من الصعب أن تقرأ خصوصيات الناس أو تغوص داخل ذواتهم كي تتعرَّف أو أن تصل إلى حقائق مخفية أو هي تتوارى خلف صورة مُثلى قد تبدو لك، لكن الحقيقة تبقى بعيدة.. قد تكون الحقيقة هي ما تُقرئك إياه الصورة التي تراها كل صبح من خلال ما تراه.. تستطيع قراءة الوجوه.. تتفرَّس الملامح.. تكتشف أنك في حضرة وجوه عديدة لا ترتبط مع بعضها بأي شكل سوى الملامح والقامات.. ترى المُهمش، وتعانق المُقصى، وتُصافح السطحي، وتتحدث مع الإمعّة وتجلس مع (التّبع) وأشكال وسحنات وملامح وألسن متباعدة وعقليات لا ترتبط مع بعضها بأي رابط إلا بانشغالها بهمِّها اليومي.. تشط عن بعضها.. تغرق في هموم اليوم ومتاعب الحياة ومنغصاتها.. تتفحَّص كل تلك القسمات والتقاطيع التي قابلتها في المسجد.. الشارع وفي البنك.. في دائرة حكومية.. في.. وفي.. وفي.. تخرج بانطباع وصورة تُرسِّخ ما استنبطته أو استخلصته.. قلق.. تشتُّت في التفكير.. حضور متوتر.. خشية من القادم المجهول.. توجُّس وارتباك.. تصافحك الأيدي مفتقدة دفئاً اعتدته.. وتتبادل الألسن التحايا والسلام ببرود.. عواطف قد تبلَّدت، ومشاعر افتقدت الإحساس بالآخر.. لا تعلم سراً لهذا البرود إلا أنك تُوقن بأن ثمة تغيُّرات ما قد حدثت.. تغلغلت في تفاصيل حياتنا اليومية. ** تصيبك الحيرة.. تبحث عن إجابة تُفسِّر لك سر الحكاية.. تُقرئك الحقيقة.. لا تجد من يشخِّص لك الواقع.. تبقيك مرارة السؤال حائراً بين مصاحبة الضجر الذي يسكن القسمات والبحث عن إجابة مستحيلة. ** تألف الكثير من هذه الصور مع حيرة لا تفارقك.. لا تنفك عنك مشاهد لا تغيب عنك، وسلوكيات تنم عن حالة من ارتباك نعيشها.. تتسلى بنا إلى مدى غير معلوم.. ** تفكر.. تتأمَّل.. تطالع.. تبحث في تفاصيل الحكاية.. تمسك بمفردة علَّها تقودك إلى طريق يختصر لك المسافة.. وصولاً إلى البحيرة الراكدة.. قد ترمي بحجر يُحرِّك الساكن.. يُوقظ المكان.. كي تبدأ حكايتك.. تطرق الأبواب الموصدة بلا خوف أو ريبة.. تسأل.. تواجه.. لا أن تحتمي بالذرائع والمبررات.. تُفتِّش عن وجوه تغيب ولن تأتي.. وعن قامات تختفي فجأة بلا مسبب واضح اللهم إلا البعد عن الصخب والضجيج، الذي أحالنا إلى أناس لا نجيد إلا الكلام المفرَّغ والعويل والتّباكي وندب الحظ.. و.. و.. هي مشاهد لا تغيب.. وصور تُجسِّد واقعاً نعيشه.. تستيقظ كل فجر.. ترافقنا.. تسكن قسمات وجوهنا.. تستأنف رحلتها بصحبتنا كل يوم.. تمخر دروب التعب ولا تمل والبرودة تلبسنا كل شيء يفقدنا حتى الحميمية التي بقيت ذلك العنوان الوحيد الباقي في أجندة علاقاتنا وقناطر تواصُّلنا.