أجمع عدد من مشايخ القبائل على أن المبالغة في الديات مقابل التنازل عن القصاص والعفو عن الجاني وتحميل الناس مالا يطيقون من حطام الدنيا الزائل الذي لا يعطي جاهاً، مشددين على ضرورة نبذ ظاهرة المغالاة في طلب الديات. ولفتوا النظر إلى سمات العفو والتسامح التي يتميز بها أبناء المجتمع السعودي مجسدين بذلك مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي يدعو إلى العفو والصفح لما في ذلك من الأجر العظيم، وعبروا عن استهجانهم للمبالغة في طلب الديات من قبل ولي القتيل أو ورثته التي تتعارض مع تلك السمات التي يتمتع بها أبناء هذه البلاد. ونوهوا في تصريحات لهم إلى عدد من أولياء المجني عليهم أو ورثتهم ممن عفوا وأصلحوا لوجه الله تعالى دون مقابل مادي، واعتبروهم مثالاً يحتذى في العفو والصلح لأنهم آثروا الآخرة على الدنيا فما عند الله خير وأبقى. فقد دعا شيخ شمل قبائل بني مغيد وبني نمار الشيخ علي بن سعد بن مفرح جميع القبائل وأهل الخير والإصلاح بأن يرفضوا رفضاً قاطعاً المغالاة في طلب الأموال لقاء التنازل عن القصاص وما يتبعه من تجمع للقبائل وإقامة المخيمات. وقال: (إن العفو والتسامح من شيم أهل مملكتنا الحبيبة وقبل ذلك ما بينه ديننا الإسلامي الحنيف من فضل العافين عن الناس وأخذ الأجر من الله سبحانه وتعالى دون غيره). وأضاف: (إذا أراد الإنسان أن يعفو فليجعل العفو من أجل رب السموات والأرض الذي يطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور وسيعوضه الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة). في ذات السياق قال شيخ شمل قبائل قحطان ووادعة الشيخ فهد بن عبدالله بن دليم: (إن الغلو والزيادة في مبالغ الديات والتجمعات من أجل عتق الرقاب أمر لا نرضى به وهو من الأمور التي لا تبشر بالخير). وأكد أن العفو الحق هو الذي يعفو لوجه الله تعالى ويقبل بالدية الشرعية ويحتسب الأجر عند الله لأن ذلك هو الباقي للإنسان وليس العفو في طلب الملايين التي ترهق كاهل المعفو عنه وأسرته وجماعته. وحمد الشيخ ابن دليم الله تعالى على ما أنعم به على بلادنا من أمن وأمان وخيرات كثيرة، مطالباً الجميع بتقوى الله في السر والعلن والسعي إلى جانب العفو والتسامح وعدم المبالغة في طلب الدية التي ترغم أهل الجاني على الديون أو تجبر قبيلته على فتح باب التبرعات والتردد على أهل الدم لشهور وقد تطول لسنوات. وعبر عن ثقته في جميع القبائل بأن ينبذوا ظاهرة المبالغات في الديات والتجمعات واللوحات الإعلانية وأن يكون العفو شيمة وقبل ذلك لوجه الله سبحانه وتعالى. وأكد شيخ قبيلة بني زيد في رجال ألمع بمنطقة عسير الشيخ يحيى بن سعد الحياني نبذه ورفضه هذه الظاهرة الدخيلة التي تصل إلى الغلو وأخذ الملايين دون حق. وقال: (لا أحد ينكر الطلب والشفاعة من أهل الخير وأهل الجاه والصلاح لأن ذلك أمر مطلوب من مبدأ الصلح والتسامح والله سبحانه يقول: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}. وأضاف: (إن الله وعد من يعفو ويتسامح بالأجر العظيم وهو ميدان فسيح يتسابق فيه المؤمنون فأجر الدنيا ذاهب وزائل وما عند الله خير وأبقى). وحذر الشيخ الحياني من التفاخر والتباهي والتعالي في طلب الدية التي تصل إلى الملايين، مشيراً إلى أن الدنيا تدور فقد يصبح من طلب وأصر على الملايين وإرهاق الناس مطلوب بنفس الملايين وهنا يأتي الندم الذي لا يفيد. ودلل على أن مجتمعنا السعودي بحمد الله لازال بخير وأن الرجوع إلى الحق فضيلة حيث ضرب الكثير من الناس أروع الأمثلة في العفو والتسامح وعدم المطالبة بمبالغ طائلة أو استنفار القبائل مما يجعلهم دائماً محط التقدير والإعجاب من المواطن والمسؤول إضافة إلى ما وعد الله به من أجر عظيم وسيكونون إن شاء الله من القوم المفلحين الذين يجدون عفوهم وتسامحهم دون مقابل ظلاً ونوراً لهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون. وقال شيخ شمل قبيلة سلامان بني شهر الشيخ تركي بن شاكر العسبلي: (إن في هذه الحياة مثلاً عليا فاضلة وتقاس بما فيها لأن الإنسان يرتقي بطبعه إلى مدارج الفضائل ومكارم الأخلاق وكل ذلك بباعث من الإيمان الخالص في النفس المؤمنة المطمئنة). ووجه نداء صادقاً إلى مشايخ القبائل في مختلف مناطق المملكة وإلى كل مواطن سعودي بأن يتقوا الله في أنفسهم وأن يبتعدوا تماماً عن إقامة المخيمات ولوحات الإعلانات والتجمعات من أجل الحث على العفو والتنازل عن الدم لأن ذلك تجاوز لمقاصد شريعتنا الإسلامية الغراء ومخالفة لما كان عليه رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة الراشدة. ورأى شيخ شمل قبيلة سلامان بني شهر أن طلب المبالغ المادية الباهظة لقاء التنازل عن القصاص أخذ منحنى خطيراً لم يكن موجوداً في عهد الآباء والأجداد، داعياً الجميع إلى النظر بجد فيما جاء به الإسلام من فضل إعتاق رقبة المسلم لوجه الله تعالى وأن يكون العفو والصفح نهجنا دائماً في كل أمور حياتنا وتصرفاتنا وأن كظم الغيض والتسامح والعفو عن الناس هي قيم وشيم وقوة تبقى على جبين الإنسان وأسرته وسيرة عطرة يتناقلها المجتمع من حين إلى آخر.