بعد ألف وثلاثمائة عام تؤكد الأرض هويتها.. ويعود للذاكرة عبق الماضي.. للشعر جلالته.. بعد عكاظية هناك وهناك بعيداً عن الخارطة الجغرافية الحقيقية للمكان تكون بحول الله عكاظية هنا وعلى الأرض نفسها يعود ويقصدها العرب وقوافل الشعر والتراث. استطاعت الطائف هذا العام أن تكون بحق عاصمة للشعر وقبلة للمثقفين والنقاد الذين قصدوها من كل مكان في عالمنا العربي ومن مملكتنا الغالية، اجتمع أحفاد الخنساء والنابغة يتعاكظون، يحملون معهم قصائدهم على اختلاف أنماطها ومدارسها وأشكالها الشعرية، يضربون وتد خيمتهم، يحتفلون بالشعر وبهذا العرس الثقافي الكبير الذي لطالما اجتمعت فيه العرب قديماً تتعاكظ فيه وتتفاخر بمنجزها الشعري. من سماء أبها إلى مكةالمكرمة انتقلت تلك السحابة البيضاء تبشر الشعر بالبقاء والسوق بالعودة إلى وهجها القديم، معيدة إلى حيز الوجود ذكريات أجدادنا التي حبلت بها هذه الأرض الطيبة. جهات عديدة تكاتفت جهودها لإنجاح هذا المهرجان الشعري والثقافي.. الشعراء والمثقفون والنقاد ومحبون لهذا الوطن نذروا الجهد والوقت وكل ما استطاعوا إليه سبيلاً، معالي محافظ الطائف فهد بن معمر الذي كان لحضوره ودعمه الشيء الكثير، جامعة الطائف ممثلة بمعالي الدكتور عبدالإله باناجه واللجنة الثقافية التي انبثقت عنها وقد نجحت في توليها الدور الإعلامي أيضاً إلى جانب الدور الثقافي، هيئة السياحة، والأمانة العامة لسوق عكاظ ممثلة في الأمين العام د. جريدي المنصوري الذي التقيته في برنامج ستون دقيقة ثقافة وفناً، في حلقة خاصة عرضت على القناة السعودية الأولى مواكبة للافتتاح، وقد كان محور اللقاء الفعاليات التي في سوق عكاظ والمدعوين إليه والجوائز المخصصة فيه. وزارة الثقافة والإعلام التي كرست قنواتها المرئية إضافة للإعلام المقروء لمتابعة الفعاليات والأمسيات والندوات، وأذكر الدور النشط للقناة الأولى بالذات التي التقت ضيوف المهرجان من نقاد وشعراء في برامج متعددة نقلت من الطائف.. من قلب الحدث. كان لهذا الحدث الكبير أن تصحبه جهود كبيرة لإنجاحه، وبفضل الله استطاع أن يكون لعكاظ صدى كبير على المستوى العربي وحضور فعّال. وأنت هناك على مشارف العرفاء يعبق المكان بالشعر والعطر، وتعبق الذاكرة بكل ما اختزنت داخلها، كأنني بجدي النابغة هناك في صدر خيمته يرحب بالأحبة وتدور فناجين القهوة العربية المعتقة بالهال لتبدأ مراسم الاحتفال ومواسم الشعر والحياة. في الخيمة المقبلة قهوة الخنساء ممزوجة بدموعها، تدلنا إلى خيمتها أبياتها في صخر، فنسرع إليها متأهبين للشعر والرثاء. تلك هي حفيداتها قصدن سوق عكاظ من بقاع عالمنا العربي يحتفلن بالثقافة ويعقدن صفقة الشعر مع مواسم عكاظ، يؤكدن إرثهن الشعري وقدرتهن على المشاركة في الثقافة. الطائف هذا العام كانت عروس الثقافة وعاصمة حقة للشعر، تلقتنا مرحبة، رافقنا هواءها العليل ينعش الفكر ويعطر الذاكرة ويضيف إلى الشعر بهجة الطبيعة وجمالها وسحرها. فيا عكاظ.. كل عام وأنت سوقنا العربية وهويتنا الشعرية ومقصدنا.. شاعرة وإعلامية [email protected]