"لكع بن لكع" عنوان مسرحية قدمتها لجنة الثقافة والفنون معلنة عبرها بدء الموسم المسرحي للعروض الداخلية. وقبل ان تجلس على مقاعد المشاهدين عليك الإلمام بخلفية عن المسرح السعودي الذي لم يواكب بقية المسارح العربية، سواء المجاورة في دول الخليج أو البعيدة في بقية الدول العربية. ويملك المسرحيون اسباباً عدة يمكن سردها على مسامعك في حال التساؤل عن ذلك التأخر. ومن غرائب المسرح السعودي ان التجريب فيه يصل حد الدهشة كما فعل راشد الشمراين في بداياته المسرحية قبل ان تسرقه الشاشة الفضية من خلال ادوار هامشية يقدمها في المسلسل السنوي "طاش ما طاش". كما ان هناك تجارب مدهشة لورشة المسرح في جمعية الثقافة والفنون في الطائف والدمام... وما عدا هذه التجارب فالمسرح يدخل في مرثية طويلة لن تنتهي إلا في إعادة دراسة وضع المسرح. وفي عودة الى مسرحية "لكع بن لكع" نجد اننا نقف امام مسرحية عادية تماماً لم تفلح "خفة دم" بكر الشدي من تحريك الحدث البارد. وجاءت الكلمات كليشهات تستدر تصفيق الجمهور، كان الجمهور فرحاً بمشاهدة مسرح بغض النظر عما يقال فيه. وربما السبب حداثة الجمهور في التعامل مع المسرح تعاملاً مباشراً يجعل بعض الحركات المتكررة في المسرح العربي يقابلها التصفيق من الجمهور. وهذا ليس دليلاً على عمق ما كان يطرح، إذ استعارت المسرحية مواصفات المسرح الخاص الذي يستهدف الضحك من اجل الضحك، وإن كانت هناك بعض الرسائل التي تعني الشباب فهي اشارات ذائبة ربما اوجدت من اجل ان تحصد التصفيق... بنية النص المسرحي بدت ضعيفة ومستهلكة وربما تعفينا كلمة المؤلف في "الكراس" عن تشريح النص فنياً. فالكاتب محمد بن خالد ويبدو انه كاتب جديد، فاسمه غير متردد في الأوساط المسرحية او الكتابية. وهو حين سجن كلمة عن النص قال: "اوجدت "لكع بن لكع" وأمثاله وما تحتويه المسرحية من طروحات وأفكار كفيلة بتقديم النص الى المشاهد كعمل مسرحي يسجل تلك الحقبة من تاريخنا المعاصر. وتوخيت ان يكون الحوار باللهجة العامية لسهولة المعالجة الدرامية ولأنها اكثر تأثيراً ووصولاً الى السواد الأعظم من الناس، ممّا افسح المجال للمشاهد ليطلع بنفسه على هذا العمل البسيط". ولعلّه عمل أنصفه مؤلفه بكلمة بسيطة، فالتصاعد الدرامي متهافت، واللعبة المسرحية مكشوفة، ويمكن الوصول إليها من غير مجهود فكري في كيفية التصاعد والتنبؤ بمسار الحدث... قامت المسرحية على لعبة "الفقر والغنى" وكيف يتحول "خراش" بكر الشدي من شخص معدم الى شخصية غنية غنى فاحشاً ليبدأ في تغير نمط حياته، بدءاً من تغير اسمه من "خراش" الى "لكع بن لكع". ومع ذلك التغير تتحول نظرته الى الحياة ويبدأ بالبحث عن افراحه الخاصة الزواج والسفر الى اقطار الأرض والاستمتاع بثروته الطائلة ورفضه سماع النصائح من خلال صديق الصعلكة والجوع والعوز "طخيمان" علي ابراهيم. تفترقان من خلال مشهد بائس لم تفلح مقدرة الممثلين الشدي وعلي ابراهيم في النهوض به، من ثم مشهد يجمع كلاً من بكر الشدي وعلي المدفع في حوارية سمجة تنتهي بطلب الشدي الزواج من ابنة ابو صالح وتدور الحوارية في تبرير طرد صديق العمر طخيمان. وبعد طلب الزواج يغادر المسرح مؤدياً أغنية ركيكة. وعندما يجد "لكع بن لكع" نفسه بلا مدير يدير امواله يلجأ الى موظفه المصري مصطفى الممثل احمد العليان. وقد حاول ان يستنطق الشخصية المصرية بخفة دمها وحركات الفهلوة. لكن تشبع الجمهور من هذه الشخصية التي سلكت مسلكاً واحداً في الكوميديا العربية حال دون رقيها ودون اداء الدور الذي كان يجب ان يكون بعيداً من الانفعال الزائد وتقليد نمطية الشخصية الكوميدية المصرية. وما ان يعلم رفاق الصعلكة بما وصل إليه صديقهم "خراش" من غنى فاحش حتى يصبح هدفهم. فيتدخلون في حياته ويقنعه احدهم "حنش" قام بالدور محمد الكهل في ان يكون مدير اعماله لتبدأ عملية الابتزاز من خلال مشاريع وهمية تجمع على إنجازها حنظل ابراهيم العبيد وحنش ومصطفى وميشال والأخير شخص لبناني... وينتهي هذا التجمع بإفلاس "لكع بن لكع" ويعود في مشهد ضعيف للغاية وهو يقوم بتدريب مجموعة من الشباب مظهراً الجنون تهرباً من الدائنين. ويدخل طخيمان علي ابراهيم في مشهد وعظي بعدما سلط عليه الضوء ليقول: "هذه نهاية الجشع" وتنتهي المسرحية. لعل هذه التوليفة من الأحداث الباردة هي التي قامت عليها المسرحية، لتنتهي بالتصفيق الحار لكل الممثلين بالتساوي. ويبقى السؤال: ما الذي أقحم بكر الشدي للدخول في مثل هذا النص، وهو الممثل الناضج والقادر على إيجاد نص يليق بتاريخه في مجال التمثيل؟ وهذا السؤال ليس مقتصراً على بكر الشدي. فممثل قدير وله خبرة طويلة في مجال التمثيل ويعتبر احد الرواد في هذا المجال كالممثل علي ابراهيم ينجرف في اداء تمثيلي متواضع غلب عليه الارتجال والأداء في صورة مفارقة عما عُرف عنه. ولم يستطع المخرج سمعان العاني خلق اجواء يمكنها تحريك ركود الأحداث. فاستجاب للنص استجابة تكاد تكون "كربونية". وهذا ينسحب على الديكور والموسيقى... ويظل هناك سؤال واقعي: ألا يوجد شيء لافت في هذه المسرحية؟ ربما يكون اللافت دأب الجمعية على تقديم المسرح من خلال فروعها المنتشرة في مناطق المملكة ودعمها هذا النشاط مع اختلاف المستويات بين منطقة وأخرى. وربما لو كانت هناك مراجعة للنص وتضفيره بضفائر اكثر متانة واستجابة لأجواء المسرح الرصين لاستطاعت هذه المسرحية ان تكون معقولة. يبقى أن نقول: ان المسرح السعودي الذي بات يزاحمه الانتاج التلفزيوني الدرامي يحتاج الى النص المسرحي المتقدم والذي يستطيع ان يخلق اجواءه بعيداً من النوع المستهلك والرتيب. في "ورشة" يخضع النص لتشريح من جميع اعضاء المسرحية. ولذلك تخرج مسرحيات "الورشة" متزامنة مع تطلعات المسرح الجاد والهارب من عباءة الممجوج والمستهلك.