إن الالتزام بأنظمة المرور وقواعده وأدبياته في هذا العصر ليس سلوكاً حضارياً فقط، وإنما هو ضرورة تنظيمية تفرضها الحاجة إلى تيسير أمور الحياة التي تزداد تعقيداً وازدحاماً يوماً بعد يوم، وتزداد حاجة الإنسان فيها إلى كل دقيقة من وقته الذي أصبح أغلى من الذهب، لأن الذهب يمكن تعويضه، أما خسارة الوقت فلا يمكن تعويضها. ولهذا فقد أولت الدول المتحضرة الأنظمة المرورية جل اهتمامها ومتابعتها وحرصت على تطبيقها بصرامة، وسعت إلى توعية شعوبها نحو احترام تلك الأنظمة والالتزام بها حفاظاً على سلامة الفرد، واحتراماً لحقوق الآخرين في الطريق، وهي الحقوق التي سبقهم إليها الإسلام بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (أعطوا الطريق حقه). وليس جديداً أن نتحدث عن انتهاك حقوق الطريق لدينا بالسلوك غير الحضاري الذي نشاهده يومياً من السرعة الزائدة، وعكس المسارات، وقطع الإشارات، وعدم احترام خط المشاة، وعدم احترام المواقف المخصصة للغير، وإزعاج الآخرين بأصوات المنبهات الصاخبة، والمصابيح الغازية...إلخ، لكن الجديد هو ظاهرة الوقوف وسط الشارع دون حياء أو خوف من رجال المرور! إن ممارسة الوقوف في عرض الشارع وإغلاق مساراته بشكل متعمد قد أصبحت ظاهرة يومية يمكن مشاهدتها بكل سهولة أمام المدارس وبعض الدوائر الحكومية أو المطاعم والأسواق. إنها ظاهرة من أسوأ ظواهر الهمجية المرورية لدينا، لأنها استهتار واضح بحقوق الآخرين فضلاً عن الاستهتار بجهاز المرور ورجاله. لقد أصبحت ظاهرة الوقوف أمام المدارس وبالذات المدارس الخاصة وقت انصراف الطلاب ممارسة عادية يمارسها بعض الآباء والسائقين الوافدين بلا حياء غير آبهين بما يترتب على ذلك من اعتداء على حرمات الطريق وتعطيل لعباد الله العابرين. لقد تطورت هذه الظاهرة وأصبحت ممارسة اعتيادية حتى صار سائق العائلة الآسيوي يأتي قبل موعد انصراف المدارس بربع ساعة أو أكثر ويوقف سيارته في عرض الشارع في المسار الأول أو الثاني أو الثالث ويقفلها، ويترجل منها ليذهب إلى البقالة أو إلى البوفيه أو إلى الرصيف من أجل الدردشة مع أصدقائه من أبناء جلدته بانتظار خروج الطلاب من المدرسة، ولسان حاله يقول: على عابر الطريق أن ينتظر عشر دقائق أو ربع ساعة، أو فليذهب إلى طريق آخر فالشوارع كثيرة! وحتى لا أتهَم بالمبالغة؛ فإني أدعو أحد المسؤولين في مرورنا العزيز أن يمر قبل وقت انصراف المدارس الكبيرة الواقعة على شوارع رئيسة، وإذا لزم التحديد بمثال معين؛ فإني أدعوهم للمرور بمدارس التربية الواقعة على شارع الأمير ماجد بن عبدالعزيز بحي الريان بالرياض ليرى السيارات مصطفة دون سائقيها محتلة جميع مسارات الشارع ذهاباً وإياباً!! كما أن هناك ظاهرة أخرى من ظواهر الفوضى المرورية المتنامية، وهي ظاهرة الوقوف على المسار الأيسر للشارع بعد استغراق أماكن الوقوف على الجانب الأيمن بحيث لا يبقى إلاّ مسار واحد في الوسط للمرور، ومن أراد مثالاً حياً على ذلك فليذهب إلى طريق الفرزدق بالملز خصوصاً من جهة نهايته مع شارع الجامعة. إن الفوضى المرورية التي وصلت إلى أعلى مستوياتها تعكس صورة قبيحة للتخلف الذي توصم به بلادنا إذا ما قورنت بالبلاد المجاورة أو البلاد الناهضة الأخرى، فمن هو المسؤول؟ وكيف تعجز دولة بترولية ناهضة عن كبح جماح هذه الفوضى المتزايدة؟ إن الخوف هو أن تتحول هذه الظواهر المقيتة إلى سلوك مقبول لا يخجل السائق من ممارسته في ظل تهاون المرور وسلبية السائق، ولأن من أمن العقوبة أساء الأدب.. وختاماً؛ فهل أعطينا الطريق حقه؟.