اتجهت الأنظار صوب مكةالمكرمة، واتفقنا مجموعة من الأقارب على الرفقة لأداء العمرة، عبر إحدى المؤسسات المتخصصة في خدمات العمرة. وأعرض هنا تفاصيل تلك الرحلة عبر محطات تمثل مشاهدات الكاتب، ووقفات تمثل وجهة النظر، من أجل تقديم الأفضل لقاصدي بيت الله الحرام. وتلك المحطات: الأولى: الاستقصاء والسؤال عن حملة متخصصة في خدمات العمرة، تكون أفعالها اللاحقة (في مكة) مطابقة لأقوالها السابقة (في الرياض)، فتم الاتفاق مع إحدى الحملات، عبر عقود مكتوبة. الثانية: لما كانت الحافلة مستأجرة بكاملها، فقد تم صعود الركاب خارج (مركز النقل العام)، ثم ذهاب الحافلة إلى المركز للانطلاق من هناك، والطريف الغريب أنه لا يسمح بدخول الحافلة إلى المركز إلا وهي خالية من الركاب، فيجب النزول إلى الصالة، والخروج من هناك مشياً على الأقدام إلى الميدان، لأن هذه هي الأنظمة (المعقدة)، ثم أخبرنا السائق أنه سيحتال بالدخول ونحن معه في الحافلة، فأمرنا بإغلاق الستائر وإقفال الأفواه، ونجحت الخطة ولله الحمد، ثم رأينا الجموع رجالاً ونساء وأطفالاً، وهي منتشرة في الساحة بين الحافلات، وكل يسحب أو يحمل أمتعته، وحمدنا الله أنا لم نكن معهم، ثم انطلقنا ولله الحمد. الثالثة: وبعد أن تجاوزنا بوابة الرياض الغربية، أقلعت الحافلة، وسارت بنا بسرعة تقارب المائة وأربعين كيلاً، والعجيب كذلك أنه ومع تلك السرعة الجنونية، هناك حافلات تجاوزتنا، فكنا نتساءل كم تسير تلك الحافلات، ولخبرة السائق بأماكن تمركز دوريات أمن الطرق، فإنه يلتزم بالسرعة المحددة عند الاقتراب منها. الرابعة: تتوقف الحافلة في المحطة للاستراحة، والملاحظ هو اتفاق الحافلات على محطات محددة للتوقف فيها، ومع سوء خدمات تلك المحطات، يأتي ازدحام المحطة بالحافلات وركابها، مما زادها سوءاً إلى سوء، عبر غرف مفروشة (مجازاً) وهي قليلة ورديئة، ودورات مياه قليلة وغير نظيفة، لذلك من الطبيعي رؤية الأشخاص وقد وقفوا طوابير أمام دورات المياه. الخامسة: توقفنا في ميقات (السيل الكبير)، ونزل الركب المبارك، وكان الميقات غير مزدحم، ومع ذلك لاحظنا ضعف النظافة والصيانة لدورات المياه، وانتشار البائعين على الأرصفة، وقد حصل ضياع لبعض الركاب عند محاولتهم الرجوع للحافلة بعد لبس الإحرام، بسبب تشابه الأماكن. السادسة: وصلنا إلى مكة فعلى التكبير والتلبية وعم الفرح، ثم بدأت تظهر ألاعيب (الحملة)، فقد استقبلنا مندوبهم واعتذر عن عدم القدرة على الإسكان في الفندق المتفق عليه، فرفضنا ذلك، ثم حضر صاحب الحملة، وأعطانا الوعود والمواثيق بالإسكان غداً في الفندق، وأمام التعب والإرهاق وصياح الأطفال، أرغمنا على القبول والسكن فيما يسمى (فندقاً)، والصحيح أنه أقل من ذلك بكثير، فبدلاً من أن يكون الفندق ذو (أربعة نجوم) أصبحنا في غرف صغيرة ذات (خمسة أسرة)، وتم توزيع ركاب الحافلة في أربعة أدوار، وفي غرف ذات دورات مياه مشتركة، وفي الصباح تبين أن النساء قد تم إسكانهن بجوار غرف رجال آخرين وبدورات مياه مشتركة!! وفي الغد حضر صاحب الحملة، وأعطانا - كالأمس - من الأيمان أغلظها بأنه لم يستطع أن يحجز في الفندق المتفق عليه، وفي كل مناقشة يزيد لنا سبباً آخر، فتم حساب أربعة أسباب هي: الأول: أن في الفندق معتمرين من الخارج من الجنسية الكينية، وكان مقرراً خروجهم قبل وصولكم، ولكن وبسبب عدم حضور طائرتهم، فقد خاطبت وزارة الحج