من بين أبرز القضايا الشائكة التي يعاني منها مجال تعليم اللغة الإنجليزية في المملكة لجوء معلميها في التعليم ما قبل الجامعي إلى استخدام اللغة العربية عند تدريسهم لمادة اللغة الإنجليزية. وحيال شمولية واتساع رقعة هذه الممارسة الميدانية داخل فصول تعليم اللغة الإنجليزية في قطاع التعليم العام لدينا يجد المرء نفسه أمام مجموعة من التساؤلات التي من بينها: هل ينبغي أن نُجيز للأستاذ أو الأستاذة استخدام لغة وسيطة داخل فصول تعليم اللغة الإنجليزية أم لا؟ ثم ما هي النتائج المترتبة على خلفية السماح بذلك؟ وفي حالة إقراره أو إجازته هل يعني ذلك استحالة تعلّم اللغة الإنجليزية؟ وما موقف معلمي اللغة الإنجليزية من ذلك؟ وبماذا يوصي الباحثون في مجال تعليم اللغة الإنجليزية؟ وأخيراً هل بالإمكان تحقيق هذا المراد في ظل الظروف الحالية المحيطة بتعليم الإنجليزية في مدارسنا؟ هذه التساؤلات مجتمعة ستكون المحاور التي يدور حولها النقاش في هذه المقالة. يُنظر إلى فصل اللغة الإنجليزية باعتباره صورة مصغرة من العالم الخارجي الذي يجب أن يكون ما يجري داخله عاكساً لما يمكن أن يتعرض له الطالب خارجه، أو بالأحرى بمجرد مغادرة لأسوار مدرسته. وهذه النظرة تستدعي منع استخدام اللغة العربية كوسيط، أو وسيلة تعليمية داخل فصول تعليم اللغة الإنجليزية؛ وذلك لأن الطالب يحتاج إلى أن يُدرّب ويعوّد على فهم اللغة الإنجليزية بدون معين خارجي، كما أن متعلم اللغة الإنجليزية بحاجة إلى التشجيع، بل وحتى الإرغام في أحايين كثيرة على استخدام اللغة الإنجليزية، والتفكير بها. وإضافة إلى ذلك كله نجد أن المحصلة النهائية من جراء استخدام اللغة العربية داخل فصول تعليم اللغة الإنجليزية تتجلى في أن المتعلم قد وُضع في بيئة لغوية أقل فعالية لتعلمها؛ نظراً إلى عدم تعرضهم بقدر كاف للغة الإنجليزية، ولعدم إعطائهم الفرصة كاملة للحديث بها في مواقف لغوية طبيعية تحاكي أو تشابه الواقع الخارجي الذي ربما يتعرضون له يوماً ما. وإلى جانب هذه الأسباب هناك مجموعة أخرى تدعم الموقف الداعي إلى عدم إجازة استخدام اللغة العربية كوسيلة للشرح داخل فصول اللغة الإنجليزية التي يأتي على رأسها أن معلمي اللغة الإنجليزية لدينا - بحكم أن اللغة الإنجليزية لغة أجنبية - بمثابة المصدر الوحيد الذي يتعرض الطالب من خلاله بشكل مباشر في مساقات تعليمية لغوية للغة الإنجليزية، وأحادية المصدر هذه تجعل لزاماً تحييد استخدام لغة أخرى بجانب اللغة الإنجليزية داخل فصول اللغة الإنجليزية؛ لأن ذلك يقلل من نسبة كمية وكثافة التعرض للغة الإنجليزية، ويقلل من فرص استخدامها. والسببان الآخران يكمنان في أن تعليم اللغة الإنجليزية عن طريق اللغة العربية يحد من إعداد وتهيئة المتعلمين لمواقف مستقبلة قد يجدون أنفسهم مضطرين فيها إلى الدخول في حوار مباشر مع متحدثي اللغة الإنجليزية. كما أن