كانت جل المصادر البيئية (الماء، الهواء، التربة) نقية وقادرة على التنقية الذاتية، ومع التطور التكنولوجي (بعد الانفجار الصناعي) بدأت هذه المصادر تفقد من إمكاناتها على التنقية الذاتية، في السابق قبل الانفجار الصناعي ومع التطور التكنولوجي بدأت هذه المصادر تفقد إمكاناتها على التنقية الذاتية مما جعل الكثير يرى أن سبب تلوث أغلب مصادر الحياة أوجد نوعاً من عدم التوازن في مكونات الحياة حيث أصبح هناك ما يعرف بالانفجار السكاني الذي تقابله قلة توفر الإمكانات البيئية والمادية لكثير من الدول مما سيؤدي إلى كارثة بيئية خلال العقود القادمة. (الجزيرة) قامت بعمل مواجهة بين مهتمين بالشأن البيئي ونفطيين وصناعيين، الفريق الأول يرى أنهم سبب التلوث والفريق الآخر يفند ذلك. ويعرف رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم الحياة المشرف على التعاون الدولي والجمعيات العلمية بجامعة الملك سعود الأستاذ الدكتور إبراهيم بن عبد الواحد عارف التلوث بأنه أي تغير نوعي أو كمي غير مرغوب فيه في الخصائص الفيزيائية والكيميائية والأحيائية للبيئة الطبيعية، مشيراً الى أن مسبباته أي مواد غازية أو صلبة أو سائلة أو ميكروبية أو جزيئات دقيقة ممكن أن تخل بالاتزان الطبيعي بين مكونات البيئة مسببة خطراً أو تهديداً لسلامة الإنسان وغيره من الكائنات الحية، وقد تكون الملوثات طبيعية من غير تدخل للإنسان أو صناعية مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالأنشطة البشرية. وأنواع التلوث ومجالاته متعددة فهناك التلوث الهوائي والمائي والإشعاعي وتلوث التربة والتلوث بالمبيدات والتلوث الغذائي والدوائي والضجيج. ويوجه المهتمون بالبيئة أصابع الاتهام إلى الصناعيين في المقام الأول، بأنهم المسبب الرئيس للتلوث البيئي. ويشير الدكتور عارف إن التطور الصناعي الذي يشهده العالم حالياً ينتج أيضا ملوثات ذات أثر كبير في البيئة والصحة العامة. وهذه الملوثات ليست محدودة التأثير في البيئة بل قد تتعداها ، ويمثل بأن الكثير من الدراسات أثبتت أن تلويث المصانع للهواء نتيجة للاحتراق غير الكامل للوقود بغازات كيميائية مثل أكسيد الكربون والنيتروجين والكبريت هي المصدر الأساسي للكثير من الأمراض التي يعاني منها الإنسان مثل أمراض الجهاز التنفسي وصعوبة التنفس والتهاب القصبات الهوائية، كما أنها تلوث ماء المطر فتسهم في التسبب بالأمطار الحمضية وبالتالي تلويث التربة والماء حيث يتسع طيف تأثيرها حتى يصل لكل الكائنات الحية، ومن المعروف أن المخلفات والنفايات الصناعية من أهم مصادر تلوث الماء والتربة حيث يؤدي تسرب مياه المصانع المستخدمة في تبريد المحركات مثلا إلى رفع درجات الحرارة في البيئات المائية ومن ثم الإضرار بالكائنات الحية بها، وكذلك تؤدي هذه المخلفات والنفايات إلى تلوث الماء أو التربة بالعناصر الثقيلة مثل الرصاص والنيكل والزئبق والتي لها صفة تراكمية في خلايا الكائنات الحية مما يضاعف من أثرها السام. ولأن الصناعيين أو غيرهم من الذين تقوم استثماراتهم على مصادر الطاقة ينظرون للأمر أن النفط أو