الاختلاف بين الأجيال.. الحياة الإسلامية تعرف جيداً ظاهرة الاختلاف بين الأجيال التي تختلف عن ظاهرة الصراع، وتنبّه إلى ذلك الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: (أحسنوا تربية أولادكم؛ فقد خلقوا لجيل غير جيلكم). إن صور الحياة تتغير في أشكالها وممارساتها، لكن صوراً ثابتة لا تتغير، وهي أن العبودية والحكم والطاعة لله سبحانه؛ لأن الأجيال تختلف فيما بينها في أمور الحياة المتغيرة، لكن تبقى أمور ثابتة، وهي الروابط والقيم الربانية. والحضارة الحديثة قد افتعلت فكرة الصراع بين الأجيال وكأنها شيء لازم لا بدَّ منه، فمات في نفوس الأبناء والأحفاد الاحترام والهيبة والطاعة للكبير، وصار الصغار ينظرون إلى الكبار بنظرات هي مزيج من الاستهزاء والسخرية والاحتقار، وصاروا ينظرون إلى آبائهم نظرتهم إلى الجيل غير مدركين الواقع الحالي، فلا حاجة إلى توجيهاتهم ونصائحهم. والخوف أن بلاءهم قد تسرب إلى واقع المسلمين، فنشاهد أن الأبناء يتعاملون مع أمهاتهم في الغالب بالعقوق والعصيان وترك الواجب في الرعاية والنفقة، ويلاحظ أن المصحات النفسية ملأى بأعداد من الأمهات، وعلى المجتمع المسلم أن يدرك نعمة الإسلام في احترام حقوق الوالدين وبرّهما والإحسان إليهما وطاعتهما، وأن ينمي ذلك في تربية الأبناء. ولحكمة من الله سبحانه وتعالى فإن الوالدين في المجتمع المسلم ينعمان بالراحة النفسية في بداية حياتهما؛ لأنهما يدركان أن برّهما والإحسان إليهما في الكبر من أكبر الواجبات الإسلامية؛ حيث إن الرسول عندما استأذنه رجل في الجهاد وكان له والدان كبيران قال: (فيهما فجاهد)، وجعل طاعتهما في المرتبة الثانية بعد طاعة الله، وعصيانهما من كبائر الذنوب، فبرهما يهدي إلى الخير، فهل يدرك شباب اليوم عظمة الإسلام في حق الوالدين؟! وهل لهم أسوة في أوس بن عامر رضي الله عنه بعكس المجتمعات غير المسلمة حيث يعيش الوالدان في بداية حياتهما وهما في قلق لمعرفتهما أنهما سوف يُودعان في بيوت العجزة؟! فاحترام الوالدين يجب أن يُنشَّأ عليه الأبناء من الصغر حتى تكتمل مسيرة الحياة الاجتماعية وفق التوجيهات السماوية ويسود الاستقرار النفسي عند الوالدين والأولاد ويلمس أثره في الحياة الاجتماعية في المجتمع المسلم، وعلى الآباء تعليم الأبناء أن صور الحياة تتغير، ولكن القيم ثابتة؛ فالصغير يتعلم غالباً من المشاهد أكثر من التعليم بالتوجيه، فإذا شاهد والديه يهتمان بوالديهما ويعتنيان بهما ويحتسبان الأجر من الله تأصّل لديه ذلك، وبهذا نحافظ على الأصول الربانية مع اختلاف الأجيال.