هل علّق وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور يوسف العثيمين جرس الفساد المالي والإداري في القطاعات الحكومية، بإعلانه (المباغت) عن سرقة أموال الفقراء والمساكين؟. يحسب للدكتور العثيمين إعلانه عن قضية الفساد التي طالت وزارته إبان توزيره مباشرة، وشروعه بالتحقيق في الاختلاسات المالية التي حدثت في مركز التأهيل الشامل بمنطقة نجران. الدكتور العثيمين تفاجأ من جرأة البعض على أموال العجزة، والمحتاجين، وحقّ له ذلك لو كنا في المدينة الفاضلة، أما ونحن نعيش في مثل هذا الزمن فنعجب أن تسلم الأموال العامة من قضايا الفساد!!. وفي حادثة أخرى، حوّلت هيئة الرقابة والتحقيق ثمانية من القيادات الإدارية والموظفين في المديرية العامة للشؤون الصحية في منطقة المدينةالمنورة إلى المحكمة الإدارية بتهمة (الرشوة والفساد)، لحصولهم على مبالغ ماليه ضخمة نظير إصدار تراخيص فتح صيدليات أو نقلها من مكان لآخر، أو نقل ملكيتها لصالح آخرين. وزارة العدل، ممثّلة في كتابات العدل، لم تسلم من قضايا الفساد المالي، حيث أوقفت الوزارة أربعة من كتّاب العدل العاملين في كتابة عدل جدة الأولى وأحالتهم إلى التحقيق، على ذمة قضية إصدار صكوك يُشتبه أنها غير نظامية، خاصة بأراضٍ تقع في شمال مدينة جدة، مع وجود (مبلغ مالي يتجاوز ال 250 مليون ريال في حساب مصرفي يعود لأحد كتّاب العدل الموقوفين). مؤشرات القضايا الأخيرة توحي بأنّ الفساد ربما تجاوز الحدود الضيقة بمراحل كثيرة، وهو أمر خطير يتطلّب من الجهات الرقابية التعامل معه بحزم وشفافية. محدودية قضايا الفساد المكتشفة، أو المعلن عنها لا تعني سلامة الوزارات والإدارات الحكومية الأخرى من سرطان الفساد، بل هو مؤشِّر خطير على وجوده، خاصة إذا ما اعتمدنا في الاستدلال على وجوده الخفي بنوعية القضايا المكتشفة، ومراكز المتورِّطين فيها، ومواقع حدوثها. النفس البشرية جُبلت على الطمع، وحب الدنيا، إلاّ من رحم ربي، ولا أعظم على المرء من فتنتيْ المال والنساء، وإذا ما اقترنت وفرة الأموال بضعف الرقابة، وإغلاق باب مساءلة الموظفين عن مصادر ثرواتهم الضخمة التي لا تتناسب ودخولهم المعلنة، فلا مفرّ من وجود قضايا الفساد وإن استترت، أو غُيبت في دهاليز الإدارات. فساد الذمم حام حول عامل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي استعمله على الصدقة، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي حميد الساعدي أنه قال: استعمل النبي، صلى الله عليه وسلم، رجلاً من بني أسد يقال له: ابن اللتبية على صدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أُهدي إلي، فقام النبي، صلى الله عليه وسلم، على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول هذا لك وهذا لي فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلاّ جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر). وعن بريدة رضي الله عنه أنّ النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (من استعملناه على عملٍ فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول).؛ فهل نعجب بعد هذا أن يضرب الفساد بعض من استعملهم ولي الأمر، وفّقه الله، لتسيير شؤون البلاد والعباد. لم يُغفِل الملك عبد الله بن عبد العزيز (قضية الفساد) فأشار لها نصاً في خطابه الذي ألقاه تحت قبة مجلس الشورى لدى افتتاحه أعمال السنة الثانية من الدورة الرابعة، حين قال: (إننا لا نستطيع أن نبقى جامدين والعالم من حولنا يتغيّر ومن هنا سوف نستمر بإذن الله في عملية التطوير وتعميق الحوار الوطني وتحرير الاقتصاد ومحاربة الفساد والقضاء على الروتين ورفع كفاءة العمل الحكومي). محاربة الفساد والقضاء عليه تحقِّق المنفعة العامة والعدالة، وتضمن جودة الأداء وكفاءة العمل، وسلامة المشروعات الحكومية من الغش والتجاوز، وتُبقي أراضى الدولة بعيدة عن أيدي مخالفي الأنظمة والقوانين، وتضمن تحقيق هدف التطوير وتحرير الاقتصاد وقتل البيروقراطية التي يتعمّدها البعض لفتح أبواب الفساد على مصراعيه. أعتقد أنّ الإقرار بالذمة المالية (التصريح بالأموال والممتلكات) لكل مسؤول، قبل مباشرته مهامه الوظيفية، هي الخطوة الأولى التي تنطلق منها خطوات محاربة الفساد، ثم الخطوة الثانية التي تقوم على مبدأ الرقابة المشدّدة والمساءلة عن مصادر الثروة المحدثة، أو ما يُطلق عليه: (من أين لك هذا؟)، إضافة إلى محاربة البيروقراطية الإدارية، والأنظمة الإغراقية والتعقيدات المصطنعة التي تتشكّل منها البيئة الملائمة لظهور الفساد واستشرائه. *** لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة sms تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244 [email protected]