الطاقة وأي مصدر أحفوري عنصر مهم وأساسي في التطور الصناعي، بينما هم كبيئيين ينظرون للموضوع أنه مسبب للتلوث، ولحفظ التوازن بين البترول كمنتج ملوث للبيئة وحماية البيئة يبين الدكتور إبراهيم عارف بقوله: إن عمليات استخراج ونقل وتكرير وتخزين وحرق البترول قد تسبب تلوثاً للبيئة، خاصة أن 20% من البترول العالمي يستخرج من أعماق البحر، كما تسهم ناقلات البترول بأكبر قسط من التلوث بالبيئة المائية إذ تصل كمية النفط المتسربة إلى مليوني طن في السنة ناتجة عن غسل خزانات الناقلات أو الحوادث التي تتعرض لها الناقلات كما حدث في كارثة خليج ألاسكا عام 1989م حيث تدفق 240 ألف برميل من النفط مسببة أسوأ كارثة بحرية، وكما حدث في حربي الخليج , فضلاً عن تلويث الصناعات البترولية للهواء عند تكريره. ولحفظ التوازن بين البترول وحماية البيئة قال عارف ينبغي معالجة كيفية تلويثه للبيئة، فيمكن منع تسرب الملوثات الضارة عن طريق إيجاد طرق إنتاج محكمة الإغلاق أو إزالة الملوثات الضارة باستخدام الاحتراق الكامل أو طرق للإزالة المختلفة،أيضا يمكن تحسين خصائص أنواع الوقود المستخدم ليكون كما يقال صديقا للبيئة، أو استخدام مصادر أخرى للطاقة أقل تلويثاً، ومن المهم أيضا إجراء الصيانة الدورية والمراقبة لسائر الوحدات وتحديث الأجهزة المستخدمة، كذلك لا بد من وضع التشريعات والأنظمة البيئية الصارمة وتحديد المقاييس الخاصة بتراكيز الملوثات التي لا يسمح بتجاوزها مع مراقبة تطبيق هذه التشريعات، كما أن من الضروري التأكيد على الشركات والمؤسسات المنتجة للبترول بوضع أسس علمية للوقاية والأمن والسلامة، إضافة إلى دعم المؤسسات الخاصة بحماية البيئة لتمارس دورها الفعلي من خلال تطوير كوادرها البشرية وإمكاناتها ومختبراتها، وينبغي أيضا تشجيع إجراء البحوث والدراسات عن مسببات التلوث وعقد المؤتمرات والندوات لمناقشة كيفية الحد من أضرار ملوثات البترول مع وضع التوصيات المناسبة والتعاون والتكاثف بين الدول المختلفة في هذا المجال. وفيما إذا كان هناك إمكانية إيجاد بدائل تجارية أخرى عن الوقود الأحفوري لتحقيق التنمية المستدامة والتطور الصناعي دون المساس بالبيئة أوضح الدكتور إبراهيم عارف ان هناك بدائل أخرى عن الوقود الأحفوري كمصادر للطاقة مثل الطاقة النووية أو الطاقة الشمسية أو الرياح أو الماء أو الحرارة الأرضية ووقود الكتلة الحيوية، لكن هل هذه البدائل تجارية وليس لها تأثير على البيئة أو في صحة الإنسان؟ ويمكن أن تحقق التنمية المستدامة والتطور الصناعي؟ قال لا أعتقد لأنها مكلفة في إنتاجها والاستفادة منها محدودة في مجالات معينة، ويمكن أيضا أن تسبب تلوثا للبيئة، فهي ليست مصادر بديلة دائما وإنما أحيانا، وهي ليست أكثر من مصدر إضافي للطاقة في الوقت الحالي، وبشكل عام الرؤية المستقبلية من وجهة نظري لهذه المصادر غائمة إذ طالما ظل الوقود الأحفوري مصدراً رخيصاً للطاقة فلا يمكن أن تحل محله. بدوره قال الأستاذ ناصر الوشمي أحد المهتمين بالشؤون البيئية إننا لا نوجه الاتهام بتلوث البيئة بشكل مباشر إلى الصناعيين ولكن نظرا لوجود