هل شاهدت عزيزي القارئ مع أطفالك المسلسل الكارتوني الشهير (توم وجيري)؟ إذا لم يسبق لك مشاهدته، نقول لك: إن هذا المسلسل يصور مواقف كوميدية تحدث بين القط والفأر، فنشاهد بصفة مستمرة القط يجري وراء الفأر، الفأر يتجنب الاشتباك المباشر مع القط، لأنه سيخسر بالتأكيد في هذه المواجهة، ومن ثم نجد الفأر يتفنن في الهروب من القط، ويتفنن أيضاً في وضع القط في مواقف سخيفة تثير غضبه وتحوله إلى وحش هائج يجري بكل قوة لافتراس الفأر. هذا النموذج في العلاقة بين القط والفأر أطل علينا بقوة ونحن نعد هذا التحقيق، ووجدنا أنفسنا وبطريقة تلقائية نسعى إلى استكشاف مدى انتشار وسيادة هذه العلاقة على المستوى الإنساني وبالتحديد في علاقة المدير بمرؤوسيه في مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية. اليوم ومع حدوث تطورات متلاحقة في بيئة الأعمال، ومع ارتفاع مستوى التعليم وتنامي الوعي والمعرفة الإدارية، ووجود الكثير من المخرجات (برامج تدريب، كتب ودوريات، مؤتمرات وندوات) التي تسعى إلى بناء ثقافة إدارية ووظيفية جديدة وإيجابية، هل انعكس هذا على بناء وانتشار علاقة إيجابية بين الرئيس والمرؤوس في مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية، أم أن علاقة القط والفأر رسخت جذورها في بيئة الأعمال بمجتمعاتنا العربية حتى إنها تصمد بكل قوة أمام التطورات الجديدة والمتلاحقة في تلك البيئة، وان العلاقة بين المدير والموظف في معظم الأحيان ترتكز على اعتبارات غير موضوعية وشخصية إلى حد كبير. في هذا التحقيق نحن نبحث عن إجابات للعديد من التساؤلات: ما هي طبيعة (سمات) العلاقة السائدة بين المدير ومرؤوسيه في مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية؟ ما هو نموذج العلاقة الإيجابية والمرغوبة التي يجب أن تسود بين المدير ومرؤوسيه في مؤسساتنا؟ ما هي المعطيات الجديدة التي تفرض على جميع الأطراف السعي لبناء علاقة إيجابية في مكان العمل؟ ما هي المسؤولية التي يتحملها كل طرف في عدم سيادة العلاقة الإيجابية المطلوبة بين المدير والموظف في بيئة العمل؟ كيف تؤثر هذه العلاقة في أداء المؤسسات وقدرتها على تقديم مخرجات متميز للعملاء وللمجتمع؟ هل تختلف طبيعة العلاقة بين المدير والمرؤوس في المؤسسات الخاصة عنها في المؤسسات الرسمية؟ ما هي الحلول من وجهة نظر المدير والموظف وخبراء الإدارة؟ وللإجابة على هذه التساؤلات تحاورنا مع أشخاص يشغلون مناصب ووظائف مختلفة ويتمتعون بخبرات علمية وعملية متنوعة. طبيعة العلاقة السائدة يشير الدكتور(سامي الباحسين) أستاذ الموارد البشرية، إلى أن العلاقة بين المديرين والمرؤوسين ليست على المستوى التي يجب أن تكون عليه. من وجهة نظره فإن كثيراً من المديرين يتعاملون مع الموظف باعتباره منفذاً للقرارات ليس أكثر، وأنه لا يمتلك الحق في إبداء الرأي أو مناقشة تلك القرارات. وأن هناك فئة من المديرين يحاولون التمثيل أمام البعض بأنهم يتقبلون المشاركة في اتخاذ القرار وان جميع ما يتم إنجازه يرجع فضله للموظفين وأنهم يتبنون سياسة الباب المفتوح معهم. ولكن في حقيقة الأمر لا يقع ذلك على أرض الواقع، بل فقط في الاجتماعات والمناقشات العامة (يعني كلام فقط). وقد يرجع ذلك إلى وجود عدم الثقة في المرؤوسين. ويرى الدكتور سامي أيضاً أن كثيراً من الموظفين يسودهم الخوف والرهبة تجاه المدير، وذلك خوفاً على ترقية لا يرشح لها أو على حافز يفقده أو إجازة لا يوافق عليها...الخ. وبالتالي لا يتجرأ على مناقشة المدير في أي قرار يتخذه ولسان حاله يقول: (هو المسؤول عن المنشأة وليس أنا). أما الأستاذ خضر المرهون (مصرفي) فيتحدث عن القطاع المصرفي بالتحديد، ويرى أن القطاع المصرفي يتميز بوجود أنظمة وقوانين تحكم العلاقة بين المدير والموظف. ويشير أيضاً إلى التركيز الكبير من قبل الإدارة في القطاع المصرفي على جودة ودقة العمل مما يجعل العلاقة بين الاثنين يسودها الاحترام المتبادل والتعاون. ويشير الأستاذ (صلاح حكيم) نائب مدير الموارد البشرية بشركة الأسمنت السعودية إلى أن المؤسسات التي يمتلك مديروها وعياً إدارياً مرتفعاً تسود فيها علاقة قوية ومترابطة بين الإدارة والموظفين، وتقل فيها المشكلات. وفي المؤسسات التي يفتقد مديروها الوعي الإداري الملائم تضعف العلاقة بين الإدارة والموظفين، وتزداد مشاكل الاتصال ويزداد أيضاً معدل تسرب الموظفين. بينما يرى الأستاذ (صلاح العبد الكريم) نائب المدير العام بصندوق التنمية العقاري في المنطقة الشرقية، أن