هل فكرت أن تنظر حولك في الظلام؟ لن ترى شيئا لأنه في الظلام تتساوى كل الألوان وعندما تضيق بنا الحياة وتنغلق حولنا دوائر الظروف والهموم نجد اليأس يتسرب داخلنا ويسري كالسهم في العروق يزحف قليلاً قليلاً وبقوة وعندما يختلط بدمائنا نفقد حواسنا حيث يحركنا هو كما يشاء ويفقد كل شيء طعمه وملامحه فالحزن لا يصبح حزناً والفرح لا يصبح فرحاً حتى الحب يصبح مجرد لوحة باهتة الألوان مهترئة المعنى وفيه لا يصبح هناك فرق بين الزهور والقبور ولا بين العشة والقصور، فكل شيء أصبح سواء بسواء. لذلك نصبح في الحياة بلا هدف ويبقى شيء واحد هو أن نتمنى الموت وأيامنا مجرد احساس كئيب تسير ببطء في تثاقل مميت نحيا لأنه ليس بأيدينا أن ننهي هذه الحياة وليس أمامنا شيء سوى أن نحياها حتى لو كنا لها كارهين. فما أصعب الحياة التي نعيشها فهي تأخذ منا أكثر مما تعطينا كما أنها لا تكفل لنا حرية أن نحياها كما نريد فهي تحدد لنا القيود التي يجب أن نضع أنفسنا فهي تعطينا في بعض الأحيان كل ما نريد وفي ذروة الفرح والنشوى تفرض علينا أن نتركه إما بالموت أو بالزوال وأحياناً تتركنا نحياها وهي تحرمنا من كل شيء وتغرقنا في بحور من الحرمان والهموم المتلاحقة التي تشبه أمواج بحر الظلمات الهائجة التي تتلاحق علينا وتمحو ملامحنا وكأنها عوامل التعرية التي تفتت ذرات الصخور على الشاطئ.