أجرى مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة بحثاً على عينة شملت 120 ألف مولود سعودي من أصل 500 ألف مولود، توصل من خلاله إلى حقيقة مفادها أن مولوداً من كل ستمائة مصاب بأمراض التمثيل الغذائي المسبب للوفاة أو الإعاقة الدائمة إذا لم يتم التعامل معه خلال 72 ساعة، وذلك مقارنة بمولود لكل 8 آلاف مولود في اليابان، وهو ما حدا بالمركز بالتعاون مع جهات متعددة لإطلاق برنامج الفحص المبكر لأمراض التمثيل الغذائي الذي ساهم في إنقاذ الكثير من الأطفال من الموت أو الإعاقة وآثارها النفسية والاجتماعية والاقتصادية. المركز - بحسب علمي وما اطلعت عليه من مطبوعات - أخذ على عاتقه مهمة التعرف على أسباب الإعاقات على مستوى المملكة العربية السعودية، ومن ثم التعاون مع أفضل المراكز المتخصصة والجهات المعنية في إيجاد الوسائل والطرق الكفيلة للحد من الإعاقة وتخفيف آثارها على المعاقين وذويهم، والمساهمة في تقديم خدمات مساندة أكثر فاعلية تتيح للمعاقين تسيير أمورهم اليومية والإسهام في بناء مجتمعهم، ولعمري أنها مهام نبيلة تستحق التشجيع والدعم بكافة أنواعه وصوره ومستوياته. وأكاد أجزم أن المركز كغيره من مراكز الأبحاث في العالم العربي (الأقل إنفاقاً في هذا المجال) يعاني من مشاكل مالية تعيقه عن تحقيق أهدافه المنشودة، وأعتقد أن المشاكل المالية تعود لأسباب ثقافية بالدرجة الأولى، منها أننا بالعالم العربي عموماً لا نوجه أموالنا للصرف على اللاملموس كالدراسات والأبحاث والاستشارات على اعتبار أن ذلك نوع من التبذير الذي لا داعي له، وأن المصروفات يجب أن توجه مباشرة لما هو ملموس، حتى وإن كانت نواتج الصرف على اللاملموس تضبط وتوجه الصرف على الملموس، وهذا الوضع تشترك به القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية، وإذا شئتم التأكد من ذلك فقارنوا بين ما يصرف على المصاريف الإدارية والعمومية وما يصرف على الاستشارات والدراسات والبحوث والتوعية، وسيتضح لكم ما أعنيه. ومن تلك الأسباب أيضاً سيادة الصرف الخيري الإغاثي على حساب الصرف الخيري التنموي، نعم فنحن ندفع بالملايين من الريالات باتجاه المصاريف الإغاثية (وهي مطلوبة) لأننا نستشعر نتائج هذا الصرف في رفع المعاناة عن فقير أو يتيم أو سجين أو جائع أو عار أو مريض، ولكننا لا نرغب بتوجيه مالنا الخيري إلى طالب علم يريد أن يحصل على شهادة الدكتوراه، أو باحث يريد أن يصل أن يتأكد من فرضيات افترضها ليصل إلى نتائج يمكن توظيفها لخير البشرية، ومن ذلك أننا نندفع إلى التبرع لمعاق يعاني من عوز مالي، ولكننا لا نندفع بنفس القوة للتبرع لباحث يريد أن يصل إلى نتائج تمنع وقوع الإعاقة أو تساهم في تخفيف معاناة المعاق الجسدية والنفسية والاقتصادية أو تساهم في دمجه بالمجتمع وإطلاق طاقاته وقدراته ليكون عنصراً فاعلاً في المجتمع يشعر بالثقة بالنفس. أيضاً باعتقادي أن الموقف من الإعاقة لدينا يختلف عن الموقف من الإعاقة في البلاد الغربية، فهنا ننظر للمعاق على أنه عالة علينا أن ننظر له بعين العطف والشفقة، وعلينا أن نوفر له قوته ونمسح على رأسه رحمة به، بينما في الغرب ينظرون للمعاق على أنه ثروة بشرية كغيره من البشر عليهم أن يجدوا السبيل والوسيلة لإطلاق قدراته ليمارس حياته بشكل طبيعي كعنصر فاعل قادر على الإنتاج كما أي فرد آخر في المجتمع، وهذا ما دفعهم للصرف على الأبحاث والدراسات بهدف الوقاية من الإعاقة أولاً من خلال التعرف على أسبابها وتجنبها، وبهدف إيجاد الوسائل والسبل التي تمكن المعاق من الاندماج في المجتمع كشخص طبيعي قادر على الحركة والتفاعل والإنتاج، وهذا ما جعلهم يحققون نجاحات كبيرة حيث بتنا نرى كثيراً من المعاقين يحققون إنجازات متميزة في كافة المجالات العلمية والأدبية إلى غير ذلك من المجالات. مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة أعلن بأنه سيقوم بالأبحاث ودعمها خصوصاً تلك التي تساهم في خلق وإثراء المعرفة عن التطور البشري والإعاقات. وتحسين مستوى المعيشة للمعوقين بطريقة تمكنهم من الاستفادة القصوى من قدراتهم الذاتية الكامنة من خلال تنظيم واستقطاب الكفاءات العلمية المتخصصة للبحث التوعية عن الوقاية من أمراض الإعاقة وعلاجها، وأجزم أن تلك أهدافاً ممكن تحقيقها إذا توفرت الأموال الخيرية التنموية والتي يشكل الوقف أحد أروع صورها (حبس الأصل والصرف من الريع)، خصوصاً وأننا رأينا المركز يحقق نتائج أكثر من المتوقع بكثير في ظل شح التمويل، وللعلم فإن المركز حسب ما وردني يطرح حالياً أكثر من ستة عشر برنامجاً بحثياً سيكون لها أكبر الأثر في الحد من الإعاقة من ناحية ودمج المعاقين من ناحية أخرى. ختاماً، أعتقد بأنه حان الوقت لتوجيه المزيد من الأموال الخيرية إلى الأعمال الخيرية التنموية ذات الأثر الكبير والمتراكم والمستمر كالأبحاث العلمية التي يستفيد من منها الملايين، كما تفتح الباب للمزيد من الأبحاث التي تبنى على السابق من النتائج البحثية، كما أعتقد بأن على مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة أن يساهم في تنوير المواطنين من أصحاب الأيادي البيضاء بضرورة الصرف على الأبحاث كوسيلة فاعلة في إنتاج العلم النافع الذي يؤجر صاحبه عليه مدى الدهر (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به)، وكلي ثقة بأن أبناء الوطن من الميسورين لن يتوانى عن دعم المركز الذي يشكل قناة خيرية آمنة وفاعلة قادرة على الوفاء بما تعد به.