الأولاد الذين قيل عنهم: مجبنة مبخلة، لأن محبتهم والحرص عليهم، مما يجعل الإنسان يصاب بالجبن والبخل، خوفاً عليهم، وزيادة في الحرص عليهم، هؤلاء الأولاد مسؤوليتهم في التربية، وحسن التوجيه كبيرة، وإعدادهم الإعداد الحسن،ورعايتهم جسمانياً عند الصغر، وتعليمياً في مقتبل العمر، وأخلاقيا في سن المراهقة، كل هذا يتطلب جهداً من الأبوين، واهتماماً بالتوجيه: شدة من غيرعنف، وليناً من دون ضعف,. كما هي شعرة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه . ذلك أن الأب بحسن قدوته وعمله،والبيت بالتفاهم في جنباته، والأسرة بترابطها وحرصها على القيم المحمودة، والتأدب بالآداب الحسنة، كل هذا له انعكاسات طيبة على مسيرة الابن ونموه الفعلي والحسّي، واهتمامه بكل حسن تتجه إليه أنظار الأبوين، استقامة وحسن أدب كما قيل: وينشأ ناشئ الفتيان منّا على ما كان عوّده أبوه فهم زينة الحياة الدنيا، إذا استقاموا على الحق، وعرفوا ما أوجب الله عليهم، نحو دينهم وأبويهم، وهذا أول ما يجب أن يحرص عليه الوالدان، وتمكينه من أبنائهم، في السلوك والعمل,, يقول سبحانه:آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً (النساء:11). ونفع الأولاد جزء من صلاحهم الذي تقوّمه التربية الإسلامية، وترفع قيمته ما تحرص عليه تعاليم الإسلام وعباداته، من تهذيب للطباع، وتعويد على العادات الحسنة والاخلاق التي ترفع مكانة الفرد، والجماعة : استقامة وفلاحاً. أما إذا ضعفت الرعاية، وتخلخل البيت، وانقلبت الموازين، بحيث أهمل الولد في سن تفتحه عن حسن التوجيه، أو نشأ في بيئة لا تعرف التوجيه، ورأى القدوة السيئة بالعمل والقول: فإنه يتحول إلى عدو يخشى منه، منحرف عن الطريق السوي، ليكون عاقاً لوالديه,, غير مستجيب للإرشاد في أمور دينه والمحافظة على شعائر ربه، كما قال سبحانه:إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم (التغابن: 14). فالابن إذا لم يتخلق بآداب الإسلام، ولم يكن في تعامله مع أبوية منطلقا من تعاليم هذا الدين وأوامره، التي يتلقاهامن أبويه في البيت، ومن أساتذته في المدرسة، فإنه يكبر وتنمو معه العداوة لوالديه، ليكون فتنة يشغلهما هاجساً ومتابعة وإحساساً، عن الأمور التعبدية، بل قد يكون هذا الابن ضاراً بوالديه، جالباً لهما المتاعب والمشكلات، بتصرفاته وآثاره حول نفسه ومجتمعه,. وكان بعض السلف يكرر في دعائه: اللهم لا تجعلني ولد سوء، ولا والد سوء,, فالولد السوء يرهق والديه، وتسوءهما تصرفاته، والوالد السوء، ينعكس أثره على أولاده، فيقلدونه لأنهم يرونه نموذجهم، الذي تفتحت عيونهم على تصرفاته,, وقد جاء في قصة الخضر مع موسى عليهما السلام، والولد الذي قتله الخضر، وقال معللاً السبب فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً (الكهف:80). وإذا كانت شريعة الإسلام، بمصدريها : كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تدعوان الأبناء إلى التأدب بآداب دين الله، والتخلق بحسن الأدب مع الوالدين، تقديراً لمكانتهما: في القول والعمل، وفي البر والإحسان، فإن على الآباء والأمهات، واجبين في رعاية أولادهم: الأول: إكثار الدعاء والابتهال إلى الله بصلاحهم، واستقامتهم على تعاليم دينهم: مواظبة وأدباً واستقامة على المنهج السليم امتثالاً لأمر الله، حتى يكونوا قرة عين لقوله تعالي:والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين (الفرقان:74). ويتبع هذا الدعاء، حمد الله وشكره إذا رأى منهم