فرض الله الحج بقوله تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً), فتقاطر الناس من كل مصر، وفي كل عصر مجيبين دعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله بالنداء بالحج إلى بيته الحرام بقوله: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ليشهدوا منافع لهم), فقال يا رب: كيف أبلغهم وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام على جبل أبي قبيس فقال أيها الناس: إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى وصل الصوت أقطار الأرض، وأجابه من في الأصلاب، والأرحام (لبيك اللهم لبيك) فلا غرابة أن يدلف لنا البر، والبحر، والجو هذه الجموع الغفيرة التي جاءت لتلبية النداء، وأداء الفرض من داخل البلاد ومن خارجها إلا أن بعض هذه الوفود، لا يؤدي الفريضة على الوجه المشروع، الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (خذوا عني مناسككم) وقد حفظ عنه أصحابه رضوان الله عليهم أفعال الحج وأعمال المناسك وتواتر عنه نقلها بالطرق الصحيحة، ولما كثر الجهل بأحكام الحج وجاء بعض الحجيج يحملون عقائد التبرك بالأشجار والأحجار والمقامات والمواقع الأثرية، ويجهدون أنفسهم بصعود الجبال، واللهث بالبحث عن المواقع الأثرية، التي لا صلة لها بأعمال الحج، ولا تغني عن أركانه، وواجباته، وسننه كان لزاماً على القائمين بحراسة العقيدة في هذه البلاد من حكام وعلماء، ومحكومين أن يعملوا جاهدين على تبصير الناس عموماً والحجيج خصوصاً بأمور دينهم وشعائر عباداتهم حتى تؤدي الفريضة على الطريقة المشروعة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، متخذين عدة طرق لتوعية الحجاج والمعتمرين ومنها استقبالهم في أماكن قدومهم براً وبحراً وجوا بتوزيع الكتب والنشرات والمطويات والأشرطة الصوتية لعلماء ثقات يتكلمون عن أصول العقيدة وأحكام العبادات، وأركان الحج وواجباته، وسننه والطريقة المثلى، التي تمكن الحاج من أداء فريضته، بلا مزاحمة، ولا بدع، ولا خرافات، ولا إفراط ولا تفريط، وهذا أمر محمود، وسعي مشكور، وجهد مأثور، يسجل للقائمين على توعية الحجيج في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ولغيرهم من القطاعات الحكومية الأخرى المشاركة في توعية الحجاج كل عام، ولكن المتبع لهذه الكتيبات والنشرات والمطويات وأشرطة الكاسيت وغيرها من الوسائل يجدها على نمط واحد لا جديد فيها ولا تجديد، لأن مادتها وطريقة عرضها مكررة منذ أن بدأت هذه الجهود مما يجعل المتلقي لها لا يلتفت كثيراً إلى ما تحتوي عليه هذه الكتب والنشرات والمطويات مع أننا في زمن التجديد والتحديث والإبداع لكسب المشاهد والقارئ والسامع حتى وصل الأمر بالمزاحمة إلى خطفه بوسائل الإغراءات المتعددة وأساليب الجذب المتنوعة، ولكي يبقى لهذه الكتب، والمطويات، والنشرات، والأشرطة، أثرها في المتلقي والزبون - إن صح التعبير - يجب أن تحدث أساليب الدعوة، والتبليغ وأن نبدع في الطرق الدعوية، لتوصيل الكلمة الهادفة، والمحاضرة القيمة، والنصيحة المقبولة، والخطبة الجامعة، ولا يتأتى ذلك إلا بما يلي: 1- الاستعانة بالأفراد الذين أثروا الساحة بالتدريب والبحث والتأليف وأبدعوا في مجالات تطوير الذات وتجديد أساليب الخطاب الإسلامي، وإدارة الوقت، والإبداع الإداري للمساهمة في تطوير هذه المطويات والنشرات والتسجيلات الصوتية. 2- الاستعانة ببيوت الخبرة المتخصصة بعمل الدراسات الهادفة في مجلاتنا الدعوية وتقديم المشورة الصادقة المفيدة. 3- الاستعانة بمراكز البحث العلمي بالجامعات السعودية لتطوير العمل الدعوي وتحديث أساليبه، وتجديد خطابه، وطريقة تبليغه، كمعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج بجامعة أم القرى، ومركز البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وجامعة الملك سعود، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وغيرها من المراكز بالداخل والخارج وتمويل هذا المشروع من الأموال الموقوفة على الدعوة والدعاة بعد الحصول على الفتوى بالصرف منها فإن لم يكن فبحث التجار، والموسرين على تمويل هذه الدراسات، ولن يعدم العمل الخيري محتسباً صادقاً راغباً في وعد الله سبحانه حيث قال: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)، وقال تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، ورغبة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، لأن الاقتصار على الجهود الذاتية والاجتهادات الفردية، يؤخر الركب، ويضيع الوقت، ويبعثر الجهد، فينصرف المتلقي لمتابعة من يشغل وقته، ويشبع رغبته، ويملأ فراغه، ولو بما لا يفيد، ويكون الوزر على من فرط وضيع الفرصة على الأمة بالمشاركة بالجهود المثمرة لانتشال جهال الأمة وضلالها من أوحال الجهل ومستنقعات الضلالة.