قال الله تعالى :إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين, قال : يابُني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين . قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالصمد حدثنا عبدالرحمن عن عبدالله بن دينار، عن أبيه، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم (1) , قال ابن لحيدان وهو عند أحمد صحيح قال ابن كثير انفرد به البخاري فرواه عن عبدالله بن محمد وعبدة عن عبدالصمد بن عبدالوارث به، قلت ليس كما قال فليس هو من إفراد الإمام البخاري على هذا :الوجه قال ابن كثير: قال المفسرون وغيرهم: رأى يوسف (عليه السلام) وهو صغير قبل أن يحتلم كأن أحد عشر كوكباً، وهم إشارة إلى بقية اخوته، والشمس والقمر وهما عبارة عن أبويه قد سجدوا له، فهاله ذلك. فلما استيقظ قصها على أبيه، فعرف أبوه أنه سينال منزلة عالية ورفعة عظيمة، في الدنيا والآخرة، بحيث يخضع له أبواه وإخوته فيها، فأمره بكتمانها وأن لا يقصها على إخوته، كيلا يحسدوه ويبغوا له الغوائل (2) ويكيدوه بأنواع الحيل والمكر. قال ابن لحيدان، وهذا حق دلت عليه: ظاهر الآيات من أول سورة يوسف عليه السلام، لكن هنا نكتة لا بد من بيانها، وهي أن : الرؤيا لا يقاس عليها، ولا تخضع للاجتهاد والظن والفكر فليس كل من رأى مثل رؤيا يوسف عليه السلام أو ما يقاربها يكون له مثل ذلك. فهناك : حالات واعتبارات وإشارات لكل رؤيا يدركها المعبر وان اتحدت الرؤى بالشكل والصورة والحال فلا بد من التنبه لهذا حماية لحقيقة كل رؤيا تكون صحيحة ويصلح الرأي لها لما يريده الله به له من خلالها. قال ابن كثير من كلام أنقل منه بعضه مفرقا قال (3) قال الله تعالى :وكذلك يجتبيك ربك أي : وكما أراك هذه الرؤيا العظيمة فإذا كتمتها (يجتبيك ربك) أي : يخصك بأنواع اللطف والرحمة (ويعلمك من تأويل الأحاديث) أي : يفهك من معاني الكلام وتعبير المنام ما لا يفهمه غيرك (ويتم نعمته عليك) أي : بالوحي إليك (وعلى آل يعقوب) أي : بسببك ويحصل لهم بك خير الدنيا والآخرة). وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما، وأبو يعلى والبزار في: مسنديهما من حديث الحكم بن ظهير (وقد ضعفه الأئمة) عن السُّدي عن عبدالرحمن بن سابط عن جابر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود ، يقال له : بستانة اليهودي، فقال : يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له، ما أسماؤها,,؟ قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه بشيء. ونزل جبريل عليه السلام ,, الحديث,,) (4) . قال ابن لحيدان هذا الحديث ضعيف من حيث متنه، وليس له عاضد ثم إنه لا حكمة من : ذكر أسماء النجوم، ومتهالك من حيث السند فليس هو بصحيح حسب نظري، ولم أر من نصر (ابن ظهير) في روايته. فلها متعلق به ولا يؤخذ هذا النص مأخذ العمل. قال ابن كثير قال الله تعالى في كتابه العزيز فلما ذهبوا به وأجمعوا ان يجعلوه في غيابت الجب، وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون . لم يزالوا بأبيهم حتى بعثه معهم كذلك قال ابن كثير فما كان إلا أن غابوا عن عينيه فجعلوا يشتمونه، ويهينونه بالفعال والمقال، وأجمعوا على إلقائه في غيابة الجب، أي في قعره. فلما ألقوه فيه، أوحى الله إليه