بادرة خير، وسؤال الله الزيادة وعدم الاستهزاء أو الشماتة إذا رأى انحرافاً من بعض الشباب، حتى لا ينعكس الأثر على أولاده، لان من شمت بأخيه، قد يعاقبه الله ويبتلى الشامت بهذا العيب، ولا ينسب الأثر الحسن على أولاده بجهده واعماله، بل ينسب ذلك لله سبحانه، عرفاناً بفضله وشكراً له على هذه النعمة التي هي من الله, وبالشكر تدوم النعم ويزيدها الله: نعم الإله على العباد كثيرة وأجلهنّ نجابة الأولاد الثاني: توجيه الاولاد برفق وأدب، واعتبارهما كإخوة يتعامل معهم بما يتناسب مع مداركهم، مرحلة مرحلة، وضرب النماذج المحسوسة المشجعة، وإعطاء الفرص للتعبير عن خلجات النفوس، بالحوار والنقاش كالند للند فإن للآباء دوراً في تنشئة أبنائهم على حسن الأداب وكريم الأخلاق، واكتساب عواطفهم، حتى يصبح الأدب جزءاً من كيانهم: طبعاً غير متكلف، ومنطقاً سليماً، يبرز أثره لديهم، وتكبر نتائجه يوماً بعد يوم، نجابة يعتزون بها، وخلقاً يتجملون به، وطباعاً تبرز رجولتهم المبكرة يُثنى عليهم بها في المجالس والمنتديات، مما ينشرح له صدر الوالدين. إن الأبناء، كلما حرص الوالدان عليهم: ذكوراً وإناثاً منذ تفتحت فيهم البراعم لتلقينهم: حسن التعامل مع الآخرين، وعدم التكبر والاستعلاء والتأدب في الحديث، واحترام الأكبر منهم وانزال الناس منازلهم،وحسن الإجابة عندما يتكلم من هو أكبر منهم، فإنما يغرسان فيهم بذور الخير، التي يأخذها الأبناء جزءاً من كيانهم، مثلما يغذيه الوالدان بحسن الطعام وأجوده، ومثلما يحرصان على توفير متطلبات الحياة العديدة له، في البيت والمدرسة، تلك الأشياء التي يعتدّ بها الابن، ليفاخر بها مع أقرانه، فإنه لن ينسى مع حسن الرعاية، وإحسان الوالدين إليه: الإشادة بهما، وتقدير دورهما نحوه. فالأبناء مع أبويهم كالأرض مع المزارع، فإن اهتم بأرضه، وأجاد في رعايتها والعناية بها، جاد نبتها، وطاب ثمرها، وإن أهملها، وخفّ ميزانها عنده، لن يجد فيها ما يسره، غير الشوك وسيئ النبات,, لأن كلاً من الطرفين: يحصد مما بذر,, فإن اجتهد وبذل شيئاً نافعاً مفيداً، فإنه سيحمد العاقبة في الحصاد، وإن أهمل أو زرع شيئاً رديئاً ولا نفع فيه، جاءه من المحاصيل نوع مما زرع جنساً وطعماً، فلن يحصد قمحاً أو أرزاً من بذر ذرة أو شعيراً، لأن الجزاء من جنس العمل. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم: أن كل مولود يولد على الفطرة اي أنه قال من كل شائبة، قابل للخير إن وجه إليه، قريب من الشر إن لم يحسن الأبوان: رعايته وتعليمه،والعناية به فأبواه يهوّدانه أو يمجسانه أو ينصرانه الحديث,. وهذا الحديث يبين الدور الكبير الملقى على عاتق الأبوين في تربية الأبناء، فقد يحرفانه على المنهج السليم والفطرة التي فطره الله عليها,, ولذا فإن الواجب على الأبوين رعاية هذه الأمانة، وهم الأبناء، وتوجيههم التوجيه السليم، حتى يكبروا على ما تعودوه من أبويهم، بدءاً بالعقيدة والعبادات، وحرصاً واهتماماً بها في وقتها، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا أبناءكم بالصلاة لسبعٍ، وأضربوهم عليها لعشرٍ، وفرقوا بينهم في المضاجع ,, وهذا الأسلوب من أهم آداب التعليم تربوياً، في سن التفتح الذهني والقدرة على الفهم والاستيعاب. وما ذلك إلا أن الأبناء، عند سن النضج، وتفتح الذهن على المعرفة، يرون المثالية في الوالدين قدوة تؤدى بالعمل وأدبا يؤخذ بالمحاكاة والتقليد والمثل العربي يقول : كل فتاة بأبيها معجبة,, وكثيرا ما نرى الأطفال قبل