الإصرار على استخدام اللغة الإنجليزية فقط يزيد من دافعية وحماس المتعلمين؛ نظراً إلى شعورهم بقدرتهم على استخدام اللغة الإنجليزية، وهو الأمر الذي يحقق جانباً من ذواتهم. والتساؤل أو المحور الثاني تدور رحاه حول النتائج المترتبة من جراء السماح باستخدام اللغة العربية كلغة وسيطة داخل فصول اللغة الإنجليزية. إن استخدام لغة وسيطة داخل فصول تعليم اللغة الإنجليزية يؤدي إلى نتائج سلبية، يأتي على رأسها لجوء الطلاب إلى استخدام تلك اللغة الوسيطة، أو لغتهم الأم؛ كي يعبروا عن مرادهم؛ لأن أستاذهم لم يشجعهم، ولم يبنِ فيهم الثقة باستخدام اللغة الإنجليزية، وبخاصة ذلك النوع من الطلاب الذين ليس لديهم الدافعية والحماس الكافيان لتعلم اللغة الإنجليزية. وهذا أيضاً يجعل الطلاب يشعرون بالخوف والتردد حيال استخدام اللغة الإنجليزية للتعبير عن مرادهم؛ ولذا يلاحظ أنهم يعمدون دوماً إلى الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى العربية؛ لأنهم لم يدربوا التدريب الكافي على التفكير باللغة الإنجليزية وترجمة ذلك في حديثهم والتعبير عن أفكارهم. ومن النتائج السلبية التي يمكن أن يقود إليها استخدام اللغة العربية في فصول تعليم اللغة الإنجليزية إسهامها بطريقة سلبية في التقليل من كفاءة عملية تعليم اللغة الإنجليزية؛ وذلك لأن الطلاب عندئذ يشعرون بأنهم لا يتلقون التشجيع الكافي لتعلمها، ولا يدفعون دفعاً كافياً لمضاعفة الجهد لمحاولة فَهم ما يقدَّم لهم من معلومات لغوية من غير وسيط، كما أنهم في الوقت نفسه يشعرون بأنهم لم تخلق وتقدَّم لهم الفرص الكافية لاستخدامها في مواقف لغوية متنوعة تمنحهم فرصاً كافية لاستخدامها، وقبل ذلك فَهم ما يلقى إليهم بها. ما سبق طرحه لا يعني أن تعلم اللغة الإنجليزية يستحيل في ظل لجوء معلم أو معلمة اللغة الإنجليزية إلى استخدام اللغة العربية عند الشرح، ولكنه بالتأكيد يقلل من إعداد المتعلم إعداداً يمكنه من التعامل بكفاءة مع المواقف التي تتطلب حديثاً وتواصلاً مباشراً مع متحدثي اللغة الإنجليزية، أو تلك المواقف التي تتطلب فهماً لما يلقى بالإنجليزية على مسمع المتعلم، ومن هنا يجب التقليل وتقنين استخدام اللغة العربية وجعله في حدود ضيقة. هناك الكثير من معلمي اللغة الإنجليزية الذين يعارضون فكرة استخدام اللغة الإنجليزية في جميع المواقف اللغوية داخل فصول تعليم اللغة الإنجليزية، وهم يقيمون دعواهم هذه، أو لنقل رأيهم اللغوي التربوي هذا، بناء على جملة من المعطيات والاعتبارات، ويأتي في مقدمتها الحجة التي يرى فيها المعلمون أن تفاوت مستويات الطلاب اللغوية يجعلهم مجبرين على اللجوء إلى استخدام اللغة العربية في الشرح حتى يكون بإمكان أكبر عدد من الطلاب فَهم ما يودون إيصاله إليهم. وهناك مَن يرى أن عامل الوقت ومحدوديته والرغبة في استغلال دقائقه المعدودة بشكل أكثر فائدة يجعلهم