الفندق بعدم إخراجهم من الفندق حتى تأتي الطائرة، وأن يكون السكن على حساب الفندق، وهذا السبب نفاه الفندق بعد ذلك جملة وتفصيلاً، وأنه لا يوجد لديهم مجموعات من الجنسية الكينية!! السبب الثاني: قلة المساكن نظراً للتوسعة الجديدة، فأخبرناه أن التوسعة ليست وليدة اليوم والليلة، وأنها منذ زمن ليس بالقصير. السبب الثالث: أن الخطأ من الموظف الذي اتفقتم معه في الرياض. السبب الرابع: أن الفندق يفضل معتمري الخارج، حيث يدفعون ضعف معتمري الداخل. وبعد أخذ ورد ومفاوضات اضطررنا - مرة أخرى - إلى القبول في السكن في شقق مفروشة، وقد حصل فرق كبير بين الفندق (الموعود) والشقق (الحالية)، فبعد أن كان الاتفاق على فندق (أربعة نجوم) وفي بضع عشرة غرفة، أصبحنا في ثلاث شقق مفروشة غير مصنفة، وبعد أن كان هناك استقلالية لكل أسرة، أصبحت شقة للرجال واثنتين للنساء، وبعد أن كانت المسافة على قولهم من السكن إلى الحرم مائتي متر، أصبحت في الواقع ستمائة متر، لذلك رضينا بالحل الأعور (السكن الجديد)، بعد أن سكنا في الأعمى (السكن القديم)، وأخذاً بالمثل القائل: (العوض ولا القطيعة). السابعة: اتجهنا إلى بيت الله الحرام، وأدينا عمرتنا كاملة ولله الحمد، في ظل أجواء إيمانية، وتنظيم ونظافة كاملتين في الحرم الشريف، وأبهجنا وسرنا وأزال الكثير مما في نفوسنا بعد تعب تلك الرحلة وظروفها ما شاهدناه من مشروعات عملاقة، وخلية عمل لا تهدأ ليلاً ونهاراً، في توسعة للمسعى، وتوسعة ضخمة للمسجد الحرام، وتلك المعدات الضخمة العاملة في جبل عمر. الثامنة: ومما لمسناه من جوانب إيجابية الناحية الصحية المتمثلة في مستشفى أجياد العام، فقد راجعنا المستشفى مرتين منفصلتين، الأولى عند إصابة إحدى كبيرات السن، مما استدعى تنويمها بالمستشفى حتى تعافت، والثانية حين مراجعة العيادات الخارجية، وفي كلتا الحالتين وجدنا الاستقبال الجيد، والرعاية الصحية الكاملة، والإمكانات المتوفرة، والحرص على راحة المريض. وبعد تلك المحطات هناك وقفات نعرج فيها على تلك المحطات: الأولى: الشكر لله سبحانه وتعالى على ما تفضل به علينا، ثم لحكومتنا الرشيدة التي بذلت وتبذل الكثير في سبيل راحة المسافرين، بإنشاء تلك الطرق الضخمة العظيمة، والتي قربت البعيد، وأمنت الخائف، وكذلك ما تقوم به من بناء وتطوير في المشاعر المقدسة. الثانية: ضرورة تنظيم (مركز النقل العام في الرياض) وأن يكون وضعه مثل المطار، بوضع ممرات، بحيث يؤدي كل ممر إلى حافلة واحدة، وألا يسير الناس في الساحات وتحت أشعة الشمس، وبين تلك الوحوش أي الحافلات، وهم لا يعلمون أين يتجهون، وكذلك توفير (عربات) مجانية لنقل العفش. الثالثة: أين دور الرقيب والمتابع على (حملات العمرة) فهل كانوا سينهجون أسلوب الخديعة والغدر، وإعطاء الشمس في يد والقمر في اليد الأخرى في الرياض، وفي مكة يتخلون عن كل ذلك، لو كانوا يعلمون أن هناك رادعاً سيوقف ألاعيبهم. وقد شاهدنا حافلة لحملة أخرى قد سبقتنا بست ساعات، ولم ينزل ركابها احتجاجاً على عدم الصدق بالسكن الموعودين به، وفي النهاية رضخوا كما رضخنا، وكم من حافلة لها نفس المشكلة، وكم من حافلة رضي راكبوها ولم يعلم عنهم أحد، ولكن يبدو أن هذه عادة مستحكمة في بعض الحملات قبلنا وستستمر بعدنا، ولقد استبشرت خيراً عندما رأيت بعد الفجر (مكتب خدمة الحجاج والمعتمرين) من أجل نقل المشكلة إليه، وكان مغلقاً، ومررته