الأسئلة التي توجه حول بعض المعاني في مفردات العرض في المسرح النظري الحديث تبدو لغير الممارسين قليلة الأهمية لكنها للمحترفين تعني الوصول لمهنيات تجعل الابداع نفسه مؤطراً بالمهنة وهذه بعض الأسئلة والأجوبة التي تمتد للسياق السابق انشرها في مجموعة مقالاتي حول المسرح الحديث,, وقد صغت الأسئلة لتكون في منطق يحتمل المنهجة لكنها لم تخرج عن فحوى السؤال واطاره المعرفي, جاء السؤال التالي حول الحديث عن العلاقة بين الدراما بمعنى الأفعال المتوالية تصاعدا والحالة المسرحية وهل تصاعد الانفعال من خلال تصاعد الحدث يؤدي للحالة المسرحية أو كما يسميه البعض الطقس المسرحي في النفي , وفي نقاش هذا السؤال العريض لن أقول ان الدراما لا تؤدي الى طقس ولا أقول ان الدراما بالضرورة تحضن طقسا مسرحيا,, ولا أقول ان تصاعد الحدث ينتهي حتما الى الحالة المسرحية التي تندمج فيها عناصر المسرح, وفي هذه الخطوط نكون أمام حل وسط في التنظير للقضية وهو ان الدراما قد تفعل طقسا لكنها قد تعبر بدونه كما في السينما والتلفزيون أما على المسرح فيمكن للكاتب والمخرج الماهر تصيد طقس فعلي وتعميمه ليكون مرحلة القمة التي ينفي فيها المشاهد نفسه من الحدث,, قد يتفاءل البعض بهذا الكلام خصوصا من المدرسة الحوارية في المسرح لكني احسب انهم يخطئون لأن الحوار لم يأت بالطقس يوما,, وارجو ان لا تجادل في أعمال شكسبير وبالذات مشهد هملت أمام جسد عمه أو عطيل أمام ديزدمونة أو لجنازة في ريتشارد الثالث وهي في الحقيقة من الأعمال الشكسبيرية التي يمثل بها المدرسيون للوصول لمعنى الطقس المسرحي,, الحقيقة ان هذه الأعمال الخالدة اعتمدت القوة الشعرية لتفعيل الحدث وهو موضوع لا يجادل أحد بأن شكسبير استاذه ومرشده وان شكسبير نفسه لم يكن يخفى عليه ما في الحدث من لحظات خارج الحوارية فكان يعم الصمت في المسرح تماما للحظات كما ترى في مشهد هملت بعد قتل عمه أو في لحظات انتظار أبيه وتعبيره الصامت الرهيب هنا وفي مشهد الأشباح وفي مشاهد أخرى كانت براعة التعبير الشكسبيري توصل بها الى الحالة التي نتحدث عنها وهي نفس أيضا في نفس المشهد بعد قتل ديدمونة في قمة الفعل المسرحي, الجانب الثاني من السؤال عن ما بأيدينا لخلق هذه الحالة,, وقد يوافق الجميع ان المخرج الحصيف وهو يقرأ أي نص جديد فهو يعرف ان هناك فراغات تركها المؤلف لتوليد الطقس المسرحي وهي في غالب الأحيان تلي مناطق الفعل الشديد المؤكد لأنه يصلح نابضا لرفع الجانب الروحي في الحكاية المسرحية, يتولد من هذا سؤال هل نتوقع مسرحا من فراغ خصوصا انها لا توجد تجارب ولا يوجد مجتمع مسرحي بعناصره, نعم ولكننا نسمي هذا عرضا أما ان نقول مسرحا فان الأمر يلزمنا ان نعرف الفرق بين المسرح والعرض, ومن هنا لا نخلط عمومية الفن بالمفهوم المسرحي الذي هو توليد حالة,, والحالة مصدرها التمثيل اذ اننا مهما بالغنا في المعطيات المسرحية تبقى أيدينا صفرا من الطقس اذا لم يفعله ممثل لأنه روح والروح لا توجد بمعناها الفني في الأشياء الجامدة لأن مصدرها الانسان, هل يستطيع أي ممثل خلق الروح التي توصله للطقس,, اذا عدنا لمفاهيم المسرح الحديث وبالذات بحوث الذاكرة العاطفية لستنسلافسكي ومن تلاه ستجد ان تصنيع الممثل للحدث مسألة جسم وذهن وان عمل الاثنين معا يؤدي لتجارب خارقة بحكم قدرة الجسم على الاستجابة للعقل, ثم انه بتكرار التمرين والممارسة يمكن للممثل الوصول الى مستوى عال من الاحترافية التي يستطيع بها توليد الطقس من دراما الفعل, ومن هذا الباب فان الورش الملتزمة تكون مكانا رائعا للوصول للفهم المسرحي والتطور المهني وتخرج المشترك في فعالياتها الى عالم ابداعي روحي رحيب الأفق, من جانب ثان في نفس السياق سنجد ان التدريبات التي يقوم بها المخرج بتلقين الممثل دوره كما يلقن المدرب طائر الببغاء أو قرد الشمبانزي ليست هي الطريق المثالي للوصول الى مهنية تخدم المسرح على المدى الطويل, سيقول البعض ان الورش غالبا تكون دراسية طويلة الأمد وهذه حقيقة لكن ممثل الورش يخرج من عالم الملقن الى عالم المبدع لأنه يعرف ان نجاح عمله لا يعتمد على الكيفية التي يمثل بها المخرج الملقن وهو يلقنه الدور بل يعتمد على الكيفية التي يولد بها هو طقسا مسرحيا فاعلا, ومن الأسئلة المهمة في سياق تحريك طقس مسرحي ادعاء بعض الممثلين ان الدخول الى طقس مسرحي بالفعل أمر عادي لكن الانسحاب من الفعل الشديد يحتاج الى خبرة لأن تلبس الفنان للحالة يعلقه في أشد حالات الحدث, وقد يكون هذا الكلام مقبولا من مبتدئ لكن ممثلا محترفا يدخل الطقس ولا يخرج منه يخلق لنفسه مشكلة اذا لم يكن لديه أسلوب الخروج, تتاح الورش الآن في أكثر من مكان في المملكة تقوم على اجتهادات فردية هنا وهناك لكن منهجا وضحا لا يزال لا يجد لادارة عمل الورش التي لا تقوم على قيادة فنان أو مخرج واحد وسيكون لهذا حديث آخر ان شاء الله,