عندما نتحدث عن حقوق الإنسان، يجب أن لا نغفل واجباته لأنّه ما من حق إلاّ ويقابله واجب .. والمتتبع لما كُتب ويُكتب عن مسائل حقوق الإنسان المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يرى أنّها تكتب عن الحقوق مع إغفال للواجبات، وذلك ناتج في نظري عن الأسباب التي دعت إلى الاهتمام بحقوق الإنسان عالمياً .. والتي تتلّخص بآثار المآسي التي واكبت وأعقبت الحربين العالميتين .. حيث تعالت الأصوات بالتأكيد على احترام حقوق الإنسان عالمياً من خلال نصوص ميثاق الأممالمتحدة، فتم التأكيد على ذلك في المادة (1-3) منه .. ونتيجة لذلك صيغت إعلانات وعهود ومواثيق من خلال لجان متخصصة في الأممالمتحدة، وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 217 - أ (د - 3) وتاريخ 10 ديسمبر 1948م، والعهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية المعتمد بقرارها رقم 2200 - أ (د - 21) وتاريخ 16 ديسمبر 1966م، والذي بدأ نفاذه بتاريخ 23 مارس 1976م طبقاً للمادة (49) والعهد الدولي الخاص للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعتمد بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2200 - أ وتاريخ 16 ديسمبر 1966م، والذي بدأ نفاذه بتاريخ 3 يناير 1976م طبقاً للمادة (27) من العهد .. والتي تعتبر المرجعية الدولية في مواثيق حقوق الإنسان واتفاقياته وبروتوكولاته .. وفي نظري أنّ العيب الذي وقعت فيه الأممالمتحدة عندما صاغت تلك الإعلانات والعهود والمواثيق .. أنّها لم تراع عقائد وأديان وقيم ودساتير الدول المرتبطة بهذه المرجعيات، وإنّما اعتمدت على مرجعية واحدة وهي الفكر الفلسفي الديمقراطي الغربي .. مما جعل كثيراً من الدول تتحفّظ على المواد التي تخالف العقيدة والدين والقيم، التي تؤمن بها، وذلك في نظري أفقد هذه الإعلانات والمواثيق الدولية صفة العالمية .. ولتلافي ذلك أرى إعادة النظر في صياغة إعلانات وعهود ومواثيق حقوق الإنسان بحيث تراعي عقائد وأديان وقيم الشعوب ودساتيرها المرتبطة بها، وخير وسيلة لذلك التركيز على المعايير المشتركة بين عقائد وأديان وقيم الشعوب، وترك ما فيه خلاف واختلاف للشعوب تقرر ما يتفق مع عقائدها وأديانها وقيمها التي تؤمن بها .. وذلك لتجنُّب الصراع بين الأديان والعقائد والقيم والأيديولوجيات والمصالح .. فالحقوق التي تقررها دساتير الشعوب، يقابلها واجبات، وهذه الحقوق والواجبات ترتبط بالمرجعيات لهذه الدساتير .. التي على الأممالمتحدة، وآليات حقوق الإنسان الرسمية، وغير الرسمية، احترامها حتى تجنِّبها الصراعات القائمة على هذا الاختلاف. وقد سبقت الشريعة الإسلامية في تقرير ذلك للناس جميعاً ويوضح ذلك قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ..} (48) سورة المائدة، وقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}. وتأسيساً على ذلك فإنّ أي تعامل مع معايير حقوق الإنسان وواجباته في الحقوق المدنية والسياسية، والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، يجب أن يقوم على مبادئ حقوق الإنسان الرئيسة وهي: - مبدأ العدالة. - مبدأ المساواة. - مبدأ الحرية. فإذا أُعْملت هذه المبادئ وفق دستور الأمة الإسلامية (القرآن الكريم، والسنّة النبوية الشريفة) في الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتجنّبت الدول تسييس حقوق الإنسان لتحقيق مصالح خاصة، لن تعاني البشرية على وجه الأرض ما تعانيه اليوم من انتهاكات صارخة في حقوق الإنسان .. لأنّ الشريعة الإسلامية تضفي على هذه المبادئ جانباً روحياً عند التطبيق .. حيث إنّ من يُعْمِلها يخاف الله قبل عباده .. فإعمال هذه المبادئ في الحقوق المدنية، يحد أو يمنع من الانتهاكات في التوقيف، والتحقيق، والمحاكمات، والحقوق المدنية الأخرى، كحق السفر، والعمل، والسكن، والتملك ... إلخ. وإعمال هذه المبادئ في الحقوق السياسية، يحد أو يمنع من الصراع على السلطة، أو التعسُّف في استعمالها في الدول .. وإعمال هذه المبادئ في الحقوق الاقتصادية، يحد من الفقر والتدهور الاقتصادي للأفراد، ويحد أو يمنع من انتهاك حقوق الإنسان الاقتصادية في كثير من الدول والمتمثل باختلاس المال العام، وأكل أموال الناس بالباطل من الظلمة والفاسدين .. والذي محصلته تدهور الاقتصاد وظهور ظواهر اجتماعية وإجرامية خطيرة تهدد مستقبل تلك الدول .. وإعمال هذه المبادئ في الحقوق الاجتماعية في الدول، يحد من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تهدد كيان المجتمع، كظاهرة الطلاق والتفكك الأُسري، وما يترتب على ذلك من مشاكل أُسرية، وظواهر الانحرافات الاجتماعية الأخرى التي تفرخ في مثل هذا المناخ ... وإعمال هذه المبادئ في الحقوق الثقافية، وفق الدستور يساهم في الحد من الانحرافات الفكرية، ويحد من الصراعات القائمة على العرق أو الدين، أو الفكر ..، التي أخذت تعصف في كثير من الدول بتحريض من أعداء الإنسانية والعدالة .. ولكفالة تحقيق مبادئ العدالة والمساواة والحرية في مسائل حقوق الإنسان، يجب على الأممالمتحدة، ألاً تسمح للدول النافذة دولياً بتسييس مسائل حقوق الإنسان، لخدمة مصالحها الأنانية الضيقة التي سببت لأغلب الدول كوارث إنسانية في جميع المجالات ... وأرى أنّه يجب على الدول الإسلامية، ألاّ تتعاون مع أية آلية دولية لحقوق الإنسان، تطالب بتطبيق المعايير الدولية في مسائل حقوق الإنسان، دون اعتبار واكتراث بدساتير الشعوب المرتبطة بعقيدتها ودينها ... فآليات حقوق الإنسان التي تحترم ذلك، يتم التعاون معها فيما يحقق مبادئ حقوق الإنسان ..، بل يجب عليها أن تكون سبّاقة في تفعيل معايير حقوق الإنسان في جميع المجالات وفق دستورها (القرآن الكريم، والسنّة النبوية الشريفة) وما يتفق معها من المعايير الدولية في حقوق الإنسان .. وأن يصدعوا بالحق في أي محفل دولي، أو مناقشات مع آليات حقوق الإنسان الدولية الرسمية منها وغير الرسمية، بأنّ من يطالب الدول الإسلامية والأقليات الإسلامية، بتطبيق معايير تخالف دستورها، يعتبر منتهكاً لحقوق الله وعباده حسب معتقد المسلمين ودينهم .. وأنّه بذلك يناصبهم العداء ويساهم في صدام الأديان والحضارات، وانتشار ظواهر الإرهاب الدولي .. وأنّ خير وسيلة للخروج من ذلك الاتفاق على المعايير الدولية المشتركة في مسائل حقوق الإنسان بين العقائد والأديان والأيديولوجيات المختلفة للأمم المتحدة، وترك ما فيه خلاف واختلاف للحوار بين الشعوب والأمم .. تأسيساً على قوله تعالى. {لِكُل جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ..}، وقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.