تفضل الصديق الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري فأهدى إليَّ مجموعة من إصداراته الأدبية المتنوعة التي أصدرها في أوقات متنوعة ولعل آخرها كتاب (إضاءات في أدب السيرة) و(السيرة الذاتية) وقد قضيت بعد ظفري بهذه الكتب وبهذه المجموعة الطيبة وقتاً ممتعاً كما تعرفت على الموضوعات والبحوث الي تضمنها كتابه عن السيرة الذاتية في الأدب السعودي الذي أتحفني بإهدائه لي وجميل جداً الاهتمام بهذا الجانب الحيوي وإبراز ذلك بشمولية وجمال عرض والموازنة بين كتاب السيرة الذاتية في بلادنا وبين غيرهم في العالم العربي. وموضوعات الكتاب حيوية حيث يتكون الكتاب من ثلاثة أقسام وهي البحوث والمقالات والحوارات، وقد قدم قراءات الأربعة من الأعمال وهي سيرة شعرية للقصيبي، وحياتي مع الجوع والحب والحرب لعزيز ضياء، وسوانح الذكريات لحمد الجاسر، وتباريح التباريح لأبي عبدالرحمن بن عقيل، وفي قسم المقالات نقرأ خمس مقالات متنوعة تتناول السيرة الذاتية إلى جانب حوارات صحفية جميلة تتناول فن السيرة الذاتية. إن مجال السيرة الذاتية نوع من أنواع الأدب وتتميز بأن كاتبها يكشف عن خبايا نفسه وما اعترى حياته من تجارب وذكريات وممارسات وأعمال وما واجهه من متاعب وما صادفه من مواقف ظريفة ومثيرة وكذا توضيح الظروف الاجتماعية وتتباين السير الذاتية من فرد إلى فرد وبما تنطوي عليه من أفكار وتجارب وذكريات ومثل وعادات وغير ذلك مما يبرزها بشكل جلي. ومن يستعرض التاريخ العربي الإسلامي يجده زاخراً بالسيرة الذاتية لعدد كبير من العلماء والأدباء والمفكرين والرحالة والساسة والأمراء وغيرهم حيث قاموا بتسجيل وسرد سيرهم وإبرازه في مؤلفاتهم وذلك في وصفهم لنشأتهم وتعليمهم وسلوكهم ورحلاتهم وما صادفوه من مشاق ومحن وما شاهدوه من آثار وبلاد وأحداث وما تركوه من عطاء وإنتاج ومؤلفات كالجاحظ وابن حزم والغزالي وابن خلدون وابن بطوطة وياقوت الحموي وابن فضلان والمقريزي وغيرهم. كما نشر العقاد وطه حسين وأحمد أمين والمازني والزيات وغيرهم فصولاً عن سيرتهم الذاتية، حيث تحدثوا ووصفوا ما جرى لهم وما أحاط بهم من ظروف وحوادث فسجلوا ذكرياتهم وسيرتهم العلمية والشخصية واهتماماتهم الفكرية ومشاهداتهم في البلدان التي زاروها.. إنها تجسيد لصورة الحياة والعصر الذي عاش فيه كل منهم وشكلت حياته وما تميز به من علم وفنون فكرية. وفي العصر الحاضر ظهرت مجموعة من الكتب تتسم بالاعترافات والمذكرات واليوميات والرسائل وهي ترجمة لحياة كاتبيها وتصوير لعصرهم وإماطة اللثام عما كانت عليه حياتهم وتعاملهم مما قد لا يعرفه سواهم من أسرار حياتهم ووجهات نظرهم، وتنطوي بعضها على تجربة وخبرة وفائدة وتجارب عاشها أصحابها وخاصة مَنْ كان لهم دور بارز ومؤثر في مجرى الأحداث. وهناك مجموعة من الأدباء السعوديين كتبوا سيرتهم الذاتية كأحمد السباعي، ومحمد عمر توفيق في كتابه (هذه حياتي)، وحسن كتبي (أشخاص في حياتي)، وحسن نصيف (مذكرات طالب)، وعبدالعزيز الربيع (ذكريات)، وغازي القصيبي (سيرة شعرية)، و(رحلة الثلاثين عاماً) لزاهر الألمعي، و(ذكريات العهود الثلاثة) محمد زيدان، (وسوانح الذكريات) لحمد الجاسر، و(تباريح التاريخ) لأبي عبدالرحمن بن عقيل، و(رحلة العمل) لمحمد مرداد، و(حياة من الجوع والحب والحرب) لعزيز ضياء، و(مذكرات خلال القرن من الأحداث) لخليل الرواف، و(مذكرات في ذكريات من حياتي) لعبدالكريم الجهيمان، و(من حياتي) لمحمد بن سعد بن حسين وغيرهم ممن لا تحضرني أسماء تلك الكتب التي تشتمل على فن السيرة الذاتية في الأدب السعودي. وهكذا تظل السيرة الذاتية صورة من الصور التاريخية والأدبية لها أثرها في إثراء الفكر والأدب والمعرفة ويجد فيها القراء دروساً وعبرةً وفائدةً ومتعةً وتحثه للمؤلف على هديته وبارك الله في جهوده ومزيداً من العطاء الفكري والدراسات الأدبية والنقدية وإثراء الحركة الأدبية والتعريف بالأدب السعودي في ألوانه واتجاهاته في حاضره وماضيه. وبالجملة فسوف يكون هذا الكتاب مرجعاً موثقاً لمن يريد أن يستقصي في البحث عن السيرة الذاتية في الأدب السعودي وعن حياة الأدباء وأعمالهم وآثارهم الأدبية والارتقاء بمستوى الفكر في بلادنا من شعر ونقد وقصة ورواية ومقالة ودراسة وغير ذلك من ألوان الثقافة والإبداع مما سيكون له أثره في إثراء الأدب والنهوض بمستوى البحوث والدراسات التي تعالج قضايا الأدب ومسائل النقد وتجويد الأعمال والآثار والنصوص الأدبية.