ثغرات في الأنظمة البيئية المعمول بها وقلة الاهتمام في الجوانب البيئية لدى الصناعيين هو الذي يتسبب في إحداث التلوث البيئي الحاصل, وهذا من جراء اتباع تقنيات صناعية أقل من المستوى المطلوب لتوفير التكاليف التشغيلية, وكما أن الجهات البيئية المشرعة تختلف من بلد إلي بلد بتطبيق الأنظمة البيئية الصارمة ومن أجل المحافظة على البيئة وكما أن إغفال عمل ورش تثقيفية للكيفية المطلوبة للتطبيق لهذه النظم والتشريعات من أجل رفع كفاءة الوعي البيئي لدي الصناعيين للاهتمام بالمنظور البيئي أثناء التصاميم الهندسية الأولية للمصانع لهو دور مهم في التسبب في التلوث البيئي. ولحفظ التوازن البيئي بين الإنتاج النفطي ومكافحة التلوث البيئي يبين الوشمي بقوله كما هو معروف لا يمكن الجدل بأن صناعة البترول والصناعات الثقيلة عصب الحياة الحديثة, لذا يلزم علينا العمل على وضع استراتجيات في استخدامات النفط والطاقة ضمن تشريعات بيئية وقوانين صارمة للحد من التلوث والتهور البيئي الذي يحدث من جراء هذه الصناعات وهذا العمل ضمن منظومة بيئية متوازنة وتشريعات عالمية للتمكن من التخلص من التلوث البيئي وتحقيق التنمية المستدامة. وحول إمكانية إيجاد بدائل تجارية أخرى عن الوقود الأحفوري لتحقيق التنمية المستدامة والتطور الصناعي دون المساس بالبيئة يوضح ناصر الوشمي بقوله: أعتقد أن هذا بحاجة إلى أبحاث ودراسات وحتى الآن يعتبر الوقود الأحفوري من أرخص السبل وأقلها لتحقيق التطور الصناعي ولكن يلزمنا الترشيد والتقيد بصناعات صديقة للبيئة للحد من الانبعاثات الضارة الصادرة عن هذه الصناعات لتحقيق أفضل توازن بيئي ضمن خطط تنمية مستدامة ولننعم بحياة هادئة بعيداً عن المشاكل البيئية والصحية. ورداً على سؤال من ان الداعين لحماية البيئة يوجهون للصناعيين والنفطيين أصابع الاتهام بالتلوث البيئي قال الدكتور أنس الحجي خبير في الشأن النفطي يمكن حفظ التوازن البيئي بين الإنتاج النفطي ومكافحة التلوث وهناك عدة أنواع من التكنولوجيا التي يمكن أن تزيد إنتاج النفط، وتدعم النمو الاقتصادي وتخفض من التلوث أهمها حبس ثاني أكسيد الكربون وإعادة حقنه في حقول النفط والغاز. وأضاف كل ما نريده الآن هو أن تفعل الأموال التي أعلن عنها خادم الحرمين الشريفين في قمة أوبك، والأموال التي أعلنت عنها دول الخليج الأخرى، لتسهم في تطوير هذه التكنولوجيا وتخفيض تكاليفها. ولكن حتى بدون هذه التكنولوجيا فإنه يمكن التوازن بين النمو الاقتصادي ومكافحة التلوث بشكل مقبول نسبياً. ويطرح الدكتور أنس الحجي بعض الحلول لمنع التلوث البيئي وذلك بقوله: إن تخفيف ازدحام الطرق من أهم الخطوات التي تخفف من التلوث لأن كمية الانبعاثات من السيارات تتضاعف مع تباطؤ السيارة. ولكن يجب اتخاذ خطوات أخرى منها تحويل السيارات الحكومية من الديزل والبنزين إلى الغاز المسال المضغوط أو الوقود السائل المحول من الغاز. إضافة إلى ذلك فإنه يجب تجهيز مكبات النفايات بطريقة حديثة للتخلص من غاز الميثان الناتج عن تحلل النفايات بالطرق الصحيحة. وغاز الميثان هو من أقوى الغازات المسببة