نشرت وزارة الاقتصاد والتخطيط ممثلة في مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات النتائج الفصلية للتعداد العام للسكان والمساكن الذي سبق إجراؤه عام 1425ه. ومن المسلَّم أن التعداد السكاني يعد من أهم المشاريع الإحصائية وأكثرها ضخامة على الإطلاق، كما تنص على ذلك مصلحة الإحصاءات في مقدمة النتائج التفصيلية هذه، وتضيف على ذلك بأنه يغطي جميع أفراد المجتمع في لحظة زمنية معينة فيما يتعلق بالعديد من خصائصهم الديموجرافية والاقتصادية والاجتماعية وكذا خصائص المساكن التي يقطنونها.. كما يعد إحدى أهم الركائز الأساسية للتخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لما يوفره من نتائج على كل المستويات الجغرافية والإدارية في الدولة. وتشير المصلحة إلى أن من أهداف التعداد توفير إطار حديث لكل الأبحاث الإحصائية المتخصصة التي تجرى بأسلوب العينة مثل بحوث القوى العاملة، ميزانية الأسرة.. إلخ. وتبيّن مصلحة الإحصاءات العامة أن إجراء التعداد يستلزم استثمار قدر كبير من الموارد العامة، وأن الوسيلة الأساسية للحصول على العائد المرجو من تلك الاستثمارات تكون عن طريق نشر واستخدام وتحليل نتائج التعداد، بل وتنص على أن الواقع يؤكد أن كل الجهود الفنية والإدارية وغير ذلك من تكاليف مالية واستخدام التقنيات الحديثة اللازمة لتنفيذ التعداد السكاني تكون غير ذات مردود إيجابي ما لم تستثمر من خلال نشر نتائج التعداد. في ظل هذه المقدمة التي حرصت على أن تكون من كلام مصلحة الإحصاءات العامة أذكر فيما يأتي عددا من الملاحظات حول النتائج التفصيلية المنشورة، إلا أني قبل ذلك أؤكد على أن ما سيرد لا ينال من الجهود الجبارة التي بذلتها وزارة الاقتصاد والتخطيط ممثلة في مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات لتنفيذ هذا المشروع الضخم، بل إنها محاولة لتحقيق استثمار أمثل لتلك الجهود والإفادة منها. 1- اقتصرت البيانات المنشورة عن السكان غير السعوديين على عددهم، موزعين حسب الجنس والمنطقة الإدارية وفئات العمر فقط، حيث لم تتضمن أي بيانات عن حجم قوة العمل غير السعودية ومهنهم أو مستواهم التعليمي إلى غير ذلك من البيانات الخاصة بالسكن والإعاقة وملكية السيارات وغيرها من البيانات المطلوبة من كل السكان بغض النظر عن جنسياتهم، بل إن هناك سؤالا مخصصا لغير السعوديين حول مدة الإقامة في المملكة بالسنوات الكاملة، ومع ذلك لم تنشر بيانات هذا السؤال كغيره من الكثير من البيانات التي سبق الإشارة إلى شيء منها. وبالنظر إلى أن الأصل في بيانات التعداد استيفاؤها من كل سكان المملكة بغض النظر عن جنسياتهم كما مرَّ وأن غير السعوديين يشكلون حوالي 28% من إجمالي السكان فإن هذا يعني أن حوالي 28% من بيانات التعداد لم تنشر بسبب تجاهل تلك البيانات؛ ما يطرح التساؤل عن أسباب ذلك؟ ومدى تحقيق عملية جمع تلك المعلومات لأهدافها؟ في ظل ما صرف عليها من جهد ومال خاصة أن مصلحة الإحصاءات قررت كما سبق الإشارة إليه أن الوسيلة الأساسية للحصول على العائد المرجو من تلك الاستثمارات لا يمكن أن تتم إلا عبر نشر واستخدام وتحليل نتائج التعداد، فهل يتحقق ذلك في ظل حجب هذه المعلومات المهمة وعدم نشرها؟! 2- تضمن الحقل الخاص بالحالة العملية الرئيسية للفرد في استمارة التعداد التقسيمات التالية: صاحب عمل يوظف - صاحب عمل لا يوظف - مشتغل بأجر أو بدون أجر - متعطل سبق له العمل - متعطل لم يسبق له العمل - طالب - متفرغة لأعمال المنزل - متقاعد - أخرى، إلا أن من الملاحظ أن البيانات المنشورة تضمنت الأقسام التالية فقط (صاحب عمل يوظف وصاحب عمل لا يوظف ومشتغل بأجر أو بدون أجر والطلاب والمتفرغات لعمل المنزل والمتقاعدين والأخرى) التي تضمنتها الجداول 18، 17، 16، 20، 19، 21 وعليه يلاحظ أن التفاصيل المنشورة لم تتضمن أي بيانات عن المتعطلين الذين سبق لهم العمل والذين لم