كم من مرفل في نعم عظيمة يغدو ويروح ويعيش عيشة سعيدة مع اهله واولاده، واصدقائه وجيرانه، صحيح بدنه، مطمئنة نفسه، قانع بما آتاه الله، ثم تفاجأ ان يقال لك انه طريح على الفراش منذ شهر او عدة شهور ولا يعرف ما مرضه! أو يقال لقد تشتت شمل اسرته وتفرق ابناؤه اذ طلق زوجته، بعد طول عشرة جميلة لم يذكر مع نفسه سوى انه كرهها من غير سبب، فيا من يبحث عن العلاج! إني اقول لهؤلاء جميعا ان الحساد في الارض كثيرون فكم حاسد خرجت من عينه نار كالسهام فأخذت تقطع وتهدم وتعمل في خراب جسد المحسود، فلرب محسود على زوجة حسناء، او محسود على مال وعيال، او محسود على وظيفة وصحة وجمال، بل لرب محسود على ثوب ونعلين، ان الحسد داء خطير، ومرض فتاك لا يجتمع هو وايمان في قلب مسلم، ولعظم شره حذر منه صلى الله عليه وسلم اياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ويقول ايضا دب إليكم داء الأمم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا اقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين . فالحسد تمني زوال النعمة، الحاسد يفرح بالكارثة تصيبك، وتسؤوه النعمة تحصل لك وان علاه الفرح ففي باطنه نار تضطرم، دفعه الى ذلك ضعف الإيمان او عدمه، هو في الحقيقة ساخط على الله عز وجل في قضائه، حاسد على ما منح من عطائه، وقد تكون نعم الله عنده اكثر، ومنحه عليه اظهر، فهذا المرض الخبيث صاحبه ليس في راحة ولا لرضاه غاية وصدق من قال: لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله فهو ذو نفس حسيرة، وقلب سقيم، قال بعض الحكماء يكفيك من الحاسد ان يغتم وقت سرورك، ولعظم شره قال بعضهم أسد تقاربه خير من حسود ترافقه. فإني لأحذر اشد التحذير من هذا الداء الخطير والذنب العظيم، وهو اول ذنب عصي الله به في السماء وفي الارض كذلك قصة آدم مع ابليس، وقصة بني آدم . وأوصي كل مؤمن ان يكون قلبه سليما على اخوانه فهو والله السعادة ابدا والفلاح غدا، ولقد اخبر الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتى الله بقلب سليم ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن افضل الناس قال كل محموم القلب صدوق اللسان، قالوا صدوق اللسان نعرفه يا رسول الله فما هو محموم القلب، قال: هو النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد . فإذا رأيت أخاك المسلم مسرورا بنعمة فاذكر الله وبارك له فيها بل حتى وان اعجبك شيء من نفسك ومالك واهلك، قال صلى الله عليه وسلم اذا رأى احدكم من اخيه او من نفسه او من ماله ما يعجبه فليباركه فإن العين حق . وبعد هذا اني لأنصح بالحرص على الاذكار الشرعية التي تكون حرزا واقيا من شر ما خلق الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين . فإننا اليوم في زماننا الذي تفتحت فيه الدنيا فأخذ الناس يتنافسونها ويتحاسدون عليها، كما اخبر بذلك صلى الله عليه وسلم والله ما الفقر اخشى عليكم ولكن اخشى عليكم ان تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كانوا قبلكم فتحاسدوها عليهم فتهلككم كما اهلكتهم . قال العلماء التنافس الى الشيء المسابقة اليه وكراهية اخذ غيرك اياه وهو اول درجات الحسد. أسأل الله ان يجعل قلوبنا صافية نقية على اخواننا المسلمين، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.