أنه لا بد لك من مخرج وفرج من هذه الشدة التي أنت فيها، ولتجدن إخوتك بصنيعهم هذا في حال أنت فيها عزيز وهم محتاجون إليك خائفون منك (وهم لا يشعرون) (5) . فلما وضعوه فيه ورجعوا عنه أ ذوا قميصه فلطخوه بشيء من دم، ورجعوا إلى أبيهم عشاء وهم يبكون أي: على أخيهم (6) ولهذا قال بعض السلف لا يغرنك بكاء المتظلم فرب ظالم وهو باك، وذكر بكاء إخوة يوسف وقد جاؤوا اباهم عشاء يبكون أي : في ظلمة الليل، ليكون أمشى لغدرهم لا لعذرهم . قال ابن لحيدان وذكر ابن كثير في قصصه عن قوله سبحانه وتعالى: وجاءوا على قميصه بدم كذب أي مكذوب مفتعل، لأنهم عمدوا إلى سخلة (7) ذبحوها، فأخذوا من دمها فوضعوه على قميصة ليوهموه أنه أكله الذئب. قالوا: ونسوا أن يخرقوه، وآفة الكذب النسيان، ولما ظهرت عليهم علائم الريبة لم يرج صنيعم على أبيهم، فإنه كان يفهم عداوتهم له،وحسدهم إياه على محبته له من بينهم أكثر منهم، لما كان يتوسم فيه من الجلالة والمهابة التي كانت عليه في صغره، لما يريد الله تعالى أن يخصه به من نبوته،ولما راودوه عن أخذه فبمجرد ما أخذوه أعدموه وغيبوه عن عينيه، وجاؤوا وهم يتباكون وعلى ما تمالؤوا يتواطؤون ولهذا قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون . وأورد ابن كثير قوله تعالى:وجاءت سيارة (8) فأرسلوا واردهم (9) فأدلى دلوه قال: يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة،والله عليم بما يعملون . قال ابن لحيدان إن من إجابة الدعاء نزول السكينة والطمأنينة في نفس وقلب وعقل الداعي، ونصرة المظلوم بصورة وصور لا يتوقعها لا : الداعي، ولا الظالم. والله جل وعلا يهيء من الأسباب الحسية والمعنوية للمظلوم مالا يظنه ظان، خاصة إذا كان مع الظلم حسد ووشاية وتعد مستمر. قال ابن كثير يخبر تعالى عن قصة يوسف حين وضع في الجب: أنه جلس ينتظر فرج الله ولطفه به، فجاءت سيارة أي مسافرون. قال أهل الكتاب: كانت بضاعتهم من الفستق والصنوبر والبطم (10) قاصدين ديار مصر من الشام فأرسلوا بعضهم ليستقوا من تلك البئر، فلما أدلى دلوه تعلق به يوسف (عليه السلام) فلما رآه ذلك الرجل, (قال يا بشرى). اي : يابشارتي، (هذا غلام فأسروه بضاعة) أي أوهموا أنه معهم غلام من جملة متجرهم (والله عليم بما يعملون) أي : هو سبحانه وتعالى عالم بما تمالأ عليه إخوته وبما يسره واجدوه من أنه بضاعة لهم ومع هذا لا يغيره تعالى، لما له في ذلك من الحكمة العظيمة والقدر السابق والرحمة، بأهل مصر بما يجري الله على يدي هذا الغلام الذي في صورة اسير رقيق ثم بعد ذلك يملكه ازمة الأمور وينفعهم الله به في دنياهم وأخراهم بما لا يحد ولا يوصف (خاصة التوحيد ونبذ الشرك من عبادة غير الله كالقبور والتمسح بها والطواف وطلب الحاجات وأكل الحرام). ولما استشعر اخوة يوسف عليه السلام بأخذ السيارة له لحقوهم. وقالوا: هذا غلامنا أبق منا (11) فاشتروه منهم بثمن بخس أي : قليل نزر، وقيل هو :الزيف، (دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين). قال ابن مسعود وابن عباس ونوف البكالي والسدي وقتادة وعطية العوفي باعوه بعشرين درهماً اقتسموها درهمين، وقال : مجاهد اثنان وعشرون درهماً، وقال: عكرمة ومحمد بن إسحاق: أربعون: درهماً). قال ابن لحيدان لم أقف على نص صحيح في