أمام خيار اللجوء إلى الوسيلة الأسرع لإيضاح النقطة التي هم بصدد تدريسها. وفئة أخرى من معلمي اللغة الإنجليزية ترى أن استخدام اللغة العربية يجعل من أدائهم داخل الفصل ذا فعالية أكبر، كما أنهم يرون أيضاً أن الكثير من الأنشطة اللغوية يصعب أداؤها وتقديمها باللغة الإنجليزية منفردة. هذه الحجج أو المبررات التي يسوقها مَن يعمل في ميدان تعليم اللغة الإنجليزية في مدارسنا لها جانب من الصحة، ولكن ينبغي أن نضع في الحسبان أن من أهم الأسباب التي قلّلت من كفاءة تعليم اللغة الإنجليزية في مدارسنا مرده إلى إصرار معلمي ومعلمات اللغة الإنجليزية على استخدام اللغة العربية داخل فصول تعليم اللغة الإنجليزية على حساب استخدام قدر أكبر، وإعطاء مساحة أشمل وأوسع لتقديم المعلومة اللغوية باللغة الإنجليزية، ومن ثم خلق الفرص المناسبة لتدريب المتعلمين على ما تم تقديمه لهم. وهذا ما يدعمه ويؤكد عليه العديد من الباحثين والدارسين في مجال تعليم وتدريس اللغة الإنجليزية الذين يؤيدون وبشدة الاستخدام الأوحد للغة الإنجليزية داخل فصول اللغة الإنجليزية، وفي سبيل التأكد من تحقق ذلك نجدهم يدعون إلى تطبيق ذلك بنسبة تصل إلى مائة بالمائة، وبخاصة عندما يكون الهدف من تعليمها الرغبة في تمكين المتعلم من اكتساب اللغة الإنجليزية بقدر يجعله قادراً على التواصل والحديث باللغة الإنجليزية. إن استخدام اللغة الإنجليزية بنسبة مائة بالمائة ليس أمراً مستحيلاً، ولكنه يتطلب بناء تخطيط للدرس، ليس فيما يتعلق باللغة المستخدمة فحسب، وإنما أيضاً بالأنشطة الصفية التي تعين على إيجاد أرضية تجعل اللغة الإنجليزية اللغة الوحيدة المستخدمة داخل أروقة الصف. وذلك يمكن تحقيقه عندما يلجأ الأستاذ أو الأستاذة إلى استخدام اللغة الإنجليزية بطريقة منتظمة للشرح والتوجيه، والطلب من الطلاب مخاطبة بعضهم البعض باللغة الإنجليزية، وجعلها الوسيلة الوحيدة للتخاطب بينه وبين طلابه، وتعريض الطلاب لأصوات اللغة الإنجليزية، والتراكيب، والصيغ اللغوية، ومن ثم إيجاد الأنشطة اللغوية التي تعين الطالب على التدرب على استخدام ذلك كله في سياقات طبيعية تحاكي واقع استخدام اللغة الإنجليزية في الواقع اللغوي المعاش. والمعلم أو المعلمة في سبيل تحقيق ذلك يجب أن يتولد لديهما قناعة راسخة، وثقة غير قابلة لشك بأن طلابهما متى ما هيأت لهم الأسباب الكفيلة تحت مظلة الفصل اللغوي سيتقبلون دوماً، ويتفاعلون مع عدم اللجوء إلى اللغة العربية كوسيلة وسيطة يتعلمون من خلالها اللغة الإنجليزية. ومن هنا أجد أنه لزاماً على من يتولى تعليم اللغة الإنجليزية في مدارسنا التذكر دوماً أن إيجاد فصل لغة إنجليزية خال من الشد والضغط النفسي بمثابة عامل مهم، وبوابة نحو استخدام وتوظيف أكبر للغة الإنجليزية في الشرح، ولاحقاً وكنتيجة حتمية ومنطقية في تمكين الطلاب من استخدامها في جميع مراحل الدرس.