أغلق السوق هذا الأسبوع عند 9059 نقطة ليستكمل المؤشر مساره الصاعد الذي بدأه منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، مخترقا ومحلقا بشكل غير متوقع فوق مستوى ال9000 نقطة، بشكل أعاد للسوق نشوة مكاسبه التي افتقدها على مدى عام تقريبا.. كما حلقت كافة أسهم المؤشر القيادية تقريبا فوق قمم جديدة لها، لتعطي تأكيدات بأن صعود المؤشر ليس أمراً طارئا، بل إنه ينوي الاستقرار عند مستواه الجديد.. ورغم ذلك، فإن حالة من القلق باتت تشغل بال المتداولين لدرجة أن البعض يتمنى لو تهدأ موجة الصعود... إن الكثيرين حتى الآن لا يجدون تفسيرات للصعود الجماعي لكافة الأسهم القيادية؟ ما هي محفزات انطلاقتها؟ وهل هذه الانطلاقة ستدوم؟ ثم ماذا وراء التحفيز الملحوظ من صناع السوق؟ ولماذا لم يكن هذا التحفيز في السابق؟ إننا نسعى للتعرف على مصدر التحفيز لهذه الموجة الصاعدة... هل ارتفاع سعر النفط أم انخفاض الدولار أم نتائج الأعمال الإيجابية للشركات أم اقتراب موعد تفعيل الهيكل الجديد للسوق أم زوال خطر الاكتتابات نتيجة جدولتها أم بدء الدورالفاعل لصناديق الشركات المالية المتخصصة؟ السوق يربح 17.28% كسر مؤشر السوق هذا الأسبوع نقطة مقاومته الصعبة مخترقا 9000 نقطة، هذه النقطة التي كانت تشكل عامل مقاومة نفسيا أكثر منه ماديا، فقد كانت معظم التوقعات تشير إلى أن اختراقها ليس بالإمكان في الوقت الحالي، ويرجع ذلك لأن المستوى ما بين ال9000 إلى 10000 نقطة يعتبر من المستويات التي اخترقها المؤشر بشكل خاطف في نزوله في نهاية العام الماضي، حيث إنه لم يظل سوى يومين فقط ما بين هاتين النقطتين. وبالتالي فإن الكل كانوا ينتابهم القلق من إمكانية تجاوز ال9000 نقطة. وقد صعد المؤشر بشكل متتالي على مستوى كافة أيام الأسبوع (حتى الاثنين يعتبر صعودا) وربح نسبة 5.07%، بشكل أدى إلى بلوغ أرباحه خلال ال30 يوما الأخيرة إلى 17.28%... إن إغلاق المؤشر هذا الأسبوع يبدو فريدا ويحقق للسوق (لأول مرة منذ عام تقريبا) وضعية جديدة بعيدة عن مساره الهابط الطويل... ولكن ما هو الجديد في هذه الموجة الصاعدة وما هي أبرز ملامحها؟ موجة صعود بالأسهم القيادية إن تحركات مؤشر السوق هذا الأسبوع تظهر وضعا جديدا للسوق يتمثل في عدم وجود أي نوع من الضغوط التي كانت تحجم أو تضغط على المؤشر... فمن أين ستأتي الضغوط طالما أن الأسهم الضاغطة أصبحت الآن تحلق فوق قمم عام 2007م... تحديدا أسهم المؤشر (سابك والراجحي والكهرباء وسامبا وكيان وقليلة أخرى) كانت هي التي تضغط وتحجم حركة المؤشر... الآن وقد أصبحت تنطلق بحرية كبيرة نحو قمم أعلى من الهادي السنوي تقريبا، فقد حققت هذه الأسهم هذا الأسبوع أرباحا بلغت 6% لسابك والراجحي، و10% لسامبا و19.7% لكيان، وجميعها أرباح تفوق أرباح المؤشر... الأمر الذي يثير التساؤل... إذا كان لصناع السوق هدف من وراء هذه الموجة.. فهل هدفهم هو تصعيد المؤشر لأهداف خاصة بهم أم هدفهم تصعيد القياديات لأمر في نفس يعقوب؟ محفزات الطلب إن الطلب ناجم (أو ربما نجم خلال الأسبوعين الماضيين) بالتأكيد عن وجود محفزات قوية لأصحاب المحافظ الكبيرة للطلب على الأسهم القيادية (سابك والبنوك والكهرباء وكيان وقليلة أخرى)، تتمثل فيما يلي: 1- أن الحكومة تمتلك حصصا معنوية في غالبية هذه الأسهم. 2- اقتراب موعد تفعيل هيكل السوق الجديد واستبعاد حصص الحكومة والشركاء والمؤسسين، وبالتالي ستكون هذه الأسهم في متناول الأيدي التي تسعى لاحتكار الشركات. 3- أن أصحاب المحافظ الكبيرة باستحواذهم في هذه الأسهم سيمتلكون القدرة على تسيير المؤشر. 4- أن الطلب الحقيقي على هذه الأسهم بدأ خفيا قبل ثلاثة أسابيع ومن ثم بدأ تجميع المحافظ الكبرى فيها كان عند مستويات جذابة جدا. مع ذلك ورغم استمرار الصعود والثبات لهذه الأسهم عند قممها الجديدة، إلا أنه من الصعب الجزم الآن هل لا يزال التجميع فيها ساريا من المحافظ الكبيرة، أم أن بقية القطيع هي التي لا تزال سائرة؟ موجة صعود بالقطاعات القيادية أيضا من الأمور الملفتة للنظر هو الصعود القوي للقطاع الصناعي الذي صعد بنسبة 21% هذا الشهر، وكذلك قطاع البنوك الذي صعد بنسبة 17% في شهر.. وهنا نتساءل هل هي صحوة للمستثمرين للعودة للقطاعات الاستثمارية؟ بالطبع إنها ليست صحوة بدليل أن مكررات ربحية الأسهم والقطاعات القيادية في السوق كانت من قبل عند مستويات أفضل ولم يكن يقبل عليها أحد... في المقابل لوحظ ركود وهبوط (ولكن غير ملحوظ) لقطاعات التأمين والزراعة التي كانت في السابق تلعب دور فرسان السوق... إنه من الضروري أن حافزا قويا وجديدا هو الذي دفع بالمستثمرين لتغيير نظرتهم إلى هذه الأسهم.. قلق المتداولين رغم الوضع الإيجابي للسوق ورغم حالة الانتعاش لدى المتداولين.. فإن خوفا وقلقا لا يزالان لدى كثير من المتداولين.. وذلك نتيجة لعدم القناعة بكافة التفسيرات التي تبرر هذا الصعود الملحوظ.. فمعرفة السبب وراء الصعود هو الوحيد الذي يمكنهم من الحفاظ على أرباحهم؟ ويطمئنهم حيال استمرار الوضع الحالي للمؤشر فوق ال9000.. كما أنه يساعدهم على اتخاذ القرار الصحيح الآن... إن تساؤلات كثيرة الآن عالقة في أذهان المتداولين... هل وضع السوق الآن هو تصريف أم تجميع؟ بل أكثر من ذلك تلك القياديات التي حلقت فوق قممها السنوية هل يفضل التجميع فيها أم التصريف؟ فضلا عن ذلك، هل سيخترق المؤشر مستوى ال10 آلاف نقطة أم سيعود أدراجه من جديد؟ وإذا عاد هل فعلا ستحميه متوسطاته المتحركة فوق ال50 و150 يوما أم أنها ستصبح في خبر كان؟ ومما لا شك فيه أن هناك محفز قوي يقف وراء هذا الطلب الكبير الذي تسبب في صعود سابك إلى 157 ريالا والراجحي إلى 100 ريال... إن هذا المحفز لا يبدو كاملا في قراءة نتائج أعمالهما، كما لا يبدو متاحا في تأثر المتداولين وتفاؤلهم بارتفاع أسعار النفط، كما لا يبدو منطقيا في انخفاض الدولار... إن السبب المؤثر لدى شرائح المستثمرين في السوق لابد أنه يرتبط بالسوق ومن السوق... لابد أن يكون هناك سبب يتوقع به هؤلاء المستثمرون أن يحققوا ربحا مباشرا من الطلب على سابك حتى بعد اختراقها لمستوى ال150ريالا، وعلى الراجحي