هذا، وجملة ما يمكن قوله انها دراهم قليلة توحي بحب التخلص منه من قبل إخوته وإلا لو طلبوا أكثر لاشتروه منهم بما هو فوق ذلك. وهذا كله تحت عين الله ورعايته وحفظه وإلا فإن من جهل شيئاً لا يثمنه لأنه لا يعرف قدره, ولا قيمته، وكيف لو علم السيارة بما سوف يكون هذا من النبوة العظيمة لخدموه وقاموا عليه حباً ورعاية لكن لله حكمة من وراء ما يصنع برسله عليهم السلام بتدبيره وعنايته. قال ابن كثير: (قالوا: وكان الذي اشتراه من أهل مصر عزيزها وهو الوزير بها، الذي الخزائن مسلمة إليه، قال ابن إسحاق، واسمه إظفير روحب، قال: وكان ملك مصر يومئذ الريان بن الوليد، رجل من العماليق، قال : واسم امرأة العزيز : راعيل بنت رعاييل). (وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن السائب عن أبي صالح، عن ابن عباس: كان اسم الذي باعه بمصر يعني الذي جلبه إليها: مالك بن زعر بن نويب بن عفقان مديان ابن إبراهيم , فالله أعلم). (وقال ابن إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، قال : أفرس الناس ثلاثة عزيز مصر حين قال لامرأته (أكرمي مثواه) والمرأة التي قالت لأبيها عن موسى (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما) (12) , ويسير ابن كثير مبينا معنى قوله تعالى وكذلك مكنا ليوسف في الأرض أي : وكما قيضنا لهذا العزيز وامرأته يحسنان إليه ويعتنيان به مكنا له في أرض مصر). قلت: تمكين يوسف عليه السلام هو من ادق العبر لنشر التوحيد الخالص الصواب والجمع بين سياسة الدين والدنيا ولهذا استخلص ملك مصر لنفسه لما وجد: أمانته وقوته وصلاحه وعفافه فكان عليه السلام هو المتمكن من : أرض مصر ولهذا عم زمانه الخير والغنى والخيرات المتعددة من : مطر وزرع وفيض مال, وأصبحت مصر قبلة للناس ودخل الناس في التوحيد على ملة إبراهيم عليه السلام وهو عبادة الله تعالى وحده وترك الشرك وطرحه كما قال سبحانه ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين . قال ابن كثير يبين المراد من قوله تعالى: وراودته التي هو في بيتها عن نفسه . يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه. وهذا كله مع أن يوسف عليه السلام شاب بديع الجمال والبهاء إلا أنه نبي من سلالة الأنبياء، فعصمه الله تعالى عن الفحشاء وحماه من مكر النساء فهو سيد السادة النجباء السبعة الأتقياء المذكورين في الصحيحين عن خاتم الأنبياء في قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله: إمام عادل. ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه. ورجل معلق قلبه بالمساجد. ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. وشاب نشأ في عبادة الله. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله). الحواشي والبيان (1)نقله ابن كثير في قصص الأنبياء ص243 وهو كما نقل عند: الإمام أحمد. (2) الغوائل جمع غائلة وهي المكر البالغ. (3) ص243 المصدر السابق. (4) لم أقف على صحته حسب علمي. (5) هذا وعد تحقق وهو (وحي). (6) بسبب فقده. (7) لم أقف على سند صحيح. (8) يسيرون على أرجلهم , أو على :دواب. (9) الوارد الذي : يرد الماء. (10) نوع من المأكول. (11) أبق بكسر الباء : (هرب). (12) أبو عبيدة لم يسمع من أبيه فهو : منقطع، لكن المعنى صحيح.