مصطلح جاء في كتابة ريشارد هاس، من منسوبي مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، في صحيفة النييورك تايمز، حرب أفغانستان هل بنيت على مفهوم (الضرورة) أو (الاختيار)، necessity a war of choice or، يذكر أنّ الخيار (لنا)، يقصد الأمريكيين. أما الرئيس أوباما، وفق آخر تصريحات له بهذا الشأن، فيرى أنها (حرب ضرورية)، أي مدفوعة لها أمريكا عن غير رغبة أو اختيار، وهذا يعني أنها لا تزال ضرورية. طبعاً يترتب على تبنِّي أي من المفهومين، أو المصطلحين، أشياء كثيرة، فإذا كان الرئيس أوباما يرى أنها ضرورية فهذا يعني أنهم سيطيلون البقاء هناك، ولو لم يطب لهم المقام، ولربما كان ليلهم طويلاً! ويرى الكاتب نفسه، أنه على الرغم من الجهد المبذول في الحرب الأفغانية منذ ثماني سنوات، تظل باكستان أكثر أهمية في الوقت الحاضر من أفغانستان جيواستراتيجياً وسياسياً. القاعدة وطالبان ليس فقط في أفغانستان بل في باكستان (وفي بلدان أخرى)، امتداد طالبان والقاعدة على الحدود بين البلدين، لقد تم تحدي الباكستان بهذه الفرقة، ويوجد في باكستان 100 رأس نووي، فلك أن تتصور لو حصلت هذه الفرق على نسبة ضئيلة من القدرة النووية في باكستان، فماذا يمكن أن يحصل؟ بدأت القاعدة في أفغانستان بتأييد استخباراتي من باكستان، ويعتبر البعض أنّ أفغانستان، عسكرياً واستراتيجياً، أقل أهمية مما كانت عليه قبل سبع سنوات مضت! صحيح أنّ أفغانستان كانت المنطلق لمهاجمة أمريكا في عقر دارها، وما فعلته أمريكا في أفغانستان يعتبر ردة فعل متوقعة، أو من باب الدفاع عن النفس. أما توسيع الحرب في أفغانستان فيعتبر مسألة اختيارية في ضوء عدد من الخيارات، تعتبر طالبان أقل خطورة مما كانت عليه قبل سبع سنوات. فقد كانت طالبان مسيطرة أما الآن فتواجدها يقتصر على منطقة البشتون، بالإضافة إلى أنّ القاعدة الآن في باكستان أكثر مما هي في أفغانستان، أضف إلى ذلك أنّ إستراتيجية القاعدة تغيّرت. أمن باكستان في المستقبل مشروط بألاّ تكون أفغانستان قاعدة للهجوم عليها. ومن وجهة نظر الأمريكان فإنّ التطرف في باكستان أكثر منه في أفغانستان متحولاً إلى شرق البلاد بشكل ملحوظ. وفي الوقت الحاضر يقدر الإستراتيجيون أنّ باكستان لا تشكل موقفاً حرجاً بالنسبة لأمن أمريكا، ويعتبر تواجدهم في أفغانستان للتأثير على باكستان، حيث إنه لا يمكن أن تسمح بجيوش أمريكية خوفاً من السيطرة على سلاحها النووي الذي تتخذه رادعاً للهند. وعندما لم يستطع الأمريكان التواجد عسكرياً في باكستان اختاروا أفغانستان لتحقيق أهدافهم الجيوستراتيجية في وسط الشرق الآسيوي، ولطالما طلب الأمريكان من باكستان السماح لهم بتواجد عسكري. أما هل يمكن تحقيق النصر في أفغانستان، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟. لقد ترسخ الاعتقاد بأنّ الحرب ضرورية، ومن يرى أنها ضرورية، فيعتقد أنّ الجيش سوف ينتصر، ومن أولئك السفير السابق لأمريكا في أفغانستان خليل زاد الذي يرى أنّ الحرب لا تزال ضرورية، ليس لمحاربة الإرهاب فحسب ولكن لما يحصل بالنسبة لباكستان. السؤال هل يمكن أن تحقق أمريكا الفوز بتكلفة معقولة؟ معظم الناس في أمريكا غير مرتاحين من حكومة كابل من حيث الفساد والمخدرات. ويذكر السفير خليل زاد أنه لا يمكن التغلب في أفغانستان حتى يكون لنا شراكة مع حكومته، ويرى أنه لم تستغل السنوات الماضية لمعالجة الفساد والمخدرات. وفيما يبدو أنه ليس لدى الإدارة الأمريكية إستراتيجية حربية أو غير حربية، وقد يقدمها سكرتير الدفاع الأمريكي جيت للرئيس الأمريكي قريباً. وهناك شعور في الأوساط الأمريكية أنّ الحرب لا يمكن الفوز فيها وأنهم تورطوا في وسط حرب أهلية. أما الأفغان فيشعرون بأنهم مهملون من العالم ويطمحون إلى حياة مستقرة بعد 30 سنة من الحروب. ومن ضمن الاستراتيجيات المطروحة مساعدة باكستان لتكون عوناً لأفغانستان، ولقد سبق أن أكدنا في مقالات سابقة، أنّ الحل العسكري ليس هو الحل الوحيد، إذ يجب أن يركز على الخيار الحضاري، فأفغانستان بلد غني حضارياً ويجب أن تعطى الفرصة لأن تتطور من خلال تطوير مؤسسات المجتمع المدني، أضف إلى ذلك وجوب الاهتمام بما يحدث في إقليم وسط وجنوب آسيا وتحويله سلمياً للاتجاه الصحيح، لقطع الطريق أمام التجمعات المتطرفة الجانحة للإرهاب، كما لا بد أن تعمل الدول المتقدمة مع الدول النامية عن طريق الشراكة والتعاون ليس عن طريق التعالي والتسلط والغطرسة، ليس قوة بقوة بل التوجه نحو بناء دولة مجتمعية معاصرة، فلماذا يركز فقط على الخيار العسكري، ماذا عن المفاوضات؟ القضية ليست مسألة هل الحرب في أفغانستان (ضرورية) أو (اختيارية)، بل يجب التركيز على الخروج من أفغانستان والاهتمام بباكستان أكثر. والمسألة الباكستانية تتمثل فيها عدد من القضايا: ما يتعلق بطالبان الباكستانية وعلاقتها العرقية والعقدية مع طالبان الأفغانية، وفلول القاعدة في باكستان، والعلاقة والنزاع الهندي - الباكستاني، والناحية الاقتصادية المتدنية في باكستان .. جميع هذه القضايا الجيوستراتيجية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية تعقِّد الوضع الباكستاني وتلقي بظلالها على ما يحصل في أفغانستان. أما الأمريكان فمحتارون بين مصالحهم السياسية والعسكرية والاقتصادية، وما يحصل على أرض الواقع سواء في أفغانستان أو باكستان، وتنقصهم السياسة الشمولية، التي لا تركز على حل واحد، (العسكري) فقط، بل لابدّ من حلول سياسية واقتصادية وحضارية. والتعامل مع الوضع في باكستان يجب أن يشمل المجتمع المدني والجيش والمؤسسة الاستخبارية .. هذه الأطراف الثلاثة، التي لها تأثير في باكستان، من المهم العمل مع جميع المؤسسات: الجيش واضع عينه على الهند، والاستخبارات تركز على الوضع في أفغانستان، والمجتمع المدني مشغول بعدد يكاد لا يحصى من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وتحاول الاستخبارات الباكستانية عدم تمكين طالبان من أن يتخذوا من أرضهم منطلقاً للحرب في أفغانستان.