حتى بعد اختراقه لمستوى 95 ريالا، فهذان السهمان كانا عند مستويات أدنى من ذلك بكثير، وكانا لا يجدان من يفكر حتى في الاقتراب منهما.. إن السبب لا يخلو من ثلاثة عناصر: إما يرتبط بالسهم ذاته أو بالقطاع الذي سينتمي إليه السهم مستقبلا أو بتعديلات مؤشر السوق ودرجة تأثيره عليه. التقسيم القطاعي يقود السوق قلنا أعلاه إن الصعود القوي تركز في كل القطاع البنكي يليه سابك وكيان، والتعمير والكهرباء، فلماذا هذه الأسهم بالذات؟ إن التفسير ينصب على عملية إعادة تقسيم القطاعي للأسهم... إن كبار المستثمرين ليسوا مثل صغارهم، بل حتى يتفوقون على مقدراتنا نحن المحللين في بناء تصورات عن السوق في ظل أية قرارات جديدة... إن أقوى قرارين سيؤثرا في السوق هما: استبعاد الحصص غير المتداولة وإعادة تقسيم الأسهم على القطاعات، وتعديل طريقة حساب المؤشر... إن صورة القطاعات بعد تفعيل الهيكلة يتوقع أن تكون كما في الجدول (1). إن هذا التقسيم يحط من شركات ويرفع من أخرى، وسيعزز من قطاعات ويثبط أخرى... إن هذا التقسيم ربما يلعب الدور الأكثر أهمية في التسهيلات الاستثمارية للشركات في حين أنه يصعبها لأخرى... حتى العمليات المضاربية ستتحدد توجهاتها حسب هذا التقسيم الجديد للقطاعات.. فهناك شركات انضمت إلى قطاعات قوية مثل الباحة وعسير والغاز والتصنيع، وبالتالي ستخرج عن بوتقة المضاربة والعشوائية إلى بوتقة الاستثمار والاستقرار، في حين أن شركات أخرى مثل شركات قطاع الإعلام والتجزئة والفنادق والسياحة يتوقع أن تكتسب مزيد من المضاربات العشوائية في سياق انضمامها لقطاعات ضعيفة. تعديل قيمة المؤشر أعلنت هيئة السوق عن أنها بصدد تعديل طريقة احتساب المؤشر، وبالتالي ومع بدء تفعيل ذلك، فإن قيمة المؤشر يتوقع أن تتغير بشكل كبير، ويتوقع أن يكون هذا التعديل أقرب إلى مصلحة المتداولين، فالقيمة المعدلة للمؤشر بعد إقرار الاستبعادات للحصص غير المتداولة يتوقع أن تكون أقل من القيمة الحالية بدون انخفاض في أسعار الأسهم... أي أن الجاذبية التي نبحث عنها للمؤشر ربما تتحقق بدون هبوط السوق... فقبل شهر من الآن كان راسخا لدى الكثير من المحللين أن المستوى الاستثماري للمؤشر ربما يكون عند مستوى 6000 إلى 7000 نقطة، ولطالما تساءلنا هل المستوى الحالي للمؤشر يعبر بصدق عن قيمته الحقيقية؟ وقد قمنا في تقرير سابق باحتساب قيمة المؤشر بطريقة مختلفة واكتشفنا أنها كانت دون ال6000 نقطة... إن تعديل قيمة المؤشر الآن ستؤثر جوهريا على احتساب مكرر ربحية السوق ومكرره للقيمة الدفترية. وإعلان شركة تداول عن تقريرها الشهري لأكتوبر الماضي على موقعها على الإنترنت تبدو غير طبيعية.. حيث إنها لأول مرة تعلن عنه بصياغة تفاؤلية، كما يلي: (المؤشر يحقق ارتفاعا قدره 788.03 نقطة (10.06%) القيمة المتداولة للأسهم تتجاوز 108.49 مليار ريال لشهر أكتوبر 2007م)، وذلك رغم أنها ينبغي أن تكون على الحياد. فهل ذلك لتأكدها بأن ذلك في صالح المتداولين في هذه الفترة؟ ولقد ضرب سوق دبي الأربعاء الماضي هبوط قوي بعد ارتفاعاته القوية نتيجة جني أرباح قاس أفقده 4.94% من قيمته، رغم كبر وضخامة حجم التداول، وهو الأمر الذي أثار مخاوف البعض من تأثر السوق السعودي، أو أن يسلك منحنى مشابها، وبخاصة أنه سلك مسارا صعوديا بلا جني أرباح يمكن القول به. إن السؤال الذي يفرض نفسه: أيهما أفضل للمؤشر هل اختراق ال10.000 نقطة أم التريث أو تباطؤ الخطى؟ إن الاختراق السريع ليس في صالح المؤشر، بقدر ما إن التباطؤ والمسار الأفقي يمثل المسار الأمثل له لفترة من الزمن. إن المسار الأفقي للتهدئة والتقاط الأنفاس ومن ثم البناء والتماسك فوق ال9000 نقطة يعتبر أفضل كثيرا من السير قدما في مسار صعودي قوي الآن... إن المسار الأفقي على مدى أسبوع أو أسبوعين ثم الدخول في مسار صاعد تدرجي يعتبر المسار الأمثل للمؤشر.. فتأخر جني الأرباح أو عدم حدوثها يعرض المؤشر للترنح عند أي نقطة مقاومة ويثير مخاوف كبيرة لحدوث سقوط لا قدر الله. ما هو دور الشركات المالية المستقلة في موجة الصعود الحالية؟ بقليل من الانتباه يمكن إدراك أن الشركات المالية المستقلة بدأت تستحوذ على مكانة صانع رئيسي بالسوق فقد اكتملت الهياكل التنظيمية لمعظمها، وبدأت تطلق صناديقها، وبدأت قوتها المالية تظهر جليا.. إن الصناديق ليست فئة استثمارية عادية، بل يكفي أن ندرك أن وراء أكثر من 30 صندوق منها البنوك العشرة الرئيسية أي قدرات مالية وطاقات بشرية غير محدودة... إن الصناديق تمتلك قدرات أخرى تتمثل في بناء تصورات عن المستقبل تفوق فيها إمكانيات المستثمرين الأفراد.. لذلك نتوقع أن تكون الصناديق أحد أهم المشترين في الأسهم الاستثمارية القائدة في السوق نتيجة عنصرين: أولهما توالي إطلاق الشركات الجديدة لصناديق جديدة، وبالتالي ضخها لسيولة جديدة في السوق، ومن ناحية أخرى انتهاج صناديق البنوك القديمة سياسة ضخ المزيد من السيولة لتعويض الخسائر الكبيرة التي منيت بها خلال العام الماضي. هل عمق السوق يقوم حاليا على عملية بناء سجل الأوامر؟ إن السمة الرئيسية لغالبية الأطروحات الجديدة الآن هي علاوة إصدار وبناء سجل الأوامر، وهما عمليتان متلازمتان، ولا يمكن لإحداهما أن تتم تقريبا بدون الأخرى.. فبدون علاوة إصدار الشركة الجديدة لن تكون هناك حاجة لبناء سجل الأوامر، وبدون سجل الأوامر، فإنه قد يصعب نجاح التغطية لأي شركة جديدة عند طرح أسهمها بعلاوة إصدار.. ولكن لنتساءل حول هل عملية بناء سجل الأوامر فعلا في صالح المستثمرين أو في صالح السوق؟ تفكيك السوق وإعادة تركيبه: إن السوق يمر الآن بفترة انتقالية تعتبر هي الأخطر في تاريخه.. ففي ضوء الهيكل الجديد سيتم تفكيك السوق، ثم يعاد تركيبه من جديد؛ أي سيتم إجراء عملية جراحية ليست سهلة.. وقد يكون شكل وحجم ونوع الأسهم في كل محفظة استثمارية لحظة إتمام عملية التفكيك بمثابة المحدد الرئيسي لأرباح وخسائر كل مستثمر في المستقبل القريب. فأنت في هذه اللحظة ستنتقل شركات أسهمك إلى قطاع جديد بمؤشر قطاعي جديد، كما أنك ستفاجأ بمؤشر سوق لا يعلم أحد حتى الآن كم ستكون قيمته. محلل اقتصادي [email protected]