تساءلت في قريرة نفسي ماذا عساني أكتب عن شيخنا الراحل: صالح العلي العجروش الذي وافته المنية صبيحة يوم الأحد 12-1-1428ه. فقد جاءني النبأ مفجعاً ومؤلماً.. ندت المآقي بدموع الأسى واللوعة، لفراق الشيخ الجليل الأصيل، الذي ستبقى مآثره الجمة والنبيلة معاً ما بقيت (الجزيرة) المؤسسة الصحفية شامخة في عالم الصحافة السعودية.. نابضة الذكر والشكر والعرفان، لشيخنا العجروش، ولأول إصدار صحفي يومي ل(الجزيرة) وما كان هذا ليكون لولا الصبر والمثابرة والعمل الدؤوب الطويل ليتحقق الحلم الذي أصبح واقعا ملموسا فيما صبوتوا إليه لتأتي (الجزيرة) (منارة وميناء). العجروش والمالك، هاما بها وحلقا بها في الذرى ولم يطب لهما الكرى إلا وقد ظفرا في بغيتهما وقطفا ثمرة جهدهما وسهرهما (صحيفة) يومية ماثلة بين يدي (القارئ) حاملة بين (وريقاتها) صنوف العلوم، السياسية، والثقافية، والرياضية، والفنية. كان ذلك قبل دخول (الجرائد المحلية) طباعة (الأوفست) فقد تحملا المعاناة ومكابدة الصعاب - كوليدة - تشق طريقها بين رصيفاتها من الصحف المماثلة.. وحينما دخلت (طباعة الأوفست) كانت الجزيرة سباقة في هذا المضمار، فدخلت بحال التحديث والتطوير، إلى أن أصبحت على ما هي عليه الآن!؟ فقد واصلت (الجزيرة) عطاءها المثمر المنير في التوهج للمزيد من الإبداعات الصحفية.. وأنجبت العديد من المجلات كان من بينها مجلتنا الرصينة الشيقة (المجلة الثقافية) الصادرة عن الأم (الجزيرة). دعني يا شيخ صالح: أفضفض في سريرتي، وأنت في مثواك (رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته) لما تركته وراك من الآثار الطيبة العظيمة وقد أديتها بكل أمانة وصدق وإخلاص. لله والدين والوطن. إبان عملكم مديراً عاماً للمؤسسة. شادداً أزرك رئيس التحرير خالد المالك. علمتونا محبة الزملاء وحب العمل بروح الفريق وعلمتونا أبجدية العمل الصحفي، وعلمتونا فوق هذا وذاك حب (المطبوعة) التي ينتمي إليها الصحفي.. وكانت الألفة بين الإدارة - التحرير - من أجمل ما شاهدتها وعايشتها وسمعت عنها. فمن حيث الإدارة فكنت يا شيخنا طيب الله تراك.. تتابع باهتمام أخبار المكاتب بالداخل والخارج وسمتك الضبط والانضباط.. تتفقد أحوال الموظفين ونتباحث معنا في معظم الأمور الإدارية والمالية وتضع لها أنجع الحلول وأقصرها في تسهيل أمور مكاتب المؤسسة ولم تكتف بذلك - بل (تتلمس) رحمك الله شؤون وشجون موظفي المكاتب. دعني أتذكر وأذكر حسنة من بعض حسناتك وما أكثرها.. حينما كلمتك ذات يوم من مكتب حائل، وقلت لك إن أحد الزملاء يمر بظروف صعبة للغاية - فوالدته مريضة وهو وحيدها وعاجزا عن أن يقدم لها شيئا - جاءني (صوتك الدافئ) الحنون وقلت اعتمد إدارة رعايته بإحضار التقرير الطبي لوالدته وأقطع تذاكر له للرياض - وأنا وخالد المالك - نتولى الموضوع - فليس من عادة (الجزيرة) أن تتخلى عن أبنائها - وكررت طلبك وأقفلت الخط. ثم التفت إلى الزميل الذي كان بجانبي لأبلغه بكلام شيخنا مدير عام المؤسسة وإذا بي أتفاجأ وقد اغرورقت الدموع بعينيه ولم يستطع الكلام وقد غصت الكلمات في حلقه - فقد سمع كل شيء - في صبيحة اليوم التالي كان كل شيء جاهزا - التقرير والتذاكر - وعلى أول رحلة للرياض سافر بوالدته وتولت (الجزيرة) متابعة حالة والدته ما بين مستشفى الشميسي المركزي واللجنة الطبية بالشؤون الصحية بالرياض - وكابدت وعاندت (الجزيرة) مشفوعة في جهادها بالتقرير الطبي إلى أن تم سفر والدته مرافقا لها إلى لندن