع أباك يرعاك أبناؤك، وأصدق منه ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: عفوا عن النساء تعف نساؤكم وبروا آباءكم يبركم أبناؤكم , رواه الطبراني ، ومن فضائل البر بالوالدين ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: أني أذنبت ذنبا عظيما فهل من توبة؟ فقال: هل لك من أم وفي راوية هل لك والدان قال: لا, قال: هل لك من خالة قال: نعم, قال: فبرها , رواه الترمذي وقال الامام أحمد رحمه الله بر الوالدين كفارة الكبائر، فهلا أغتنمنا هذه الفرصة ببرهما والفوز بدعائهما لنا بالتوفيق في الدنيا والآخرة، لقد جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ان أمي قد بلغت من الكبر عتيا، وأنا أقوم على خدمتها، أطعمها وأسقيها وأسترها وأكسوها، أفأكون قد وفيتها حقها؟ فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم: لا، لن تستطيع أن توفيها حقها مهما صنعت بها فقال الرجل: ولِمَ يا رسول الله؟ فقال له الحبيب عليه الصلاة والسلام: لأنها كانت تخدمك وأنت صغير وتتمنى لك البقاء، أما أنت فتخدمها وهي كبيرة وتتمنى لها الفناء, ومن المعلوم ان دعوة الوالدين مستجابة وليس بينها وبين الله حجاب فهلا أغتنمنا الفرصة بأن يدعوا لنا، وألا يدعوا علينا وذلك لا يكون الا ببرهم, فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أعوان من أهل اليمن كان به برص فبرأ منه إلا موضوع درهم، له والدة بها بار لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ، هذا النبي صلى الله عليه وسلم يرشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أحد المبشرين بالجنة، بأن يطلب من أويس أن يستغفر له رغم انه من العشرة المبشرين بالجنة، وهذه فضيلة من فضائل البر بالوالدين، وجاء في الأثر ان نبي الله موسى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم انه سأل ربه وقال: يا رب أرني من رفيقي في الجنة؟ فأوحى الله سبحانه وتعالى عليه وقال: يا موسى: أول رجل يمر عليك من هذا الطريق فهو رفيقك في الجنة، ومر عليه رجل، وسار موسى عليه السلام وراءه يريد أن يفهم ويعلم ماذا يصنع ذلك الرجل حتى أعطي رفقة الأنبياء في الجنة؟ واذا بالرجل يدخل بيتا، ويجلس أمام امرأة عجوز، ويخرج قطعا من اللحم فيشويها ويضعها في فم العجوز، ويسقيها الماء، ويخرج، فسأله موسى: من هذه بحق الله عليك؟ والرجل لا يعلم من السائل؟ فقال له: انها أمي، فقال موسى: أو ما تدعو الله لك؟ فقال الرجل: إنها تدعو لي بدعوة واحدة لا تغيرها، فقال موسى عليه السلام: فماذا تقول في دعوتها؟ فقال الرجل: إنها تدعو لي قائلة: اللهم اجعل ابني مع موسى بن عمران في الجنة، فقال له الكليم موسى عليه السلام أبشر فقد استجاب الله دعاءها، وأنا موسى بن عمران, هذا كله بسبب دعوة الوالدين فهلّا يحق لهما ان نبرهما؟. ومن فضائل بر الوالدين انه سبب في اطالة العمر وسعة في الرزق كما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بره أن يمد له في عمره ويزاد في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه , وقال الشاعر في البر الوالدين: ان للوالدين حقا علينا بعد حق الإله في الاحترام أوجدانا وربيانا صغارا فاستحقا نهاية الاكرام ولم ينقطع البر لهما سواء كانا على قيد الحياة أو بعد الممات، من رفع منزلتهما في الجنة بالدعاء لهما وصلة من كانوا يصلونهما والاستغفار لهم، جاء عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال: قال رسول الله صلى الله وسلم: عن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: يا رب أنى لي هذا أي من أين لي هذه الحسنات فاني لم أعملها فيقول: باستغفار ولدك لك ، وعن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، اذ جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبويّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: نعم ! الصلاة عليهما والاستغفار لهما وانفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل الا بهما، واكرام صديقيهما رواه الامام أحمد وابو داود وابن ماجه والحاكم , وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ان رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبدالله بن عمر وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه! قال ابن دينار: فقلت له: أصلحك الله! انهم الأعراب، وهم يرضون باليسير! فقال عبدالله بن عمر: ان أبا هذا كان ودا لعمر بن خطاب رضي الله عنه واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عن أبر البر صلة الولد ود أبيه، وفي رواية: ان من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه من بعد أن يولي, وقال ابن عيينة رحمه الله من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى، ومن دعا للوالدين في أدبار الصلوات فقد شكر لهما. عبدالإله بن محمد بن أحمد الوهيبي