كم قرأت، وكم سمعت عن تلك العائلة المترابطة المتراحمة، تلك العائلة التي تعيش في بيتها عيشة هنية، حيث تغشاها الرحمة، وتظللها السكينة، حينما يسود البيت جو من الألفة والرحمة، والتعاون والتكاتف، حيث يتعاون الجميع على الخير، وتتضافر الجهود من جميع أفراد الأسرة لمواجهة متاعب الحياة، والوفاء بمتطلباتها، حينما يعوّد الوالدان أولادهما على التراحم والتعاون والتكاتف تشيع في البيت روح السعادة والألفة، وتغشاه روح التراحم، وينشأ الصغار نشأة سوية. مع إقبالة هذا الشتاء تواردت إلى ذهني وقائع موقف بسيط في ظاهره، لكن فيه الكثير من العبر، أحببت أن أذكره للقراء. في أحد الأيام الماضية كان الجو باردا جدا ليلا، صعدت إلى غرفتي لترتيب أوراق تخصني في مكتبتي، وبينما أنا منهمك في ذلك إذا بي أسمع صوتا غريبا، وحركة غير معتادة في الغرفة المجاورة. قمت مسرعا وإذا بي أجد ولدي عبدالعزيز (6 سنوات) وهو يلهث بصوت مرتفع، ويسحب غطاء كبيرا ليغطي أخته سارة (4 سنوات)، وكانت قد نامت مبكرا بعد أن هدها تعب اللعب، نامت بجوار النافذة، ولما اشتد الهواء البارد تكومت حول نفسها ونامت في وضع القرفصاء. كان أخوها يسحب الغطاء ليحميها من البرد. وقفت أراقب المشهد من خلف الباب، وقد سرت قشعريرة في جسدي من ذلك المشهد الذي ينطق برحمة الصغير لأخته. سألته: عبدالعزيز، وراك؟ فأشار إلى النافذة المفتوحة، حيث إن الولد لم ينطلق لسانه حتى الآن.. أسأل الله أن يحل عقدته. ساعدته في تغطية أخته، وبإغلاق النافذة بإحكام وأنا أشعر بامتنان بالغ لهذا الصغير، وأقول في نفسي: ما أجمل التراحم بين الصغار والكبار، وبين جميع أفراد الأسرة! ويا ليتنا جميعا نربي أولادنا على هذا الخلق العظيم، لا شك أننا - بإذن الله - سوف نجني الكثير، ونربح الكثير من وراء شيوع خلق الرحمة في مجتمعنا.والله من وراء القصد.