للاحتباس الحراري، كما أنه يسبب الانفجارات الأرضية في مكبات النفايات وقد يتسرب إلى البيوت المجاورة عبر شقوق أرضية. بدوره ينفي الدكتور عبد الرحمن الزامل رئيس مجموعة الزامل أن تكون المصانع في المملكة بكل أنواعها مسببة لأي تلوث كان وأن هيئة حماية البيئة وإنمائها وضعت شروطاً وأنظمة صارمة على أصحاب المصانع لمنع التلوث البيئي، ويشير إلى الأنظمة المطبقة في مدينتي الجبيل وينبع وأنها أفضل بكثير من دول أخرى فعلى سبيل المثال نحن كمجموعة الزامل مشاركون عالميون في عدد من الشركات الأجنبية وكثيرا ما نجد شركاءنا الأجانب يشتكون من شدة وحزم الأنظمة لدينا في ذلك ويعزو الزامل سبب ذلك الحرص من هيئة حماية الحياة الفطرية ويواصل: لأن المملكة لا تزال حديثة عهد بموضوع البيئة مقارنة بالكثير من الدول حيث يقدر عمرها الزمني من 15 إلى 20 سنة لذا يجب أن تؤسس صناعتنا على أسس قوية لدرجة ان الهيئة تتابع معنا مدى التزامنا بتلك الأنظمة ولا أخفيك أننا كثيراً ما نشعر بالضيق جراء ذلك، وينفي الزامل مرة أخرى أن هناك ثغرات تحدث من قبل المصانع والتي من الممكن ان تسبب التلوث، ويؤكد خلال حديثة أن هناك مراقبين على المناطق الصناعية للتأكد من عدم حدوث أي تجاوز، ويشير الدكتور الزامل بأصابع الاتهام إلى مسببات أخرى للتلوث كعوادم السيارات والبنزين والديزل، فلو نظرنا إلى المدن كثيفة السكان وقارناها بمدينة قليلة السكان فسنجد أنها أكثر عرضة للتلوث من الأخرى. ويعود الدكتور الزامل ويؤكد أن جميع المصانع بكل أنواعها بريئة من أي تلوث في المملكة، وأنا والكلام للزامل مطمئن لسلامة مصانعنا البتروكيماوية خاصة أن لدينا رقابة صارمة من قبل أرامكو على هذا الموضوع ومتأكد أنها لو لمست أي تجاوز للأنظمة من أي مصنع فسوف تتحرك لمنع ذلك، كذلك المصانع الأخرى مثل مصانع الطابوق أو الطوب الأحمر أو الأسمنت في مدينة الخرج لوجدنا أن أصحابها وضعوا الاحتياطات اللازمة لمنع أي تسرب من مصانعها من الممكن أن يسبب ضرراً صحياً أو بيئياً في المملكة، فلو قارن وضعها قبل 20 عاما لوجدنا تغيراً كبيراً وملحوظاً، فالغبار الذي كان يملأ المكان حين ذاك لم يعد موجوداً لأنها وضعت معدات مكلفة للحفاظ على البيئة، لذا لن تسمعي أي شكوى من الذين يسكنون حولها فالجو فيها مناسب صحياً مثل داخل المدينة بل إن هناك أماكن داخل المدن متلوثة بسبب السيارات والبنزين المنبعث منها، لذا يجب أن تكون مواصفاتها مطابقة لأنظمة السلامة البيئية ولا يجب أن ننسى الأجهزة الكهربائية لدينا والتي خطرها أشد من التلوث، فمثلاً ماكينة كهرباء في مجمع سكني تسبب تلوثاً وهناك من يشتري أجهزة كهربائية ويستخدمها وهو لا يدري أنها تزيد من استهلاكه للكهرباء إضافة إلى أنها تضره صحياً. ويختم الدكتور عبد الرحمن الزامل حديثه مؤكداً ثقته ببراءة المصانع من التلوث البيئي بقوله: إن آخر من لا يطبق الأنظمة الخاصة بسلامة البيئة هم المصانع بل تأتي في المرتبة الأولى في تطبيقها سواء في المدن أو القرى ولن يحصل أحد على تصريح مصنع ما لم يطبق الشروط اللازمة التي وضعت ضد التلوث البيئي.