تطلق لفظة (مفتون) على الإنسان الذي يخرج عن الإطار الذي يعرف به إلى إطار آخر يتعارض مع السمة التي كان عليها قبل أن يفتن، والمفتون كل من ينحرف عن الوسط إلى اليمين أو اليسار، فالفتنة تعني تعرض الإنسان إلى معطيات جديدة تنقله من السواء إلى الانحراف -يمنة أو يسرة- حال تختلف عما كان عليه، هذه المعطيات قد يتعرض لها الإنسان من خلال مطالعاته، أو من خلال بيئة تصنع له وتهيئ ظروفها للسيطرة عليه وإخراجه من إطاره العام إلى إطار آخر، بقصد توظيفه لتحقيق مآرب مضادة معارضة للإطار العام الذي كان يدور في فلكه قبل أن يتعرض للفتنة، والفتنة قد تكون في أمور دينية أو دنيوية، وكلاهما مكروه، ولهذا يدعو الإنسان ربه دائما الثبات على الحق، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك. وقد بين الله سبحانه وتعالى أن الفتنة أشد من القتل، الآية 191 سورة البقرة، وبين أن الفتنة أكبر من القتل، الآية 217 سورة البقرة. لماذا الفتنة أشد من القتل؟. ولماذا الفتنة أكبر من القتل؟. إن أعظم الفتن خطراً، وأشدها قبحاً، وأكبرها وزراً، ما يفضي إلى فتنة الإنسان في دينه، فيتحول من الإيمان إلى الشرك والكفر، أو من الالتزام بالدين إلى الانسلاخ منه والتمرد عليه، والتحولات المجتمعية لا تحصل إلا نتيجة جهد موجه، وتخطيط محكم الأهداف، وبذل المال بسخاء، وهذا ما عمدت إليه إيران الصفوية، فهي تعمل بجهد وتخطيط بعيد المدى، وتنفق المال السخي من أجل توسيع دائرة مذهبها، وإثارة القلاقل والفتن في كل بلد تجد لها فيه موطئ قدم، فهي مثل دابة الأرض، تنخر الكيان وتفسده ببطء، وتنتشر في أركانه مثل خلايا السرطان، اليمن شاهد، فاليمن السعيد المستقر تحول واقعه إلى بؤس واضطراب، ولبنان التوافق، تحول إلى فرقة وشقاق، والعراق بتكوينه وتناغمه الفسيفسائي تحول إلى صورة قبيحة من الإقصاء والهيمنة والاستعباد والاستبعاد، وفي البلدان الإفريقية، تنفث سمومها وأحقادها، وتوسع دائرة الأتباع بالمال تارة، وبالطعن والتشكيك والتشويه تارة أخرى. حتى أمريكا الجنوبية، لم تسلم من الفتنة الإيرانية والتي تتمثل في مطبوعة تصدر في البرازيل يربو عدد نسخها على الخمسين ألف نسخة شهرياً، تروج للمذهب وتشكك في المذاهب الأخرى وتطعن فيها وتشوهها. يقول البعض: ولم الاعتراض على ذلك؟ إيران أمة تؤمن بما هي عليه، وتسعى جاهدة إلى تسويق مذهبها، وتوسيع دائرة أتباعها، وبدل لوم توجهاتها والتشنيع عليها، لماذا لا يلام المتذمر الذي لم يستفد من الدروس، الذي ظل غافلا غارقا في نوم لا يصحو منه إلا بعد فوات الأوان؟، وحيث لا ينفع الندم، ويتعذر السيطرة على الوضع بعد ترسخ المفاهيم المضادة وتمكنها من الوجدانات، وتثبيتها بالعطايا والهبات والإنفاق الذي لا يخشى الفقر، كما حصل في لبنان بالأمس، واليوم في اليمن، وفي الغد سوف تصحو بؤر أخرى. هذا منطق وإن بدا في بعضه صحيحاً، وأخص نومة البعض وغفلتهم عن تحركات إيران، إلا أنه إذا أقر به، واعتبر مسوغا لكل من يحمل فكراً مخالفاً، فحتما سوف تتحول حياة الناس إلى صور من التشرذم والتضاد لا يمكن السيطرة عليها، وسوف تتحول العلاقات المجتمعية إلى فوضى واضطراب لا ينتهي، عندئذ تفسد الحياة، ولهذا حذر الله سبحانه من إثارة الفتن وعدها أكبر من القتل لأن مآلاتها خطيرة على الفرد وعلى المجتمع برمته.