استراتيجية لخطة أخلاقية ووظيفية لا بل إسلامية، استعرضها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لدى حديثه السنوي لأعضاء مجلس الشورى اعتبر مضمونها مجلس الوزراء السعودي كرؤية عمل استراتيجية وطنية عملية ووظيفية تحمل مسؤولية ما من مسؤوليات خدمة الوطن والمواطنين. هي إذن استراتيجية تطوير وتعديل وتصحيح لواقع إنساني وطني عملي يحرص الملك عبدالله على ضرورة ترجمته إلى واقع إنساني مشرف يشعر به الجميع ويؤمن بمبادئه وقيمه الإنسانية. الحديث السامي الذي افتتح به خادم الحرمين الشرفين الملك عبدالله أعمال السنة الرابعة من الدورة الرابعة لمجلس الشورى تضمن ما يؤمن ويشعر به الملك عبدالله وعكس سلوكياته وأدبيات وأخلاقيات تعامله الفاعل مع الآخرين على كافة المستويات والأصعدة، ارتكزت على قاعدة المسؤولية الذاتية التامة وضرورة تحمل أعبائها لكل من يعمل لمصلحة الوطن والمواطنين، وتتطلب التذكير المتواصل بضرورة نقد الذات من وقت لآخر، لا بل بصورة مستمرة بهدف التصحيح والتصويب والتغيير إلى الأفضل. النقد الهادف أياً كان.. نقد للذات أو للغير، أو نقد للأوضاع والأحوال، أو نقد للأفعال والمنجزات، هو النقد الموضوعي البناء، النقد الصادق الغيور الذي يسعى لمعرفة الحقيقة أو الحقائق من بين ركائم الواقع المصطنع أو المفبرك أو المفعم بغيوم التزييف الداكنة. نعم عندما يبدأ الإنسان بنقد نفسه بغية تحقيق أهدافه ومصالحه، أو لتحقيق أقصى منفعة ممكنة للوطن والمواطنين بأقل تكلفة، فقد وصل إلى قمة الوعي السياسي الحكيم الذي يضع نصب عينيه مصلحة الجماعة فوق مصلحة الفرد. نعم هناك فرق كبير بين النقد الهادف الموضوعي البناء، وبين النقد الجارح، أو النقد الأعمى، أو النقد الحاقد. فالنقد الموضوعي هدفه تحقيق المصلحة العامة، التصحيح، التغيير إلى الأفضل، التقييم والتصويب. النقد الجارح هدفه التجريح والتقليل من الشأن أو الفعل والعمل أو التشهير، فيما يمثل النقد الأعمى نقداً ضالاً من أجل النقد لا من أجل التصحيح، أخيراً فإن النقد الحاقد يعد محاولة باطل يائسة للطعن في الآخرين وتشويه سمتهم أو أفعالهم ومنجزاتهم. لهذا ركز الملك عبدالله على ضرورة نقد الذات أولاً ثم نقد الآخرين بشكل موضوعي متمدن واع، وبطريقة أخلاقية قويمة لا تثير أحداً أو تستثير الآخرين، وإنما تضع النقاط الصحيحة على الحروف وتوضح الصور الغامضة، وتميط الشوائب عن الحقائق فتظهرها كما هي على جليتها بغية التعامل معها كما هي كائنة لا كما يجب أن تكون عليه. إنها مسؤولية قيادية عالية المستوى، فكيف إذن لا تكون قدوة ومثالاً يحتذى به لكل مواطن ولكل مسؤول يحمل في عنقه مسؤولية أمن واستقرار ورفاهية الوطن والمواطنين؟ الملك عبدالله بن عبدالعزيز تطرق في حديثه لمبدأ العدالة وقاعدته الإنسانية والأخلاقية والقانونية التي تميط الظلم عن المظلومين وتحقق العدالة للجميع، فالعدالة قاعدة الحياة الإنسانية القويمة المستقرة. كما وكان الملك عبدالله في طليعة من يحث المسلمين عامة والمواطنين خاصة على تبني مبدأ الحوار الهادف والنقاش البناء الذي يحترم حقوق الجميع ويحرص على تحقيق مصالح الجميع. كما وحث الملك عبدالله الجميع على عدم الوقوع في غياهب الانحراف الفكري الذي لا يضل صاحبه وحسب، وإنما يهدد مصالح الوطن والمواطنين. أخيراً وليس بآخر ذكر الملك عبدالله المواطنين على عدم الوقوع في مستنقع التصنيف أو التسرع في تكفير الآخرين أو تفسيقهم، وهو أيضاً ما طالب الالتزام به المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ في حديثه للجامعات والإعلاميين بمحاربة الإرهاب بجدية مؤكداً أن المصيبة التي حلت بأهل الإسلام تتمثل في التسارع بإغداق التكفير والتفسيق على الرغم من أن الدين الإسلامي الحنيف حذر من هذا المسلك الوخيم. الذي يمكن أن نستشفه مما سبق أن انعدام مبدأ النقد الذاتي، ناهيك عن النقد الموضوعي، من وعي كل من يرفض الحوار أو من يكفر الآخرين مدعاة لنمو مشاعر الغضب والحقد والتحامل، الأمر الذي يسارع في وتيرة الحرص الأعمى على الإضرار بالآخرين وإلحاق الأذى بهم بأي وسيلة كانت حتى وإن تطلب الأمر قتل الذات من أجل قتل الأبرياء. فمبدأ الجهاد بدون إذن من ولي الأمر والقيام بعمليات انتحارية بأي وسيلة كانت وتحت أي مسمى، من العراق مروراً بلبنان وإلى فلسطين من أجل تحرير فلسطين كما أشار زعيم القاعدة في آخر شريط مسجل له لا يعكس وحسب مروقاً من تعاليم الإسلام وشريعته السمحة وإنما يؤكد على حالة نكرة من حالات الحقد الأعمى الذي يضر بالمسلمين ومصالحهم قبل أن يضر بأعدائهم. نعم هناك فرق كبير بين القيادة السياسية الواعية الحريصة على تحقيق مصالح الأمة والحفاظ على أرواح المسلمين وممتلكاتهم وأعراضهم، القيادة التي تدعو إلى الأمن والسلام والاستقرار والرفاهية، وبين زعامة مزعومة حاقدة تحرص على تدمير منجزات المسلمين، وتعمل ما في وسعها لإيقاع الأذى والضرر بأرواحهم وممتلكاتهم، بل وأعراضهم، وتسعى إلى إنزال المصيبة تلو المصيبة على المسلمين في جميع أنحاء العالم إضعافاً لهم وإعلاء لشأن كل من يروم بهم ضرراً أو شراً. نعم إنه فرق كبير وشاسع كالفرق بين الثرى والثريا.