يطرح في ميدان وعالم الكتب هذه الأيام العديد من الكتب التي تهتم بقضايا تنمية الذات، وتطويرها، والاتجاه نحو التدريب من الأمور التي باتت سمة من سمات هذا العصر. إن كثيراً من الكتب المطروحة في المكتبات تجمع بين الهدف التجاري وبين تقديم مادة تستهدف تثقيف القارئ.. .. والعمل على تزويده بمعلومات جديدة، أو طرائق تفيده على المستوى الشخصي، وهذه الطريقة التي تنتهجها المكتبات العربية في هذه الفترة هي مقتبسة من الطريقة الأمريكية، منذ أن ظهر كتاب كيف تصبح مليونيراً، الذي عانى كاتبه من تكلفة طباعته في أول الأمر، ثم أصبح الكاتب مليونيراً بعد طباعته وتوزيعه. وكذلك كتابات الكاتب الشهير (دايل كارينجي) كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس (ودع القلق وأبدأ الحياة) وغيرها من كتب تنمية الذات التي لم تكن تعرف بهذا الاسم في وقتها، أي قبل 3 عقود من الآن عند صدور طباعتها الأولى، وإنما كانت كتب علم نفس عادية، ومبسطة جداً، تستهدف تنمية الحس الإدراكي لدى القارئ، وأهمية فهمه لنفسه، ولمن حوله. تطورت هذه المشروعات، وتحولت إلى مشروعات تنمية الذات، وبرزت بشكل كبير من خلال (البرمجة اللغوية العصبية) التي ظهرت في الثمانينيات من القرن الماضي. وعندما اهتم الكاتب (إبراهيم الفقي) بهذا العلم، وتلقاه على يدي أصحاب العلم أنفسهم، دعا هو الآخر إلى أهمية تغيير حياتك، وألف الكثير من الكتب في البرمجة اللغوية والعصبية، وفي أساليب النجاح، فنجح الفقي نفسه، قبل أن يحقق أي من قراءه نجاحاً، حيث أصبح من أكثر الكتاب في العالم إقبالاً، فهو يحاضر في كثير من الدول التي يدعى إليها، ويقيم دورات تدريبية في هذا المجال، وأصبحت حقائبه التدريبية من أغلى الحقائب عالمياً، إن الفقي استطاع أن ينجح هو أولاً، ولهذا، فإن القاعدة التي تقوم (فاقد الشيء لا يعطيه) هي قاعدة صحيحة، فالشخص غير الناجح لا يمكن له أن يدعوك إلى النجاح، والشخص غير السعيد لا يمكن أن يحقق السعادة لمن حوله. باختصار شديد باتت الكتب الأكثر مبيعاً في المكتبات هي الكتب التي تدعو إلى تنمية الذات، ثم كتب الطبخ، والشعر الشعبي، ثم كتب السحر والشعوذة، والجن والعفاريت، وكافة الخزعبلات المشابهة. وبحديثي هذا لا أريد أن أجمع بين كتب مفيدة مثل كتب تنمية الذات، وبين كتب الجن والعفاريت، ولكن من باب الحصر لواقع اهتمامات القراء هذه الأيام، وهذا يعكس المستوى الثقافي الذي يعيشه المجتمع، فهناك قاعدة تقول (قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت)، وعندما نجد أن مثل كتب تنمية الذات على سبيل المثال تنتشر، وتزدهر كمبيعات للكتب في السوق المحلية فإن هذا الأمر مبشر، على الأقل فيما يشير لحرص أبناء المجتمع على تطوير أنفسهم، وتنميتها من خلال القراءة. أما الاهتمام بكتب السحر والشعوذة والجن والعفاريت فهذا مؤشر على تخلف المجتمع وبقائه في دائرة الخوف من شبح المستقبل، على الرغم مما يعيشه أبناء مجتمعاتنا العربية والإسلامية من إيمان بالرسالة المحمدية التي تنبذ مثل هذه الأفكار، لكن من المعروف أن الإنسان بطبعه ضعيف، وما يجعله يلجأ لهذا النوع من الكتب عندما يجتمع لديه (الجهل والخوف والضعف).