* مؤسسو نظرية الثقافة السينمائية الحديثة يسعون الى استخلاص جوهر الأدب الفكري كنص وتحويله الى فيلم بصري يقدم تفاصيل الحياة اليومية كممارسة بشرية, وبذلك تصبح الثقافة سهلة في تمازجها مع الواقع وبالتالي يمكن فهمها من قبل الغالبية، الذين يجدون صعوبة في القراءة، أو عدم رغبة في الاطلاع عدا عن الأمية المتفشية، هنا يصبح بمقدور العين أي حاسة البصر طاقة لا حدود لها في الفهم والاستيعاب. عبدالله المحيسن المخرج السينمائي السعودي، يرى انه قد آن الآوان لأن ندخل بحر الثقافة المائج بتحولات وتطورات فكرية عقلية كثيرة متتابعة وتحويلها الى فن محترم وراق يخاطب الوجدان، ويسهم في حل مشكلاتنا الاجتماعية وتوثيق تاريخنا المعاصر بشكل حضاري تفهمه كل الشعوب الأخرى وبالتالي التفاعل معه ايجابا وفهمنا بشكل أفضل، عدا عن كون فن السينما والفيلم السينمائي أصبحا وسيلة استثمارية اقتصادية، لا يستهان بها, ثم والاهم إنها تمثل جانبا جد حيوي من ناحية سياحية جاذبة وتستقطب آلاف المتابعين. لا نستطيع ان ننكر ان السنوات الاخيرة حملت للمشاهد والمتابع، موجة من الأفلام الهادفة ذات المضمون الفكري والعاطفي النفسي، تطرح قضايا المجتمع والإنسان في كل مكان وبذلك تحول الفيلم من وسيلة ترفيه فقط، الى أداة معرفية عقلية تربط النظر بالفكر مباشرة. في بداية القرن العشرين بدأت صناعة الفيلم السينمائي وذلك في الغرب بطبيعة الحال، ومنذ اول لقطة متحركة في أول فيلم تعلق الناس في كل بلاد الدنيا بذلك الشغف غير المنظور، الذي تولده المشاهد المتوالية, ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم تولدت صناعة سينمائية عربية في بعض الدول الشقيقة، الخليج تناول الموضوع على استحياء، وطرحت بعض الأفلام الوثائقية والاجتماعية البسيطة، ثم بدأنا نلاحظ تطور علاقة السينما لدينا وارتباطها بتطور حركة المجتمع وأفكار الجمهور. ايضا اتساع مدى قابلية استيعاب الناس لما تطرحه الأفلام، من أفكار ثقافية وخصوصا تلك التي تحاول الغوص في جذور الواقع الاجتماعي والبحث في قضاياه ومشكلاته الخاصة جداً، الى جانب ما تسعى اليه في اضفاء طابع إنساني، غني وحار يثير التعاطف ويدعو الى الفهم لدى المتلقي, وهذا ألغى الفكرة السابقة التي كانت تعتقد بأن الفيلم السينمائي يريد الخفة والاضحاك أي الترفيه، وأن الأفلام عاجزة عن تحريك العقل وإثارة غريزة التفكير لأنها لا تستطيع التعامل مع الكلمة المكتوبة أي مع الرواية أو القصة، وهو النص الأدبي الذي يحمل غالبا أبعاداً فلسفية عقلية غنية. الآن ودون تمويه يجب ان نعترف بأن فن السينما فرض نفسه وأصبح وثيق العلاقة مع الكلمة المكتوبة والمقروءة, السينما الآن تعني بكل بساطة تلك الوشيجة والحميمية ما بين الكلمة والصورة وان العين المبصرة هي العقل المفكر في ذات الوقت, لقد ساهم ذلك الفن رضينا أم كابرنا الى عقلنة الرؤيا، أو بصرنة الفكر, بمعنى أنت تشاهد أولاً ما يعرضه الفيلم أمامك ومن ثم تعمل فكرك مما يقودك الى التحليل المنطقي للبحث عن مغزى أو حل. إنها وسيلة ثقافية وإحساس ووعي.