يحتفل قريباً - بمشيئة الله - معهد الإدارة العامة برعاية كريمة من سيدي خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - بالذكرى الذهبية لتأسيسه قبل نصف قرن، وقد جاء تأسيسه في فترة دقيقة من التاريخ التنموي للمملكة؛ ليلبي ضرورة ملحة من ضرورات التنمية تتمثل في الإسهام في إعداد وتطوير الكفاءات البشرية اللازمة لتحقيق غايات التنمية في مضامينها وأغراضها المتفرقة. * * * * وهكذا ولد المعهد ليكون (الابن البكر) ل(صحوة) الإصلاح الإداري في بلادنا، وكان نبتة يانعة واعدة بثمار الخير، احتلت الدور الثاني من مبنى وزارة المالية المطل على طريق المطار القديم بمدينة الرياض، ثم تطور المعهد عبر سنينه الخمسين عدةً وعدداً ونجاحاً وإنجازاً؛ ليصبح واحداً من أهم وأبرز صروح التنوير الإداري في وطننا العربي، تدريباً وتعليماً وبحثاً، وكان لي شرف الانضمام إليه في وقت لاحق، لأستقي من زاده زاداً، ومن حراكه تجربةً، ومن إنجازه نجاحاً! * * * * وقد شرفني معالي مدير عام المعهد، الصديق الدكتور عبدالرحمن الشقاوي؛ فاستكتبني لهذه المناسبة الكبيرة، وأعددت لذلك الغرض حديثاً طويلاً سينشر ضمن وقائع الاحتفال بالمناسبة الكريمة، وقد تناولت في ذلك الحديث (قصة) التحاقي بالمعهد، محققاً بذلك حلماً أثيراً لازمني وأنا على مقاعد الدراسة الجامعية في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية قبل أكثر من أربعين عاماً، ثم تطرقت لمشوار المعهد الموفق في خدمة الإدارة، حيث صعد به النجاح المتواصل عبر السنين، وخاصة في عهد مديره الأسبق، معالي الدكتور محمد الطويل، وامتداداً إلى مديره الحالي معالي الدكتور عبدالرحمن الشقاوي؛ ليكتسب صيتاً عربياً وعالمياً، ويتحول إلى منار عملاق للإدارة يرسل ضياءه في كل الآفاق، وحين تزورني ذكرى تجربة العمل في معهد الإدارة العامة، يزدان قلبي بنبض المشاعر اعتزازاً بتلك الفترة، وحصادها الثمين الذي أعزو إليه - بعد الله - كثيراً مما تحقق لي من نجاح ما برحت أنعم بقطاف ثماره حتى اليوم. * * * * أختم هذه المداخلة السريعة مقتطفاً جزءاً مما ورد في خاتمة حديثي المطول عن المعهد أسوقه مع شيء من التصرف حيث قلت: * (... إن فترة عملي في معهد الإدارة العامة على مدى خمس سنوات (1390 - 1395ه) كانت (قصيدة) إلهام في (ديوان) حياتي؛ ففيه أسست نفسي.. وظيفياً ومهنياً، ومنه اكتسبت الكثير من المعارف الأكاديمية والخبرات الميدانية، وبين جدرانه أنشأت ملاحم رائعة من الصداقات المتينة مع العديد من الزملاء الكرام، يتقدمهم معالي مديره العام الصديق الأستاذ فهد الدغيثر، ومعالي نائبه وقتئذ الصديق الدكتور مطلب النفيسة، إلى جانب زملاء كرام، منهم مَن قضى نحبه ومنهم مَن ينتظر، من بينهم تمثيلاً لا حصراً: يوسف التويجري، عبدالله الضبعان، إبراهيم المنقور، د.إبراهيم المنيف، حمد السياري، حمد الرشودي، عبدالعزيز التويجري، عمر البيز، إضافة إلى الإخوة الكرام: إبراهيم الزيد، عامر الهوشان، زياد بخيت، د.صافي إمام موسى، وعبدالرحمن العجروش، رحمهم الله جميعاً وأرضاهم...). * * * * ولن أنسى قط (دينمو) الحركة في المعهد عبدالرحمن العجروش الذي ظنه محمد علي كلاي، بطل الملاكمة الشهير، مديراً للمعهد، وذلك خلال زيارة له ذات يوم؛ فكان يوجه له السلام والكلام، متجاهلاً بذلك وجودي في استقباله مع الزميل يوسف التويجري، ربما لأن الأخ عبدالرحمن كان كمثله فارع الطول مليء البدن إلى جانب شيء من وقار الشيب، ولم يغير كلاي موقفه هذا إلا بعد أن ألمحت له (لتعديل) (موقعه) وموقفه! * * * * ثم مضيت أقول مختتماً: * (... لن أغلو إذا قلت إنني ما برحت أحن إلى تلك المرحلة المهمة في حياتي رغم تعاقب السنين، ومن خلالها كسبت الرهان أمام نفسي والآخرين، حين أصررت بادئ الأمر على الالتحاق بمعهد الإدارة العامة بعد عودتي من أمريكا؛ لأنشئ لنفسي - بعون من الله، ثم بصفاء ونقاء بيئة العمل داخل المعهد - رصيداً من الإنجاز، مهما كان قدره متواضعاً، إلا أنه يعني لي الكثير والكثير جداً ضمن مشواري الإداري الطويل...).