أن تنطلق ألسنتهم بالكلام, يحاكون آباءهم وأمهاتهم في كيفية الصلاة، وأدائها والاتجاه إلى القبلة ، وافتراش سجادة الصلاة، والبنت تلبس الحجاب، ورداء الصلاة الساتر,. وهذا من حسن الأدب الذي تعودوه من الأبوين، لأنهم يرونهم يهتمون بهذه العبادة، ومثلها سائر العبادات ولا ينبغي أن تفوت هذه الفرصة على الأبوين، بدون تمكين ما يجب إيصاله لأذهانهم، وغرس الفضائل والقيم كجزء من التعليم المبكر، الذي تتمكن جذوره لأن العلم في الصغر كالنقش في الحجر. فلا يرون من أبويهم، ومن هوقريب منهم إلا ما فيه الخير والنفع,, ليكبر الأبناء، ويكبر معهم هذا الأثر،أما إذا حصل العكس في الشيء الذي يحسن إبعاده عن الأبناء، فإن شخصية الأبناء تصبح مهزوزة، وأعمالهم متأرجحة، بين مثاليات تلقى عليهم نصحاً وتوجيهاً، وأعمال يرونها مناقضة لها,. فالأبناء يأخذون بالمحاكاة والتقليد عن أبويهم ما يقومون به من عمل ويرسخ في قلوبهم ما يقرع آذانهم من كلام سواء كان حسناً أو غير حسن,. فإذا كان الأب ممن ابتلي ببعض المعاصي كالتهاون في الصلاة أو مشاهدة المناظر غير الحسنة من التلفاز، أو شرب الدخان وغير ذلك من الأمور وكذلك الأم، فإن الذي يجب تعويد النفس عليه، ترك تلك الأشياء أوالاختفاء عنهم في حال فعلها، حتى لا يأخذها الابناء دروساً غير حسنة، وطباعاً تعلموها من أبويهم عملاً أو نطقاً لأن الولد يقلد أباه والبنت تحاكي أمها. كما يجب أن يكون من حسن التربية للأبناء: مثالية الأبوين بحسن الخلق، وحسن النطق، وعدم بذاءة اللسان سباً وتطاولاً وألفاظاً بذيئةً وألا يجاهر الوالدان بما بليا به من أمور تتعلق بحسن الخلق، وأدب الحديث وغير ذلك مما يبرز أثرهم في الأبناء وتربيتهم. والمدرس كالأب بالمنزلة في التعليم، مع الصغار في المراحل التعليمية فلا يأمر تلاميذه بالصلاة ويتكاسل عنها ولا يحذرهم من الدخان، وهو يدخن أمامهم، ولا ينفرهم من الكذب، وهم يرونه يكذب عليهم حتى لا يتحقق فيه قول الله تعالى: كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (الصف:3). ولكن إذا بليتم فاستتروا,. فالصغير ذاكرته الصافية،ترصد بإحساس ودقة كل ما يمر به ويتأكد عنده ما يرى فيه تناقضا يبلبل فكره، ولا شك أن الآباء يحبون لأبنائهم أعلى المراتب، وأسمى منازل الأدب وحسن التربية، لأنهم جوهرة ثمينة عندهم، وصفهم الشاعر بقوله: وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض إن هبّت الريح على بعضهم لم تنطبق عيني من الغمض وحتى يتحقق هذا فإن دورهم أن يربطوا حرصهم على العناية بصحتهم وغذائهم، بالعناية بعقولهم وتصفية أذهانهم وملئها بما فيه النفع والفائدة حتى تقرّ عيونهم بحسن النتيجة. ولذا فإن من الواجب على الآباء مساعدة أبنائهم في انتقاء الأصحاب لا تركهم يتخبطون في العلاقات فإن الأبناء يتأسون بزملاء الدراسة ورفقاء المجتمع فالنوعية الخيرة من أعظم زينة الحياة لأن الوالد يجب أن يكون صديقا لابنه يفهم آراءه ويساعده في تخطي الصعاب، ويبصّره بالصاحب الذي يعينه على الخير. فيحسن بالأب أن يعطي أبناءه المعلومات والتوجيهات، بصوت منخفض، ويلقنهم الآداب بلطافة، وحسن تعامل، ويناقشهم في دروسهم وهواياتهم ويقرب لهم الأمور بأمثلة مقنعة محسوسة تثبت في القلب. والأم يجدر بها أن تجد فيها ابنتها النموذج الحسن والرأي الناضج: تخلقا بآداب الإسلام وتطبيقا لمنهجه في شؤونها وعدم تبرجها أوعدم التجول في الأسواق لأن من أدب الإسلام الذي أدب به نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين