اهتمت المملكة العربية السعودية ممثلة في وزارة التعليم العالي بالتعليم وأهمية الارتقاء بنوعيته ليستجيب لمتطلبات التنمية وتحدياتها. وفي المجتمع السعودي تختلف أهداف الطلاب الملتحقين ببرامج الدراسات العليا عنها في برامج مرحلة البكالوريوس حيث الهدف الرئيسي والمباشر هو الحصول على الوظيفة واللحاق (بقطار) سوق العمل السريع بخلاف الملتحقين ببرامج الدراسات العليا قد يكون الهدف ليس الحصول على وظيفة وإنما تحسين الوضع الوظيفي وتطوير وتنمية القدرات الذاتية والمهارات الشخصية والحصول على بعض الوجاهة الاجتماعية، وهذا المفهوم يعطي تصورا ويحدد مؤشرا لمدى استعداد وتهيئة طلاب الدراسات العليا للدراسة في الجامعات. وفي مقابل طالب الدراسات العليا هناك الأستاذ الجامعي الذي تختلف مهمته عن مهمة المعلم في مراحل التعليم العام، كما أن التدريس لطلاب الجامعة في مرحلة البكالوريوس يختلف عنه في مرحلة الدراسات العليا، إذ على الأستاذ الجامعي أن ينقل إلى الطلاب المعارف والعلوم التي أنتجها وبحثها من سبقه، كما أن عليه أن ينتج معرفة جديدة وأصيلة ذات قيمة بل على الأستاذ الجامعي في بعض الأوقات والظروف أن ينقض بعض الأفكار والمقولات السابقة فضلاً عن نقدها وتمحيصها حيث إن الأفكار والمعارف والمعلومات التي لا تنمو ولا تتطور تصدأ بل تفقد مصداقيتها وفعاليتها على مستوى البحث والمعرفة. وتنطلق الجودة في التعليم العالي من وضع عدد من معايير الجودة العلمية منها كيفية اختيار عضو هيئة التدريس ومنها مستوى التأهيل العلمي، ومستوى وسمعة المؤسسة الأكاديمية التي تخرج منها، وسنوات الخبرة العلمية، ونوعية البحوث التي أعدها عضو هيئة التدريس أو الإنتاج العلمي بشكل عام، واستعراض الأنشطة الأكاديمية، وتحديد مستوى المسؤولية الفردية والمؤسسية وكما يشمل النمو العلمي والمهني لعضو هيئة التدريس، ومدى استخدام عضو هيئة التدريس لتقنيات التعليم والمعلومات والاتصالات في العملية الأكاديمية ومدى تفاعله معها،ومساهمته في حضور المؤتمرات العلمية والندوات وورش العمل. والجودة في العمل في مجال التعليم العالي تتطلب استخدام أساليب تقويم أداء عضو هيئة التدريس، وتشمل التقويم الذاتي، وتقويم الزملاء، وتقويم الطلاب، والملاحظة المباشرة، وتقرير المقرر الدراسي.. وعملية التقويم هذه تمنح الجامعة المعنية مصداقية اجتماعية في المجتمع، فضلاً عن تطوير برامجها ووسائل التعليم فيها، كما أنه حافز جيد لعضو هيئة التدريس من أجل تطوير وتنمية ذاته وقدراته ومهاراته العلمية. ولضمان استمرارية الجودة لا بد من الاهتمام والتركيز على بعض الأنشطة والفعاليات مثل تفعيل عملية الأستاذ الزائر بين الجامعات في كل التخصصات العلمية، ويكون هذا بين جامعات البلد الواحد وبين جامعات الدول الخليجية وجامعات الدول العربية والجامعات العالمية من أجل نقل الخبرات وتبادل المعرفة والتعرف واكتشاف الآخر، إضافة إلى ذلك هناك حاجة ماسة لإدراج تقنيات التعليم الإلكتروني في البرامج الأكاديمية كأداة لرفع كفاءة التدريس أخذاً بعين الاعتبار حاجة سوق العمل والتغير الاجتماعي والاقتصادي. وفي هذا الصدد من المهم إيجاد جهة رسمية تتولى وضع المعايير والضوابط والشروط من أجل تصنيف الأقسام والكليات المتناظرة على مستوى كل دولة كما هو الحال في المملكة المتحدة والولايات المتحدةالأمريكية كي يسهل على كل قسم وكلية معرفة موقعه من بين الأقسام والكليات المتناظرة، ومن حق أعضاء هيئة التدريس والطلاب الراغبين في الالتحاق أو حتى الخريجين معرفة موقع قسمهم بين الأقسام الأخرى المشابهة، من أجل بث روح الحماس والنشاط والتنافس العلمي. وبوسع هذه الجهة الرسمية المستقلة وضع معايير لتقييم برامج الدراسات العليا بصفة دورية عبر عدد من القنوات ذات الصلة المباشرة بالبرنامج من أجل استمرارية ضمان الجودة ومنها على سبيل المثال.. - عدد الأساتذة أعضاء هيئة التدريس حسب رتبهم العلمية. - عدد الطلاب والطالبات الملتحقين بالبرنامج. - عدد البحوث المنشورة لأساتذة القسم. - حجم وعدد الكتب أو الإنتاج العلمي لأعضاء القسم أو الكلية. - نسبة كل طالب وطالبة لكل أستاذ. - حجم ونوعية الأجهزة المستخدمة في تقنية المعلومات أثناء البحث والمحاضرات. - مستوى مكتبة القسم أو الكلية أو الكتب المتوفرة في مكتبة الجامعة. - مدى قوة وفاعلية المقررات الدراسية والمواءمة مع حاجة سوق العمل. - مدى تقبل القطاع العام والخاص لخريج الكلية أو القسم المعني. وهناك خلل بين الجامعات فيما يتعلق في الأقسام المشابهة في مجالات التنسيق والتكامل بين الجامعات، وهناك بعض السلبيات في هذا المجال التي شملت انعدام التعارف بين أعضاء هيئة التدريس الذي يجمعهم تخصص واحد، وحصول شبه تكرار في البحوث والرسائل العلمية نتيجة لغياب التنسيق أو قصوره وعدم وجود قاعدة بيانات يستهدي بها الباحث، وعدم الاستفادة من خبرات أعضاء هيئة التدريس في الأقسام المناظرة سواء في مجال التدريس أو الإشراف أو المناقشة. ومن العوامل المهمة التي ساعدت في تدني مستوى كفاءة بعض التخصصات العلمية في الجامعات عدم وجود معايير واضحة لقياس الجودة، وأحياناً عدم وجود روح الانتماء للمؤسسة الأكاديمية، والعزلة القاتلة بين الجامعات داخل مجتمع واحد بعينة مما يتطلب عملية تقويم مستمرة تعنى بجمع المعلومات وتحليلها بشكل دوري للتعرف على مواطن القوة والضعف بهدف تحسين الأداء، وهذا يمثل أساساً للتطوير وضمان الجودة بالتزامن مع حاجة سوق العمل الذي يشكل الوعاء الحقيقي لمخرجات الجامعات وبنفس الوقت يتواكب مع خطط التنمية التي تسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيقها بشكل طموح. والله من وراء القصد،، أستاذ مشارك قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية جامعة القصيم