إنني أتساءل عن السبب الذي يجعل أعداد الحوادث المرورية في تزايد، على الرغم من تحسن الوعي المروري؟ الإجابة بكل بساطة هي استخدام الجوال أثناء قيادة السيارة فهذا السائق يجري اتصالاً هاتفياً والسائق الآخر منشغل بقراءة رسالة هاتفية، وسائق آخر لا يعيد برمجة هاتفه أو تخزين أرقام جديدة إلا أثناء القيادة فماذا عن النتيجة؟ النتيجة أننا حققنا أرقاماً قياسية في أعداد المصابين وقتلى الحوادث المرورية. كشفت بعض الدراسات المرورية أن استخدام الجوال أثناء القيادة يمثل 50% من أسباب الحوادث المميتة، كما أن استخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة يضاعف نسبة وقوع الحادث بنسبة 400%، كما أوضحت أن المعدل السنوي للوفيات بسبب الحوادث حوالي عشرين ألف حالة وفاة (20.000) في موقع الحادث وفي المستشفى وهو أعلى المعدلات بالمقارنة العالمية، كما سبق أن أوضح مدير عام المرور بأن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحوادث المرورية في المملكة تقدر بنحو 13 مليار ريال سنوياً، وما من شك أن هناك علاقة مباشرة بين استخدام الجوال والحوادث المرورية. إنني على يقين بأن احترام النظام الجديد للمرور سيكون مرهونا بمدى إقرار عقوبات رادعة كفيلة باحترامه، وعلينا أن ندرك بأن الفشل الذريع لكافة الإدارات المرورية السابقة يعود إلى كون العقوبات التي كانت مقررة غير رادعة. وإذا كنا قد استبشرنا خيراً بصدور النظام الجديد للمرور، وأن النظام قد أناط بوزارة الداخلية بوضع العقوبة المرورية المناسبة على كل مخالف يلحق الضرر بالآخرين، بحيث لا تزيد العقوبة عن السجن مدة سنة وبغرامة مالية لا تزيد على عشرة آلاف ريال قرأنا وصرح مرور الرياض بأن عدد مخالفات استخدام الجوال أثناء القيادة في مدينة الرياض خلال 4 أشهر فقط تبلغ (37.000) مخالفة، إلا أننا صدمنا وأحبطنا عندما ذكر سعادته بأن مخالفة استخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة قدرها (150) ريالا فقط. فكيف يمكن أن يكون مقدار المخالفة على استخدام الهاتف الجوال مائة وخمسين ريالاً فقط في الوقت الذي نجد فيه أن مقدار مخالفة عدم ربط حزام الأمان مائة ريال، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار الضرر الكبير الذي يمكن إلحاقه بالغير عند استخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة، في حين أن أضرار عدم ربط الحزام تقتصر على نفس السائق فقط دون الغير. خلاصة الحديث، الأوضاع المرورية لدينا لا تزال محبطة وتحتاج إلى انتشال، وأعداد ضحايا الحوادث المرورية لا تزال ضخمة، وقد لا تتعدل تلك الأوضاع ما لم يتم إقرار عقوبات رادعة، وما لم يتم تنفيذ تلك العقوبات، وما لم يتم تثقيف رجال المرور بما لهم من حقوق وما عليهم من التزامات تجاه سائقي المركبات، فما لم يتم كل ذلك، فلتفتح أقسام الطوارئ في مستشفياتنا أبوابها لاستقبال المزيد من جرحى تلك (الحروب) المرورية الطاحنة والذين تجاوز عددهم الثلاثين ألفاً ما بين مصاب ومعاق، ولتفتح المقابر أبوابها لاستقبال المزيد من الضحايا الأبرياء، ولتفتح قبل ذلك قلوبنا للحزن واللوعة على فراق أحبابنا وأقاربنا.