الساعة التاسعة، فوجدته مستمراً في إغلاقه، حيث اللوحة موجودة، ولا يوجد أي شيء داخل الغرفة. وحبذا لو أصدرت وزارة الحج كتاب (مؤسسات تنظيم الحج والعمرة، الحقوق والواجبات)، متضمناً الحقوق الكاملة للمؤسسة المنظمة والمعتمر والحاج، مع توحيد عقود تلك المؤسسات وتكون مفصلة، وملزمة للجميع. الرابعة: كان مسجد الميقات نظيفاً، ولكن المرافق الأخرى للمسجد تحتاج إلى الصيانة والنظافة الكاملتين، وأن تضم كل دورة مياه (حنفية ماء، شطاف، دش، سلة مهملات حديدية مثبتة في الجدار)، وأن يتم زراعة الساحات، ووضع الكراسي للجلوس عليها، مع ترقيم مواقف السيارات، ووضع ألوان مميزة، ليستطيع الشخص الرجوع إلى موقف سيارته، وتصميم أكشاك ذات تصاميم مناسبة لنقل باعة الأرصفة إلى تلك الأكشاك. الخامسة: لابد أن يكون لدوريات أمن الطرق دور في الحد من السرعة الجنونية للحافلات، من تكثيف للدوريات، ومضاعفة الغرامة على السائق المسرع، وعند التكرار يتم إيقاف السائق، أو منعه من قيادة الحافلة، مع النظر في إمكانية السماح للحافلة بالسير مائة كيلو متر، بدلاً من تحديدها بثمانين كيلاً. السادسة: لأمانة العاصمة المقدسة دور كبير ومسؤولية جسيمة، في مراقبة المطاعم، فمكة تعتبر واجهة تمثل بلادنا الغالية، لاستقبالها الملايين كل عام، فبعد العمرة شاهدنا لوحة كبيرة لأحد المطاعم، فلما توجهنا للمطعم وإذا المفاجأة الأولى عدم النظافة، ولكن الجوع جعل عين الرضا فوق عين السخط، فطلب الطعام، وتم إحضاره في إناء من (الغضار) وهي الصحون القديمة، وقد تكسرت جميع جوانبه، وخرج الحديد الصدىء، فعندها لم نستسغ ذلك الطعام، وفضلنا - مكرهين - النوم دون عشاء. لذا يجب على المطاعم القريبة من الحرم سواء كانت تقدم الأكل الشعبي أو الوجبات السريعة أو الوجبات الأخرى، أن يكون لها وضع خاص وشروط خاصة، مثل العمل أكثر اليوم، والنظافة والخدمة المتميزة، لأهمية تلك المطاعم. السابعة: يلاحظ كثرة السيارات في الطرق المؤدية للحرم، والوقوف المزدوج للسيارات، مع كثافة بشرية هائلة، يضاف إلى ذلك كثرة صهاريج المياه التي تغذي الفنادق، مما يضيف تضييقاً للطريق، وتلويثاً للبيئة، وإزعاجاً من مولدات رفع الماء الموجودة في تلك الصهاريج، وتحل المشكلة بتغذية الفنادق بكميات إضافية من المياه عبر شبكة المياه الأرضية، وأن يكون سعر الماء مثل سعره في الصهريج، إضافة إلى تنظيم مسارات للسيارات وفصلها عن المشاة. والنظر في تجارب بعض الدول الهادفة للقضاء على مشكلة زحمة السيارات، ففي جاكرتا - مثلاً - تم إنشاء خطوط خاصة لحافلات معينة يمنع على السيارات الأخرى السير فيها، فأصبح المشوار الذي يستغرق حوالي الساعتين بالسيارة، لا يتجاوز الربع ساعة عبر تلك الحافلة. الثامنة: وضع الشروط الصارمة، والمواصفات والمقاييس المناسبة، للمحطات الموجودة على الطرق السريعة، إضافة إلى تحديد عدد الحافلات المتوقفة في محطة واحدة، فقد بلغ عدد الحافلات في إحدى المحطات ما يربو على خمسين حافلة، وبحسبة بسيطة يكون في تلك المحطة حوالي ألفين وخمسمائة شخص، فما هي المحطة التي تستطيع خدمة هذا العدد الضخم، ثم لو حصل لا قدر الله حريق فكم من الإصابات في ظل هذا الحشد البشري الضخم. ختاماً.... هذه رؤية سلطنا الضوء فيها على رحلة العمرة من الرياض إلى مكةالمكرمة ذهاباً وإياباً، أملاً في تعزيز الإيجابيات، وقضاء أو تخفيفاً من السلبيات.