يسبق لهم العمل، وبالتالي فإنها لم تقدم أي بيانات مباشرة عن البطالة على الرغم من أنها من أهم قضايانا المعاصرة، بل إنها من التحديات الكبيرة إلى تواجه الاقتصاد السعودي بشكل ملح في المدى القريب والبعيد، يشهد لذلك الاهتمام الخاص بها من حكومة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - الذي من شواهده إنشاء وزارة مستقلة تعنى بشؤون العمل، وكذا العديد من القرارات والأنظمة الصادرة بشأنها خلال السنوات الماضية. وعليه، وبالنظر إلى أهمية هذه القضية، وعلى الرغم من أنه يمكن إجراء بعض العمليات الحسابية على البيانات المنشورة لمعرفة حجم البطالة وبعض خصائصها؛ إذ بحساب الفرق بين إجمالي قوة العمل وإجمالي العاملين وفقا للحالة العملية، يستخلص أن عدد العاطلين السعوديين يبلغ 604.562 فردا يشكلون حوالي 14.5% من إجمالي قوة العمل السعودية، إلا أن هناك تفاصيل مهمة لا يمكن استخلاصها من البيانات المنشورة مثل التخصصات العلمية والمهنية للعاطلين عن العمل؛ ما يجعل التساؤل قائما حول أسباب حجب هذه المعلومات؟ خاصة إذا استذكرنا عدم نشر بيانات غير السعوديين في هذا المجال التي تمثل بعض تفاصيلها الوجه الآخر لمشكلة البطالة. 3- بالإضافة إلى ما سبق الإشارة إليه من عدم تضمن البيانات التفصيلية المنشورة لمعلومات غير السعوديين وبيانات البطالة للسعوديين التي تم إفراد الحديث عنها لأهميتها البالغة، فهناك عدد من البيانات المهمة التي لم يتم نشرها مثل مكونات المنزل من غرف النوم ودورات المياه وغيرها على الرغم من أنها تعطي مؤشرا جيدا عن مستوى المعيشة الذي يعد السكن أحد مقوماته الرئيسية، وكذا الاقتصار عند ذكر تفاصيل نوع المسكن على كونه منزلا شعبيا أو فلا أو دورا في فلا أو في منزل شعبي أو شقة أو أخرى، وتجاهل كون المسكن خيمة - بيت شعر أو صندقة - عشة في التفاصيل المنشورة على الرغم من وجود هذه التقسيمات في استمارة التعداد، وإذا كان من المسلَّم وجود من يسكن في مثل هذه الأنواع، يبرز التساؤل عن سبب عدم نشر بياناتها خاصة أن موضوع السكن يحظى باهتمام متزايد في الفترة الأخيرة، حيث صدر الأمر السامي الكريم رقم أ - 227 وتاريخ 16-7-1426ه القاضي في ثامنا منه على تخصيص مبلغ إضافي مقداره ثمانية آلاف مليون ريال من فائض إيرادات السنة المالية 1425 -1426ه للإسكان الشعبي في مناطق المملكة، وإذا كان من الواضح أهمية هذه المعلومات في بيان المناطق الأشد حاجة لهذا الإسكان وبالتالي توزيعه بين مناطق المملكة بشكل يتفق مع توجه خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وسدده - بتوزيع عادل للثروة على مختلف مناطق المملكة وهو توجه ما فتئ - حفظه الله - يردده ويؤكد عليه بين الفينة والأخرى، جاز لنا تكرار التساؤل عن سر تجاهل هذه البيانات وعدم نشرها؟ 4- على الرغم من أن الأصل في إسناد بيانات التعداد هو منتصف ليلة الأول من شهر شعبان عام 1425ه إلا أن بياناته التفصيلية لم تنشر إلا في الشهر الأخير من عام 1427ه، أي بعد زمن الإسناد بقرابة سنتين ونصف السنة. وإذا استحضرنا ما سبق الإشارة إليه من أن من أهداف التعداد توفير إطار حديث لكل الأبحاث الإحصائية المتخصصة التي تجرى بأسلوب العينة مثل بحوث القوى العاملة، ميزانية الأسرة.. إلخ، جاز لنا القول إنه حدث تأخر كبير في نشر هذه البيانات، خاصة إذا علمنا أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية سبق أن أقرَّ تنفيذ دوله تعدادا سكانيا كل عشر سنوات، وعليه يلاحظ أن نشر بيانات التعداد استغرق نسبة تتجاوز 20% من الفترة الفاصلة بين كل تعدادين؛ ما يقلص من أوجه الاستفادة من بياناته ويحد من فائدته. 