للعلاج - ولم تكتفِ الجزيرة عن هذا الحد - فقد زودتموه بخطاب توصية للملحق الصحي السعودي بلندن. كان يومها الدكتور محمد الصايع الذي قام بدوره على أكمل وجه. يا شيخنا الراحل طيب الله ثراك - كثيرة هي المواقف الإنسانية يحار القلم صاغراً في وصف تعداد حالاتها.. فكم ل(الجزيرة) من أيادٍ بيضاء في فتح بيوت وأسعدت أسراً كان عائلها مصدر رزقه الوحيد هو دخله الشهري من الجزيرة.. فكلما حققت أرباحاً الجزيرة اقتسمت هذه الأرباح بينها وبين العاملين لها سواسية.. أنا لا أعدد هنا مآثر الجزيرة ممثلة بك رحمك الله وبالأستاذ خالد المالك أطال الله عمره - ولكنها كلمة حق يجب أن تقال. وأنني أعرف يا شيخنا الكثير من الزملاء الذين ساعدتهم الجزيرة سواء لهم أو لذويهم في الواسطات بالكليات والجامعات وغيره من الوظائف الأخرى.. علماً أنني أعرف أنكما يومها لا ترغبان التنويه عن ذلك - ولكن اليوم لكل حدث حديث وحديثي عن (المآثر الجمة لكما). ولا يفوتني يا شيخنا الراحل: أن أتذكر وأذكر الكثير عن حسنات خالد المالك مع المحررين حيث (مظلة التحرير) تلك المظلة السامقة التي وقتنا كثيراً من حرارة الشمس ولفحات الشتاء القارسة. فضلا عن أشياء ليس بوسع القلم ذكرها هنا - فالرجال يا سيدي مواقف - وكانت له مواقف رائعة تسجل في مسيرته الصحفية كرئيس تحرير - لا كبرياء ولا غطرسة ولم أسمع منه أو أسمع غيري كلمة نابية طيلة عمله آنذاك بالجزيرة مع خالد المالك - أقول خالد المالك ولم أسبقها برئيس التحرير أو الأستاذ خالد - ومعظمنا يومها - نناديه بأبو بشار فهو أزاح الأسماء والألقاب (الرنانة) لا يهمه - حتى أن أي محرر يدخل إليه دون التوقف يومها عند مدير مكتبه - لا يحب زميله الصحفي المحرر بالجريدة أن يقف ليأخذ الإذن بالدخول - كسر - كل الحواجز التي تعيق الاتصال المباشر معه.. سواء كان الصحفي يحمل مادة صحفية ليقدمها له أو لأي أمر آخر يطلب منه المساعدة.. وكثيراً ما دفع زملاءه نحو الرقي والتقدم فهو يزكي هذا الصحفي الزميل ويوصي أنه أهل لهذا المنصب إذا طلب منه ذلك - وأكبر شاهد على ذلك ما سمعته في تزكية على حد علمي للزملاء الذين تقلدوا مناصب رئاسة التحرير في عدد من الصحف ممن كانوا من خريجي مدرسة الجزيرة الصحفية الذين يتحلون بكل قدرة ومهارة صحفية. يا شيخنا الراحل - يرحمك الله - أليس أنت بمثابة الوالد القائد؟ الوالد الذي احتضننا في بداية عملنا الصحفي بالمؤسسة.. وما كان كاتب هذه المقالة مع مجموعة من الزملاء ينضوون تحت مظلة العجروش والمالك، لولا ما وجدناه من دعم ومساندة منكما، حتى تعلمنا ما لم نتعلمه في مقاعد الدراسة - تعلمنا من (الجزيرة) صقل المواهب والاعتداد بالنفس دون الزهو بها، واتخاذ الطريق السليم نحو الغد. يا شيخنا الغائب الحاضر - إن أبناءك ممن عملوا بالجزيرة، كأن أذني تسمعهم وعيني تراهم وهم يلهجون بالدعاء والرحمة والمغفرة لك.. أسمع أصواتهم، وكأنهم أمامي هم هم كما عرفتهم في سحنات وجوههم الطيبة وأخلاقهم الدمثة وصفاء قلوبهم الظاهرة.. كما عرفتهم في عاديات الأيام.. في ذلك المبنى العتيد على امتداد شارع الناصرية.. أرهف السمع أنهم الأحبة هم - حاسن البنيان، محمد التونسي، سمير الدهام، بدر الخريف، عبدالرحمن الراشد، مطر الأحمدي، محمد العوام، محمد الوعيل، عثمان المنيع، صاحب الأرشيف علام، والمحاسب عبدربه، وحتى الساعي الطيب أبوعوش - أما قلت إن حسنات الجزيرة كثيرة؟ لقد تذكرت أبوعوض - فهو الرجل الذي حافظت الجزيرة على وفائها له ولا يزال يعمل حتى كتابة هذه السطور - على حد علمي -.. الكل يترحمون عليك وما لمسوه منك من زمالة ومحبة نقشت مع (ترويسة) الجزيرة. وإن تراتيل الدعوات لك بالرحمة والمغفرة تتوالى تباعا يا شيخنا من الزملاء الذين كانوا وما زالوا ينتمون ل(الجزيرة) من حي الناصرية إلى حي الصحافة - ولا أبالغ إذا قلت إن علاقاتكم من خلال المؤسسات الصحفية الأخرى، ومدى معرفة العاملين بها من إداريين وصحفيين سوف يترحمون عليكم - لما تمتعوا به من خصال حميدة ووفاء قل نظيره سواء على المستوى العلمي أو المستوى الشخصي، فكثيرة هي المناسبات التي مدت (الجزيرة) يد العون والمساعدة لبعض هذه المؤسسات الصحفية.. ناهيك عن الوقوف بجانب الصحفيين الذين تعثروا في مشوارهم الصحفي. أقول الجزيرة احتضنت بعض الكتاب الصحفيين المفصولين فمنهم من كتب يثني ويطري (الجزيرة) أليس حالة أحدهم ليست ببعيدة حينما كتب بهذا الشأن وهو يقول: (إنني حينما لفظتني جريدتي ووجدت نفسي مفصولاً - جاءني عاجلاً تلفون المساء.. من خالد المالك رئيس تحرير الجزيرة - ليقول المالك مكانك محفوظ بالجزيرة). هذه أيها الراحل العزيز صالح العجروش - أيضا مآثره من مآثر الجزيرة إنه الوفاء والتقدير والاحترام - لأصحاب المهنة - الذي أفنوا أعمارهم في بلاط صاحبة الجلالة!! يا شيخنا نم قرير العين - لقد غرست وأنتجت - وشيدت وأبدعت.. ولا يزال التشييد والإبداع موصولاً بذمة الرجل الذي زاملته وأحببته وأحبك وأخلصتما معا في بناء صرح من صروح العلم والمعرفة (الجزيرة) الجريدة.. إنه خالد المالك.. الذي كتب عنك مقالة (حزينة) فزادتني حزناً على حزن.. وقد تأثرت من كلام أبوبشار عنك وهو يقول: (بهذه الصورة بالغة الحزن استمعت لآخر مرة إلى صوت هذا الرجل العملاق - بينما كان يستجمع بالكاد قواه ويتحدث إليّ - وليقول شيئاً يحاول أن يهزم مرضه، وأن ينتصر على حالته الصحية التي إنها أتعبته، وأنه يعاني منها كثيراً). ويقول المالك: (كنت مع الفقيد في قارب واحد، نقود معا التمرد على الإصدار الأسبوعي، كل من موقعه فحولناه خلال فترة زمنية قصيرة إلى صحيفة يومية ناجحة في مغامرة جسوره ما كان لها أن تتم بعد سنوات من الانتظار والتردد والخوف لولا التناغم مع صالح العجروش في أسلوب العمل والرؤية المستقبلية لما توقعناه في نجاح للجزيرة اليومية). بهذه الكلمات الحزينة المعبرة عن حقبة تاريخية مضت ما بين الصداقة والأخوة والزمالة بالعمل، يذكرنا الأستاذ خالد المالك - بالعجروش - حيث وصلت (الجزيرة) لما وصلت إليه - ولعمري أنه أصدق وأبلغ وصف دقيق، لفترة مرة بها مؤسسة الجزيرة الصحفية؟! أيها الراحل العزيز.. كنت أطالع آنذاك زاويتك (كل صباح) بالجزيرة وأجد بها نفحات المواطن الغيور على وطنه وأمته - تكتب تارة لمناصرة مواطن وقع عليه (ظلم) ولم يسترح قلمك حتى رفعت عنه (مظلمته) دافعت عنه وعن غيره حتى رد الحق لصاحبه - دخلت في مواجهات من خلال زاويتك مع جهات حكومية كثيرة وأثرت مواضيع في غاية الدقة والحساسية - وكتب تنادي بالبعثات والتخصص في التقنية - وناديت أشد المناداة في توفير الحياة الكريمة للمواطن في كل مدينة وقرية.. أحبتي هذا هو الراحل العزيز صالح العلي العجروش.. رحمه الله رحمة واسعة.. وعزائي اليوم للزملاء بالجزيرة ولأية صحفي كان ينتسب للجزيرة يوماً.. وعزائي موصولاً أيضاً لأبنائه وإخوانه وكافة أفراد أسرته - رحمه الله وجعل الجنة مثواه.. آمين.. و{ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}