العلاقة بين المدير والموظف هي علاقة قائمة على المصالح الشخصية في معظم الأحوال، فكل طرف يبحث عن تحقيق أهدافه الشخصية في المقام الأول. نموذج العلاقة الإيجابية هناك أهداف واضحة أمام كل موظف. ويؤكد الأستاذ (صلاح حكيم) على أهمية الاحترام والتقدير المتبادل بين الطرفين، وحفظ الحقوق بحيث يؤدي كل طرف ما عليه للآخر. بينما يرى الدكتور (سامي) أن على المدير أن يتبنى سياسة الباب المفتوح، وتنمية روح الفريق الواحد في العمل، وإدراك أن التطوير والإبداع في العمل يتطلب في الأساس توافر علاقة إيجابية بين المدير والموظف. المعطيات الجديدة يشير الدكتور (سامي) إلى أن هناك عدة معطيات وتحديات جديدة تؤكد على أهمية بناء علاقات فعالة وإيجابية بين المديرين والموظفين في كافة المؤسسات، تتمثل هذه المعطيات والتحديات في زيادة حدة المنافسة الداخلية والخارجية خاصة في ظل ما يطلق عليه بالعولمة، وانفتاح الأسواق على بعضها، وانضمام كثير من الدول لمنظمة التجارة العالمية، والتغير المستمر في أذواق المستهلكين ورغباتهم، وزيادة القوة التي يتمتع بها العملاء والمستهلكون، وسيادة عصر التوجه للعميل، واحترام المستهلك، والعمل على إرضائه، عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية المحلية والدولية. وكل هذا يتطلب المزيد من التكاتف وسيادة مفهوم العمل بروح الفريق في المنشأة أسباب العلاقة غير الإيجابية يرى الأستاذ (خضر المرهون) أن العلاقة غير الإيجابية بين المدير والموظف تنشأ عن عدة أسباب أهمها سيطرة العلاقات الشخصية، المحسوبية في التوظيف، اعتماد التقييم الوظيفي على الرأي الشخصي بدلاً من التركيز على مدى تحقيق الأهداف، تعيين أصحاب الكفاءة الأقل في وظائف أعلى، التفرقة بين المرؤوسين على أساس مدى ولائهم وجنسياتهم ومذاهبهم. بينما يرى الأستاذ (صلاح حكيم) أن العلاقة غير الإيجابية بين الطرفين ترجع إلى غياب الأنظمة الإدارية الصحيحة، ضعف التواصل بين الطرفين، عدم وجود لوائح للمكافأة والعقاب، عدم تهيئة البيئة الداخلية المعينة على بناء العلاقة الإيجابية. ويذكر الدكتور (سامي) عدة أسباب هي: التناقض الواضح في سلوكيات بعض المديرين اتجاه الموظفين مما يضفي الفوضى على جو العمل وتولد إحساس لدى الموظفين بعدم العدالة. اعتماد المديرين على الأهداف الشخصية والآراء الذاتية في الحكم على الأعمال بدلاً من الأسس العلمية. لجوء المديرين لاتخاذ قرارات وإجراءات قوية، بغض النظر عن آثارها على الموظفين. عدم الاهتمام بآراء الموظفين، وعدم إتاحة الفرصة. *** الحلول يطرح الدكتور (سامي) عدة حلول لظاهرة تفشي العلاقة غير الإيجابية بين المدير والموظف، حيث يرى أن المسؤولية الأكبر يتحملها المدير نظراً لموقعه في الهيكل التنظيمي، ومن ثم فعليه أن يعطي أهمية واضحة للعاملين عن طريق إشراكهم في وضع أهداف المنظمة وآليات تنفيذها. وأن يعمل بصفة مستمرة على تنمية روح الابتكار والإبداع لدى المرؤوسين وإكسابهم المهارات المختلفة عن طريق الاهتمام بالتدريب. ومن الضروري تبني سياسة واضحة للحوافز والمكافآت واعتماد سياسة الباب المفتوح مع الموظفين، وتنمية روح الفريق، وإظهار الاحترام والتقدير للموظف وعدم الاستهزاء به والتقليل من شأنه. أما الموظف فعليه أن يمارس دوراً إيجابياً في سبيل تنمية وتقوية هذه العلاقة من خلال إظهار الاحترام والتقدير للمدير، وتنفيذ القرارات بالشكل المطلوب، وتوصيل المقترحات أو المشاكل بشكل مناسب، والتقيد بمواعيد العمل، والعمل على تطوير الذات. *** مقترحات يوضح التحقيق أسباب العلاقة غير الإيجابية بين الموظف والمدير وسمات هذه العلاقة وتأثيرها على أداء المؤسسات، ويطرح التحقيق العديد من الحلول. ونحن بحاجة إلى تحديد المسؤولية تقع على من؟ وما المطلوب أن يفعل؟ من الضروري أن تتولى الجهات الرسمية المنوطة بتنمية وتطوير المهارات والقدرات البشرية (الغرف التجارية، وزارة العمل) بتنمية وعي المديرين والموظفين على حد سواء بشأن أهمية بناء علاقة إيجابية وفعالة في مكان العمل، يجب إدراك خطورة العلاقات السلبية وغير الموضوعية على الجميع (مديرين، موظفين، مؤسسات، مجتمع) يجب وضع الجميع أمام حقائق مؤكدة تصف واقع عمل غير ملائم لتحقيق الإنجازات، وسائل الإعلام وبتوجيه من الجهات الرسمية مسؤولة أيضاً عن الترويج لعلاقة جديدة ومؤثرة بين المدير والموظف من خلال تسليط الضوء على تلك القضية، ومن خلال نشر المواد والشعارات التي تؤكد على أهمية تبني علاقات إيجابية في محيط العمل.