5- بالإضافة إلى ما ذكرناه من التأخر الكبير في نشر البيانات التفصيلية للتعداد وما أوردناه من ملحوظات حول عدم نشر الكثير منها، نجد أن هناك بعض الملاحظات الشكلية على البيانات المنشورة التي من أمثلتها:- - على الرغم من اقتصار البيانات المنشورة في بعض الجداول على الذكور فقط أو الإناث فقط إلا أننا نجد أن التقسيمات لهذه الجداول تشمل الجنسين معا، فعلى سبيل المثال نجد أن تقسيمات الجدول رقم (3-2) الخاص بالسكان السعوديين الذكور حسب فئات العمر والعلاقة برب الأسرة هي: - زوجة، ابن وبنت، زوجة ابن.. إلخ؛ إذ كيف نتحدث عن الذكور ثم نضع زوجة وبنت ونحوهما أو نتكلم عن الإناث ثم نضع ابن وأب كما هو موجود في الجدول رقم (3-3) على سبيل المثال؟ - حدث خطأ مطبعي في الجدول رقم (32-1) الخاص بعدد المساكن المشغولة بأسر وعدد الأسر والأفراد، حسب المنطقة الإدارية ونوع السكن، حيث تضمنت حقول هذا الجدول حقلا يحدد نوع السكن كمنزل شعبي وحقلا آخر يحدده كدور في فلا أو منزل شعبي؛ ما يوهم بوجود تداخل بين هذين الحقلين، إلا أن التعبير الصحيح كما هو في التقسيمات في استمارة التعداد للحقل الثاني هو: - دور في فيلا أو في منزل شعبي فسقط الحرف (في)، وهو الذي يميز الحقل الثاني عن الحقل الأول؛ ما يجعل القارئ يتساءل كيف يكرر المنزل الشعبي مرتين خاصة أنه من غير المألوف لدى كثيرين أن يتكون المنزل الشعبي من أكثر من دور. ولعل مما تجدر الإشارة إليه هنا أن هذا الخطأ تكرر في الصفحة الثانية من نفس الجدول، وكذلك الجدول رقم (32-2) بصفحتيه. ولما لا يخفى من حاجة التعامل مع الأرقام من تركيز ودقة تبرز أهمية العناية بمثل هذه الملاحظات والعمل على تصحيحها. 6- إن تأمل استمارة التعداد العام للسكان والمساكن ورغم الجهود المبذولة في إعدادها يؤكد أنها لازالت بحاجة إلى المراجعة والنظر للاستفادة من ذلك في إعداد استمارة التعداد القادم؛ إذ إن هناك العديد من الأمور التي يحسن مراجعتها التي أكتفي بذكر نموذجين منها فقط: - تم طلب تاريخ الميلاد بالسنة والشهر وكذلك العمر بالسنوات الكاملة، وأحسب أن التاريخ يغني عن طلب العمر بالسنوات؛ إذ يمكن الوصول إليه عبر الحاسب عند معالجة البيانات، خاصة أن استمارة التعداد تتضمن أكثر من ستين حقلا، وأن حساب العمر قد يستغرق وقتا يكون العدّاد بأمسّ الحاجة إليه. - تضمنت استمارة التعداد حقلا عن إجمالي إنفاق الأسرة خلال الشهر الماضي، وعلى الرغم من أن بيانات هذا السؤال لم تنشر ضمن البيانات التفصيلية، فإن من الظاهر عدم أهمية هذا السؤال خاصة أن الشهر السابق لليلة الإسناد لا يمكن أن يعبر عن متوسط إنفاق الأسرة أو يكون مؤشر له لأنه شهر إجازة وبالتالي قد يكون فيه مصاريف غير اعتيادية (سياحة - مناسبات)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يسبق بدء العام الدراسي وما يتطلبه من مصاريف خاصة لدى معظم الأسر. ختاماً، ونظراً للأهمية الكبيرة لما يقدمه التعداد من بيانات تفصيلية موثوقة لكثير من جوانب السكان والمساكن ولتعدد أوجه الاستفادة من هذه البيانات ومساهمتها في تشخيص العديد من الظواهر من خلال الربط بين عدد من البيانات ذات العلاقة التي يحددها الباحث حسب حاجته، فعلى سبيل المثال من الظواهر التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة ارتفاع معدل الطلاق، ومن خلال بيانات التعداد يمكن التعرف على شيء من خصائص هذه الظاهرة كالتعرف على أعمار المطلقات والمستوى التعليمي لهن وتخصصاتهن العلمية وكذا حالاتهن العملية وتوزيعهن على المناطق الإدارية وغير ذلك من المعلومات التي تفيد في كشف جوانب مهمة لهذه الظاهرة وتقدم إطاراً جيداً للأبحاث الخاصة بها، وعليه تبرز أهمية الاقتراح بتخصيص مصلحة لإحصاءات العامة، موظفين يستقبلون الباحثين ويقدمون لهم كل البيانات المتوافرة وفقاً للتقسيمات التي تخدم أبحاثهم والإعلان عن هذه الخدمة في مختلف وسائل الإعلام، هذا فضلا عن إتاحة كل البيانات على الشبكة العنكبوتية لتسهيل الوصول إليها والإفادة منها؛ لنحقق بذلك استثمارا أمثل لهذه البيانات وندفع المجتمع للتفاعل والتجاوب مع مندوبي المصلحة مستقبلاً.