تبع لهن، الأمر بالاستقرار في البيوت، وعدم التبرج والحرص على الستر، والحجاب الذي أمر الله به، وعدم الخضوع في القول: صوتا أوحركة حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض يقول سبحانه : وقرن في بيوتكن، ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى (الأحزاب:33). والبنت كما يقال قدوتها أمها,, وتنغرس طباعها فيها، حيث تسري أعمالها وأقوالها في ابنتها، وما تغرسه الأم فيها من أدب رفيع، يبرز عند البنت، وينمو معها في حياتها الزوجية إما سعادة وتفاهماً أو نكداً وسوء عشرة مع الزوج,, مما يبين اثره في تربية الأبناء، واستقامة أخلاقهم، ونتائجهم المدرسية، إن لم يبن ذلك في الجوهر، وهو الالتزام الديني. ولا ينسى الآباء أن ما يبذلونه بالتعاون مع المدرسين سيجدون أثره برا بالآباء وتأدباً معهم حتى يتواصل الفرع بالأصل كما جاء في الحديث الشريف: برُّوا آباءكم تبرُّكم أبناؤكم . فالأبناء في حداثتهم صفحة بيضاء نقية تتقبل أذهانهم ما يرسمه الآباء فيها: ذكوراً وإناثاً ,, وعلى الأولياء أن يحرصوا بملء هذه الصفحة بكل أمر حسن، وبتأصيل قيم الإسلام وآدابه، في نفوس أبنائهم خلقاً وعملاً لأن من شب على شيء شاب عليه,, وعند الصباح يحمد القوم السُّ رى. فرج بعد شدة ذكر البيهقي ان رجلا كان ينزل على نهر المهدي وكانت عليه نعمة فزالت، فلم يقدر على شيء فمطر الناس ثلاثة أيام متتابعة فبقي في منزله لا يقدر على الخروج فأضر به ذلك, وبلغ إليه الجوع وإلى عياله فلما كان آخر الليل جاء إلى البقال بقصعة له ليرهنها عنده على خبز، فانتهره البقال وقال : ما أصنع بهذه القصعة وأبى أن يعطيه عليها شيئاً. فعاد إلى منزله مغموماً لا حيلة له، فرفع يديه إلى السماء وقال : اللهم سق إليّ في هذه الليلة عبداً من عبادك تحبه يفرج عني ما أمسيت فيه, فما شعر إلا والباب يدق فإذا رجل على حمار قد حفّ به خدم فقال لي : كم عيالك؟ قلت : كذا وكذا ,, فأعطاني كيساً قدّرت أن فيه خمسة آلاف درهم فقلت: الحمد لله الذي اسجاب دعائي وفرّج عني فقال لي : وما كان قولك ودعاؤك؟ فخبّرته الخبر بصنيع البقال، وما دعوت الله جلّ وعزَّ به فاستحلفني بالله أني دعوت بهذاالدعاء فحلفت له. فأمر لي بمائة ألف درهم, فسألت بعض أولئك الخدم عنه لأعلم : هل يقدر على ما أمر لي به أم لا ؟ فقال : هو الفضل بن يحيى بن خالد، فسكنت إلى ذلك، وانصرفت إلى منزلي ، ثم لما أصبحت مضيت إلى قهرمانه، فقبضت منه المال. ثم قال البيهقي: حدثنا رجل من جيراننا، أن الفضل بن يحيى ، مرّ في يوم صائف اي حار منصرفا من المدينة، يريد منزله، فقال الرجل: لا والله إن في منزلي قليل ولا كثير. فعطس الفضل، فقلت : يرحمك الله، وقد كان سمع يميني، فأمر بعض غلمانه أن يحملني معه على دابته فلما صار بي إلى قصره أخرج إليّ خمسة آلاف درهم وعشرة اثواب فانصرفت إلى منزلي: فقالت لي امرأتي: والله لقد خرجت من عندنا، وما تملك قليلا ولا كثيرا فمن أين سرقت هذا المال؟ قال : فأعلمتها القصة، فلم تصدق قولي، واستراب الجيران لحالي، وتناهى الخبر إلى السلطان فطمع فيّ وأخذني فحبسني,, فقلت له : إنه كان من أمري كيت وكيت,, فانتشر خبري وما وصلت إليه إلى الفضل ,, فأمر بإحضاري,, فما أحضرت أمامه، ورآني عرفني وأمر بإطلاقي وأحسن إليّ، ووصلني بخمسة آلاف أخرى، وبعشرة أثواب ,, وقال : تعهّدنا بين وقت وآخر ننفعك فلم يزل نفعه مستمراً حتى حدث من أمرهم ما حدث (المحاسن والمساوى 1:330 332).