عندما نتحدث عن ظاهرة البطالة فذلك لأننا نؤمن بأنها مشكلة ما كان من المفترض أن تتسع دائرتها طوال السنوات الماضية لتصل إلى هذا الحد الذي يؤلم ويحبط كثيراً من الخريجين وطالبي العمل سنة بعد أخرى، حيث لايزال البحث عن وظيفة هو مصدر الأرق الأكبر لأعداد بلا حصر من الشباب، وترتفع نسبتهم سنة تلو أخرى؛ لأن أعداد الخريجين في ازدياد، ولأن ثقافة رفض العمل تتحدد في كثير من المؤسسات الخاصة وأحياناً الحكومية، إضافة إلى أن بعض الخريجين يضعون خياراتهم في مكان واحد وعلى عمل واحد من دون تفكير في كسر حواجز الروتين وإيجاد حلول تناسب الحاجة والمرحلة الحالية. وبالرغم من النمو الاقتصادي الذي تشهده المملكة واتساعه وتنوعه وانفتاحه، إلا أننا مازلنا لم نتمكن من استيعاب حجم ظاهرة البطالة التي تزيد كل عام بازدياد أعداد الخريجين من الجنسين وقلة إيجاد فرص العمل المناسبة لهم، والتي تحاول الجهة المسؤولة جاهدة إيجاد الحلول المناسبة لتقليص أعداد العاطلين عن العمل، ومازلنا في أعمالنا نعتمد على عناصر مستوردة لا تبدو الحاجة ماسة وملحة لها، ولاسيما أنها لا تتفوق على العناصر المواطنة إذا تم تأهيلها للعمل المطلوب، حيث تحولت ظاهرة البطالة التي تحبط المواطنين الباحثين عن عمل إلى آفة ذات تداعيات اجتماعية واقتصادية وأمنية خطيرة، وصار الشباب العاطل طوابير طويلة في انتظار الوظيفة، وبما أننا نعيش عصر الثورة التقنية الهائلة في جميع المجالات، وطفرة الانفتاح والتفوق المعرفي والتقني، الذي أدى إلى زيادة حجم المطالب والأعباء الإنسانية، حيث جاءت التقنية لتشكل واقعاً علمياً فعالاً يتواءم مع كل المتغيرات المختلفة، وتعالج الكثير من القضايا في كافة ميادين الحياة، وبما أن قطاع العمل هو المعني بذلك، والذي يعتبر القطاع الأهم والركيزة الأساسية لبناء وتطوير وتنمية أفراد المجتمع، لذا كان لزاماً عليه مواكبة العصر وإصلاح الخلل بطرق إلكترونية أكثر ملائمة للواقع الملموس، معتمداً على استخدام التقنية الحديثة، عن طريق إنشاء مركز معلومات موحد ومتكامل على مستوى المملكة يربط بين مراكز المعلومات في القطاعين العام والخاص ومراكز المعلومات ذات العلاقة بمخرجات التعليم، وذلك ضمن شبكة واحدة، لإتاحة الحصول على المعلومة الحديثة والدقيقة عن العاطلين من الخريجين والشواغر ووضع التعليمات المناسبة على ضوء المعلومات المتوفرة، ومن ثم تبادلها ومعالجتها وتطويرها وحفظها واسترجاعها بصورة فورية، بما يضمن سهولة انسيابها للمستفيدين بالقطاعين العام والخاص، حيث سيوفر مركز المعلومات سهولة المتابعة لسير عملية التأهيل والتوظيف والسعودة، بشكل منظم ودقيق ومنسق مع الجهات ذات العلاقة بعيداً عن العشوائية والإزدواجية، كما سيوفر المركز البيانات الإحصائية الدقيقة، التي من خلالها يتم معرفة عدد الشواغر في القطاع الخاص من شركات ومؤسسات، وكذلك معلومات عن الخريجين في نهاية كل عام ومؤهلاتهم وتخصصاتهم وبرامج تدريبهم، الأمر الذي يجعل تأهيل العاطلين ومن ثم توظيفهم أمراً سهلاً ومنظماً مما يؤدي لتقليل حجم البطالة، وكذلك دعم عملية اتخاذ القرارات وتحسين أداء الإدارات ذات العلاقة بالسعودة، ورفع مستوى الاستفادة من المعلومات المتوفرة بالطرق العلمية الحديثة، ولكن يجب علينا ملاحظة أن مثل هذه الدراسات والإحصائيات أياً كانت دقتها وموضوعيتها، فإنها لن تقدم أو تؤخر قضية البطالة وتحلها ما لم تضع وزارة العمل يدها، وتعمد إلى توظيف كل مواطن جاد تقدم بطلب وظيفة وسجل لديها أياً كانت مؤهلاته، أو صرف إعانة بطالة له لحين حصوله على الوظيفة المناسبة، وذلك عن طريق إيجاد برنامج أو آلية لصرف مبالغ مالية للعاطلين عن العمل المسجلين لديها ولم يجدوا فرص عمل مناسبة لأسباب خارجة عن إرادتهم، بحيث تنحصر هذه الإعانة في فترة زمنية محددة وتقتصر على الجادين في طلب الوظيفة، وعلى قدم المساواة بين الرجل والمرأة، وإن كانت الجهة المعنية تصارع عراقيل كثيرة مشبعة، عراقيل ذات صلة بنظام التعليم ومخرجاته، وعراقيل تتصل بجهات أخرى تنازعها في بعض صلاحياتها، وعراقيل تتصل ببعض مؤسسات القطاع الخاص التي تتخذ موقفاً سلبياً من سعودة الوظائف وتوظيف الخريجين بحجة عدم تأهيلهم وقلة خبرتهم... الخ، كل هذه العراقيل بلاشك تتسبب في ظاهرة البطالة وتزيدها، ولكن مشروع إعانة البطالة وتسخير التقنية لإنشاء مركز معلومات عن الخريجين طالبي العمل والعاطلين من الشباب سوف يقلص حجم المشكلة ويزيد من نسبة التأهيل والتوظيف والسعودة ويأخذ بيدهم ويضعهم في قلب سوق العمل وتقريب المسافة وتقليل الفجوة بين نسبة البطالة ونسب الباحثين عن عمل، خاصة وإننا نعيش في بلد يزدهر بالأعمال والتجارة في مختلف المجالات العصرية، لذا فإن المرحلة الراهنة باتت تتطلب سن القوانين التي تلزم القطاع الخاص بتوظيف المواطنين خصوصاً وأن الدولة قد قدمت للقطاع الخاص العديد من التسهيلات ومنها إعفاءه من الضرائب، فلتكن الضريبة في المقابل - إن صحت تسميتها - تشغيل المواطنين في هذه الشركات والمؤسسات، وهذا سيضع حداً لظاهرة البطالة بما يكفل تقليصها ومن ثم القضاء عليها ! ... د. عبدالله بن سليمان العمار د. عبدالله بن سليمان العمار e-mail: [email protected]