لا تزال عملية الاندماجات والتكتلات الاقتصادية في مؤسساتنا الوطنية أقلَّ أو أبطأ مما هو حاصل في الأسواق العالمية وأن عدم تحركنا بنفس السرعة سوف يؤدي إلى أن نكون غير منافسين في خدماتنا أو منتجاتنا الصناعية. لذا أتمنى أن تكون هناك حملة من كل الجهات المختصة للتوعية بأهمية الاندماجات وعمل التكتلات الاقتصادية خاصة وأن اقتصادنا الوطني يعيش تغيرات كثيرة نظراً للانفتاح العالمي وظهور الاندماجات والتكتلات الاقتصادية واستحواذ الشركات الكبيرة على الصغيرة في ظل المنافسة الشديدة الناتجة عن بروز العولمة وانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية وما صاحب ذلك من تحديات عديدة فرضت نفسها على القطاعات الاقتصادية المختلفة ليصبح التكتل والاندماج بين المنشآت ضرورة اقتصادية. والراصد لاقتصادات الدول المتقدمة وبالذات في نهاية التسعينيات وبداية هذا القرن يجد أنها تنبهت إلى أهمية قيام هذه التكتلات والاندماجات، فقامت بتشجيع وتحفيز فكرة الاندماج بين الشركات الكبرى، وعملت على تسهيل الطرق القانونية للاندماج، وهي ترمي من وراء ذلك إلى إنشاء كيانات اقتصادية قادرة على تحقيق مشاريعها، مكونة رؤوس أموال ضخمة مكنتها من التغلب على مشاكل التمويل، وساعدتها في الانفاق على الدراسات والبحوث التي أوصلتها إلى ابتكارات واختراعات ميزتها على غيرها..!، ولا يخفى أثر التكامل بين الشركات المندمجة، حيث انصهرت الخبرات والمهارات، وانتقلت الأفكار والتكنولوجيا المتقدمة وصبت كل ذلك في كيان واحد قوي. وكان من ثمرات عملية الاندماج: بناء اقتصاديات قوية داخل الدول المتقدمة، ثم انطلاقها إلى العالمية، فأصبحت تسيطر على الاقتصاديات المختلفة بشركاتها متعددة الجنسية سواء كانت هذه الشركات في المجال الصناعي أو الخدمي كالإعلامي والمالي. لقد أصبح الاندماج ضرورة لاقتصاديات كثير من دول العالم وبالذات العربي، فاجتماع رؤوس الأموال، وتوحد الإدارات، وتبادل الأفكار، والعمل بروح الفريق الواحد، وتوحيد الجهود.... كل ذلك يبني كيانات اقتصادية قادرة في هذه المرحلة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالات عدة، ويساعد هذه الكيانات القوية في فتح فرص عمل جديدة، تحد من مشاكل البطالة في تلك الدول النامية، مما يساعد في تنمية مواردها البشرية، والتغلب على مشاكلها الاجتماعية، ويمكنها في مراحل تالية من الحضور والمنافسة. وفي ظل مؤثرات السوق فمن المهم أن يتنبه رجال الأعمال إلى خطورة الانفتاح الاقتصادي العالمي والمرحلة القادمة والتي تتطلب منهم القيام بتكوين وبناء التكتلات والاندماجات. فالمرحلة القادمة تبين أنه لابد من الانتشار الأفقي لهذه الشركات والاستفادة من خدمات توحيد الشراء أو الشراء الموحد، ولابد من الاستفادة من إمكانيات الموارد البشرية. وعليه يمكن إقامة تكتلات بين الشركات العاملة في القطاع الواحد، مما يساعد على تضافر الجهود وتوحيد الإمكانيات والاستفادة من الخبرات والعلاقات ومواجهة المنافسة الكبيرة الحادثة في السوق المحلي والإقليمي والدولي نتيجة للتغيرات الحادثة في الساحة الاقتصادية، وذلك لنشر ثقافة تكوين تكتلات وعمل اندماجات بين المؤسسات أو الشركات العامة في القطاعات المختلفة. الراصد للمتغيرات الاقتصادية الحادثة على الساحة العالمية يجد أن اندماجات وتكتل المنشآت أصبح ظاهرة واضحة، حيث تتجه تلك المنشآت لاتخاذ إستراتيجية قائمة على البحث عن القوة والفعالية حتى تجد لها مكاناً في الأسواق على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وذلك إيماناً منها بأن بقاءها بمفردها سوف يؤدي بها إلى التلاشي عن الخريطة الاقتصادية. وهذا التكتل والاندماج بين المنشآت الاقتصادية في أنحاء العالم له فوائد عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر: 1- تطوير أعمال المنشأة وتوسعها عن طريق التوجه للاندماج لمواجهة التكتلات المنافسة. 2- الاستفادة من خبرات واستراتيجيات المنشآت المندمجة مع المنشأة. 3- زيادة قوة المنشأة بالدخول في شراكة مع كيانات أخرى له طرقها. 4- انتشار منتجات وخدمات هذه الشركات المندمجة في أسواق كثيرة مما يؤدي إلى كثرة التوزيع وزيادة الدخل. 5- تحقيق التعاون والتكامل فيما بين الشركات مما يؤدي إلى تطور خدماتها ومنتجاتها. لقد زادت عملية اندماج الشركات والمؤسسات بصورة كبيرة وفي مجالات كثيرة ومتعددة. وهناك أمثلة كثيرة على هذه الاندماجات ففي المجال النفطي تم اندماج شركتي برتش بتر وليوم BP وأمكو AMOCO، وبلغ رأس مال الشركة الجديدة ما يعادل 110 مليار دولار. وبواسطة هذا الاندماج ستحقق الشركة الجديدة أرباحاً سنوية كبيرة وسيتسع نشاطها في قطاع النفط والطاقة. وفي المجال الإعلامي فقد اندمجت شركتا CNN و TIME مما يؤدي إلى السيطرة على الخطاب الإعلامي. وهذا يؤثر على توجيه الرأي العام مما يحقق لهم مصالح اقتصادية معينة، إضافة إلى هذه المجالات فقد امتدت عملية الاندماجات إلى قطاعات أخرى مثل الطيران وشركات صناعية وخدمية، ويجري التخطيط حالياً لاندماج شركات في مجال الاتصالات والبنوك والمكاتب الخدمية والمحلات التجارية ومراكز التدريب. يعني ذلك إدراك مثل هذه المنشآت لأهمية الاندماج مع غيرها. من المهم أن تدرك منشآتنا الوطنية أهمية تكوين تكتل فيما بينها يكون قادراً على التعامل مع التحديات وتحويلها إلى فرص حقيقية للنمو والتطور خلال المرحلة المقبلة خاصة وأن ذلك سيحقق العديد من الأهداف كتوحيد الأنشطة والجهود والتوسع لمواجهة التحديات الاقتصادية وتعزيز القدرة التنافسية في الأسواق المحلية ودفع عجلة الاقتصاد الوطني وضخ المزيد من رؤوس الأموال والمدخرات المحلية العالمية في أوعية الاستثمار دعماً لاقتصادنا الوطني. مدير دار الخليج للبحوث والاستشارات الاقتصادية